زراعة كلى في غزة المحاصرة.. "كيف كان حلما و أصبح حقيقة"

زراعة كلى في غزة المحاصرة.. "كيف كان حلما و أصبح حقيقة"
رام الله - دنيا الوطن
حاورته/نهى مسلم
"زراعة كلى لمريض فشل كلوى تعنى زراعة أمل جديد لحياة انسان كانت له شبه معدومة".. هكذا بدأ د.عبد الله القيشاوى رئيس قسم أمراض الكلى وغسيل الكلى بمجمع الشفاء حواره معنا،ليضيف:"مشروع زراعة الكلى أصبح حقيقة على أرض الواقع لتنهى معاناة ما يقارب من 800 مريض انتظروا سنوات لتحقيق ذلك.

وخلال جولة اعلامية لقسم غسيل الكلى بمجمع الشفاء التقينا بالمريض العشرينى اسماعيل الفيرانى الذى ينتظر اجراء عمليته في الزيارة المرتقبة للوفد البريطانى بقيادة د.عبد القادر حماد استشارى زراعة الاعضاء بمستشفى ليفربول ببريطانيا،في الرابع و العشرن من الشهر الجارى

ليقول:" أيام قلائل أنتظرها بفارغ الصبر لأستقبل الحياة الجديدة ما بعد العملية لأمارس حياتى بشكل طبيعى خاصة و أننى ولدت بكلية واحدة و أقوم بعمليات غسيل الكلى التى أرهقتنى جسديا و نفسيا "

من أين جاءت الفكرة؟
يقول د.القيشاوى أن هذه الفكرة كانت حلم تراود كل طبيب يقدم خدماته لمرضى الفشل الكلوى و يتعايش معهم و يشعر بمعاناتهم، و بدأت تُنسج خيوط الفكرة بمحض الصدفة عندما زار وفد طبى متعدد التخصصات من بريطانيا مجمع الشفاء الطبى في العام 2011 ،للاطلاع على الوضع الصحى،و كان بينهم طبيب مصرى و قد أطلعته على معاناة مرضى الفشل الكلوى في ظل الحصار و الاغلاقات المتكررة و عمليات الغسيل الكلوى المرهقة التى تواجه بعض نقص مستهلكاتها الطبية ، وأن الحل الامثل لهم عمليات زراعة كلى.

لم تكن هذه الجولة تمر مرور الكرام على ذلك الطبيب المصرى ليحمل الفكرة الى مستشفى ليفربول في بريطانيا ويطرحها على د.عبد القادر حماد استشارى زراعة الأعضاء بالمستشفى، لتكون زيارة الوفد الثانية في العام 2012 لتضم د.حماد و يطلع على الوضع الصحى بقسم الكلى بمجمع الشفاء بشكل موسع لتبدأ أولى خطوات التنفيذ العملى.

ما هى الخطوط العريضة لتنفيذ هذه الفكرة؟
يستطرد القيشاوى قائلا:"بدأنا بعقد عدة لقاءات مكوكية بين أركان وزارة الصحة و المختصين و د.حماد لوضع الخطوط العريضة لتأسيس برنامج تدريبى لزراعة الكلى على عدة مراحل، أولها اجراء عمليات زراعة كلى ، و الثانية تدريب الأطباء المحليين لتأهليهم لعمليات زراعة الكلى،و الثالثة اجراء تحاليل تطابق الانسجة في قطاع غزة.

و يضيف:"بعد وضع اللمسات الأخيرة للشروع بعمليات زراعة الكلى ، بدأنا بفرز الحالات التى بحاجة لزرع كلى و أكثرها حرجا، ويقول" الأصعب من ذلك كان كيف نعزز ثقة المواطن بنجاح زراعة كلى في قطاع غزة،و بدأت الحكاية عندما تم اجراء أول عملية زراعة كلى في يناير 2013 لمريض عانى ويلات الغسيل الكلوى المتكرر لسنوات و معاناة السفر و عذاباته الى جانب الوضع المادى الصعب،حيث تبرعت له زوجته بكلية بعد اجراء فحوصات تطابق الانسجة،لتحقق نجاحا كبيرا يضاهى الدول المتقدمة.

