قلعة الورق

قلعة الورق
د.يسر الغريسي حجازي
11.12.19

 قلعة الورق

 "ان الانسان الصالح هو الانسان الذي تتوفر فيه الانسانية و الادراك و الضمير حتى يتصرف حسب ما يوفر الراحة و الابتهاج الى اهله، اصدقائه و جيرانيه و قومه. العقل هو زينة الانسان و الذكرى الخالدة لابنائه و قومه. و خلقت الديانات كسيرة للسلوك من اجل صنع ثقافة الكرم والاخلاق الطيبة بين الناس لتساعدهم على التعابش و على تامين مستقبل ابنائهم. والطقوس الدينية تهدف الى تذكير البشر بضرورة الابتعاد بكل ما يضر به، و بقومه وان يتخذ  قرارات و يتصرف في السراء".

ان الوضع يتمحور حول الظاهرة الإسرائيلية ومسؤوليتها فى نشرالبغض والعنف في الشرق الاوسط، وممارسة ابشع انواع العنف والعنصرية على الفلسطينيين ان كانوا علي اراضيهم او في اماكن اخري. دعنا نتذكر كيف بنيت دولة اسرائيل  الهشة، وكيف استغلت الهوية العرقية لتسرق مزيدا من الاراضى الفلسطينية وذلك من اجل طرد وذبح آلاف الفلسطينيين. وتدعو إسرائيل اليوم الى السلام وفى نفس الوقت، تستمر في انتهاكات الحرمة الفلسطينية للاستيلاء علي مزيد من اراضيها وتحويلها الي مستوطنات لزرع وانتاج فواكه وخضر تسوق حول العالم علي انها بضاعة اسرائيلية. بالإضافة إلى ذلك، تتعمد الحكومة الإسرائيلية  دائما فى حروبها القتل الوحشي واستهداف المدنيين الفلسطينيين وخاصة الأمهات والأطفال ويتم ذلك تحت غطاء الدفاع عن النفس. علينا ان نتذكر ان بناء دولة لاسرائيل تم علي عقيدة الصهيونية بهدف القضاء التام على الجذور الفلسطينية والتهديد الديموغرافي الفلسطيني بالطرد القسري، جميع الفلسطينيين من الضفة الغربية الي أولئك الذين يعيشون في الأراضي المحتلة وهم مواطني إسرائيل من المنطقة بأكملها من النهر الي البحر. وتلك الفكرة اسستها مجموعة من المستوطنين "جملا" والضباط الإسرائيليون السابقون. وبنشر شعارهم على موقعهم الإلكتروني في بيان من تسعة آلاف كلمة بعنوان "لوجستيات النقل" كتبه بوريس شوستيف في 3 يوليو. منذ عام 2000، تسببت اسرائيل في مقتل أكثر من 7100 فلسطيني، وخلفت وراءها الآف من الشباب الايتام، والمعاقين ومن المرضي النفسيين الذين ضيعوا شبابهم وطموحاتهم. ولا يزال تتحدث إسرائيل عن معاداة السامية، وهي العقيدة التي اضطهدت اليهود قبل 66 عاما في أوروبا. وكان فى الاصل الشعور المعادي للسامية، فتنة من صناع القرار في إسرائيل مما خلق متلازمة أعطت الحق للنظام الإسرائيلي للدفاع عن أكاذيبه. أعطت دولة  إسرائيل الحق و الشرعية لحكومتها، باضطهاد و كره الفلسطينيين الذين لا يتمكنوا من الراحة ولا الحصول علي حقوقهم الأساسية حتي. كيف تفسرون الديمقراطية السيادية  فى الحكومة الإسرائيلية، التي لا تعترف بجيرانها وبالسكان الفلسطينيين الذى يبلغ عددهم 4.5 مليون في الضفة الغربية وقطاع غزة، ومليون و نصف داخل الخط الاخضر وحوالي ستة مليون في الشتات، يعني ما يعادل 12 مليون فلسطيني. كما أظهرت إسرائيل لسنوات عديدة، عدم قبول  قيام دولة فلسطينية بالقرب من دولة إسرائيل. وتتوضح المواقف الإسرائيلية المعادية للسامية تجاه الفلسطينيين، من خلال الهجمات العسكرية على المدنيين التى هي مجرد دليل على أن الدولة الإسرائيلية تهدف لإبادة الوجود الفلسطيني. و فى نهاية المطاف، ان زيادة الحصار الاقتصادي والحركة على الفلسطينيين أدى إلى اهدار الاوضاع غير الانسانية و القاهرة لسكان قطاع غزة والضفة الغربية، وللفلسطينيين الذين يقطنون في الداخل. لا شك أن الدعوة الإسرائيلية للسلام، هي خرافة وعملية سرقة مزيد من الاراضي الفلسطينبية وزيادة الاستيطان والأعمال العدائية والعنف ضد السكان الفلسطينيين، مما يساهم فى تقليل فرص السلام بين شعبين يسكنان فى نفس المنطقة وبجوار البعض. في الواقع خلقت إسرائيل عدم الاستقرار الفلسطيني، و سرقت حياتهم و اخترعت  قواعد ومبادئ  باسم الديمقراطية  تسمح لها  بالاعتداء واتنتهاك الحقوق والسلام الداخلي والوجود البشرى.اسرائيل تقتل أفضل أمل للحياة للشعب الاسرائيلي والفلسطيني علي حد سوي وتعمل بجهد قوي في كل الاتجاهات حتي لا يكون اي امكانية لإقامة الدولة الفلسطينية. لا تريد منح الراحة والاستقرار لشعبين بالكامل. أنا فقط أود أن أقول لصانعي القرار على الصعيد الدولي: "كيف يتم إخفاء الحقيقة أن إسرائيل تسلب كل يوم ما تبقي من حياة الفلسطينيين،  تحت غطاء الشرعية الدولية؟". عندما تستمر الحكومة الإسرائيلية في سياسة تجاهل الوجود الفلسطيني وحقه في تقرير مصيره، لا يستغرب احد من تفجير الاوضاع عند الفلسطينيين وذلك بسبب الظروف الحياة اللاإنسانية وهي  اكثر شبه للجحيم. وذلك الجحيم يفرض سياسة فظيعة تستولي علي كل شبر ارض من الاراضي الفلسطينية، وتهدم الانسان والبيت ومعه كل حنين الذكريات والممتلكات وكل ملامح الحب الذي عاشه الفلسطيني وكل شجرة زيتون قام بزرعها. و يفرض حصار وحشى على السكان الفلسطينيين في الضفة الغربية وقطاع غزة تجبر المواطنين على الكفاح من أجل البقاء على قيد الحياة و الكفاح اليومي لتوفير اللوازم الأساسيات الخاصة بهم. لا يزال يعانون الفلسطينيون  من الوصول إلى المياه الصالحة للشرب والأغذية السليمة .هكذا تفرض اسرائيل قيود طويلة الأمد على حركة الناس والبضائع من وإلى وداخل قطاع غزة, مسببة ظروف معيشة صعبة للغاية على 2  مليون شخص فى غزة مما يزيد من معاناة سبل العيش والخدمات الأساسية.