ويتابع:"سجل عام 2013 أول عمليتى زراعة كلى لمرضى في مجمع الشفاء الطبى بقيادة د.عبد القادر حماد رئيس الوفد البريطانى القادم من مستشفى ليفربول ببريطانيا و بمشاركة الطاقم المحلى برئاسة د.عبد القيشاوى رئيس قسم أمراض وزراعة الكلى بالمجمع،ليصل عددها حتى نهاية 2013 الى ثمانى عمليات".

عقبات تكللت بالنجاح
ويشير القيشاوى الى أن النجاح الذى حققناه لم يكن سهلا بالبداية نتيجة عدة عقبات واجهتنا فى اجراءات فحوصات تطابق الانسجة وارسالها الى بريطانيا حيث توفر مختبر فحص الانسجة هناك،و بالتالى كانت العملية تستغرق وقت طويل ليتمكن بعدها الوفد من اجراء العمليات للمرضى بقطاع غزة،مقدرا جهود د.محمد الكاشف أنذاك عندما كان مديرا عاما للتعاون الدولى سابقا بوزارة الصحة ،الذى كان له الفضل في تسهيل اجراءات ارسال العينات في وقت زمنى قصير.

ويواصل حديثه خلال لقاء اعلامى:"كانت زيارة د.حماد في البداية كل ستة شهور،و أعداد المرضى في تزايد و معظمهم يحتاج لعمليات زراعة كلى كونها الحل الامثل لهم و تخليصهم من عذابات ماكنة الديلزة بمعدل ثلاث مرات اسبوعيا.

وبمرور الوقت أصبحت زيارة الوفد بمعدل من شهرين الى ثلاث شهور ليتمكن من زراعة أربع حالات في كل زيارة ،ليسجل عام 2019 زراعة كلى لعشرين مريضا بعد الزيارة المرتقبة الشهر الجارى،مؤكدا أن نسبة نجاحها وصلت الى 95% و هى نسبة تضاهى الدول المتقدمة كأمريكا و أوروبا.

كم عملية يجرى الوفد في كل زيارة؟
وحول عدد العمليات التى يجريها الوفد البريطانى في كل زيارة،ذكر القيشاوى أنه يتم كحد أقصى اجراء (4) عمليات فقط،نظرا للطاقة الاستيعابية لأسرة العناية المركزة في جراحة القلب ،كما و يحتاجون الى متابعة علاجية متكررة و رعاية صحية دقيقة جدا خلال فترة مكوثهم فيها على مدار ثلاثة أيام متتالية.

ويشير د.القشياوى الى أن زيارة الوفد بدأت تتكرر لأكثر من ثلاث مرات سنويا نظرا للأعداد المتزايدة التى هى بحاجة لزراعة كلى ،حيث وصل عددهم في قطاع غزة الى 800 مريض منهم (485) مريض في مجمع الشفاء،لافتا الى أن نسبة الزيادة 13 %سنويا.

كيف يتم تحضير المريض لزراعة الكلى؟
ونوه د.القيشاوى الى أن عملية تحضير المريض لزراعة كلى تمر بعدة خطوات أولها، يجب أن يكون تطابق في فصيلة الدم بين المريض و المتبرع،وصلة القرابة تكون من الدرجة الأولى أو الثانية بناء على ضوابط وضعتها وزارة الصحة،و أيضا هل مريض الفشل الكلوى يمكن زراعة كلى له خاصة و أنه ليس كل مريض يتمكن من اجراء العملية لبعض الموانع كأمراض السرطان و الكبد الوبائى أو ضعف حاد في عضلة القلب. بالاضافة الى اجراء التحاليل اللازمة للمريض،وأن يكون المتبرع خالٍ من أية أمراض بحيث تجرى له صور الأشعة و التحاليل اللازمة،و بعد ذلك يتم اجراء تحليل تطابق الانسجة ،و اجراء الأشعة المقطعية للأوعية الدموية للمتبرع ،واخيرا موافقة اللجنة العليا لزراعة الكلى برئاسة د.ناصر أبو شعبان استشارى جراحة المناظير.

عشرة أيام تحوله لانسان قابل للحياة
عشرة أيام كفيلة لتحول مريض الفشل الكلوى من انسان غير قادر على الحياة الى انسان يمارس حياته بشكل طبيعى،يقول د.القيشاوى:" عذابات سنوات طوال ينهيها طاقم زراعة الكلى البريطانى و المحلى في عشرة أيام فقط ما بين اجراء الفحوصات و النتائج و اجراء العملية و المتابعة العلاجية" ليواصل حياته بعد ذلك بشكل طبيعى مع التزامه الكامل بتناول أدوية مثبطات المناعة مدى الحياة.

ويوضح د.القيشاوى الى أنه يتم التوضيح للمريض أليات اجراء العملية من قبل الحكيم المشرف خضر حسونة بحيث يكون المريض على دراية تامة بتلك الاجراءات ما قبل العملية و أثناء و بعد العملية وأهمية الالتزام بالتعليمات و الأدوية و نوعية الطعام و الشراب و سحب عينات الدم بعد المتابعة.

ونوه الى أن الوفد البريطانى يقوم باستئصال الكلى عن طريق المنظار لجميع الحالات كونه أقل أعراض جانبية و أقل فترة مكوث بالمستشفى و أقل ألاما للمريض،بحيث لا يتجاوز اجراء عملية زراعة الكلى عن الثلاث ساعات و أقصاها أربع،ليصل عددها حتى الآن الى (74) عملية زراعة كلى لمرضى الفشل الكلوى من جميع محافظات قطاع غزة.

لماذا لم يتم انشاء مختبر فحص تطابق الانسجة في غزة حتى اللحظة؟
وأوضح  على أن وزارته على مشارف انشاء مختبر تطابق الانسجة ،حيث انتهت من اجراءات تدريب الكوادر الفنية على الأجهزة الحديثة التى ستعمل في هذا المختبر، عندما تم ايفادهم مع وفد محلى مكون من طبيب مختص بجراحة الكلى والتمريض و الأشعة و الجراحة الى مستشفى ليفربول ببريطانيا على مدار شهرين للتدريب على عمليات زراعة الكلى و ذلك في العام 2014،كما و أنه تم توفير الاجهزة الخاصة بالفحوصات و ننتظر بعض الاجراءات الفنية فقط.

وأكد على أن هذه الأجهزة على أحدث مستوى لتضاهى مختبرات مستشفيات بريطانيا حيث أن الفريق كان قد تلقى تدريباته على ذات الأجهزة في بريطانيا.

متى سنصل الى الحد من تحويل الحالات الى العلاج بالخارج؟
يقول أننا سنصل الى الحد تماما من التحويل للخارج عندما تتوفر لدينا عمليات اجراء غسيل البلازما حيث ما يتم تحويله فقط هو الحالات التى تحتاج الى غسيل البلازما.

يذكر أنه يتم زراعة كلى للمرضى من قبل فريقين أولهم الفريق الطبى البريطانى بقيادة د.عبد القادر حماد استشارى زراعة الاعضاء بمستشفى ليفربول ببريطانيا ،و الفريق الأردنى بقيادة د.وليد مسعود الذى أجرى حتى اللحظة ما يقارب (17) عملية زراعة كلى .

حلما و أصبح حقيقة ،،،
هكذا اختم حواره معنا بأن الحلم أصبح حقيقة بجهود وزارة الصحة في استجلاب الوفود الطبية لاجراء العمليات النوعية لتلبى احتياجات المرضى داخل مستشفيات قطاع غزة الى أن وصلت لزراعة كلى لمرضى الفشل الكلوى لتحول حلمهم الى حقيقة.

وقال:"نتمنى في القريب العاجل أن تجرى عمليات زراعة الكلى و تحاليل فحص تطابق الانسجة بأيد محلية 100%،وهو حلم ليس ببعيد لتخفيف معاناة مرضانا من السفر للخارج"