معقول انهم يتغنوا بالديمقراطية والحرية؟ وهل معقول ان دولة ديمقراطية تقوم كل صباح بالاعتقالات وتكبر في سجونها؟ ولا تتردد في اعتقال الاطفال تحت تهديد سلاح م16, وبكل قوة ترمي بالرصاص القاتل الشباب الفلسطينيين علي حواجزها. اليس هذا تطهير عرقي؟ ناهيك علي الشباب الذين رحلوا من وطنهم ومنهم الميئات الذين اصبحوا شهداء لقمة العيش, والذين لم يغرقوا لم يستطيعوا المغادرة بسبب ضعف الامكانيات المادية، غير الذين انتحروا بسبب القهر والفقر والبطالة. وهذا الحال يستمر ولا حياة لمن تنادي. وياتي المستشفي الامريكي الميداني، والذي حسم سياسة الابرتايد وبداية التقسيم الجغرافي للمنطقة.

ان كل هذه الافعال  تعكر الحياة الفلسطينية والأسرية بشكل خطير، وتخفض معنويات آمال الشعب في بناء مستقبل لأبنائهم. وبالتالي ان القيود المفروضة على التجارة الخارجية، بما في ذلك مع إسرائيل، وعلى التحويلات من وإلى الضفة الغربية تمنع قطاع غزة من التنمية الاقتصادية. و يقتصر اقتصاد غزة على الوصول إلى الأراضي الزراعية ومياه الصيد الى عمق محدود، والنقص المزمن في الكهرباء. كما ان القيود الحالية المفروضة من اسرائيل لا تشجع على الاستثمار، وتمنع النمو المستدام. وزادت نسبة البطالة بشكل خطير وانعدام الأمن الغذائي واصبح الاعتماد على المعونات والمساعدات الانسانية. كما ان اخر الابحاث  تشيرالى تدهور البنية التحتية وانخفاض خطير فى الخدمات الأساسية، والحصار الدائم ساهم فى تكثيف الفجوات في الخدمات الصحة والتعليم والكهرباء والمياه والصرف الصحي. و سبب تضخيم الوضع الانسانى هو النمو السكاني السريع، والضرر الكبير على البنية التحتية خلال الاعتداءات الإسرائيلية. بالاضافة، تواصل المنظمات الدولية  مواجهة الحواجزالاسرائيلية  التي توقف استيراد مواد البناء ونظام الموافقة. وعلاوة على ذلك، تفرض اسرائيل  قيود على حركة الناس والبضائع بين قطاع غزة والضفة الغربية و التى هي جزء من "سياسة الفصل" التي اعتمدتها السلطات الإسرائيلية. وقامت اسرائيل بتقسيم  وتحويل  الأراضي الفلسطينية، الى سجن رهيب  يحوى 4 ملايين و 100.000  مواطنين يمنعون من  حرية الحركة والاستمتاع بوضع  اجتماعي و اقتصادي مزدهر. ان الاستطلاع الأخير على المسوحات الأمنية الاجتماعية والاقتصادية والغذائية،  تظهر أن 48٪ من الفلسطينيين  لا ينعموا  بالأمن الغذائي و المياه الصالحة للشرب نتيجة الحصار المفروض على قطاع غزة . وتذكر الابحاث أن المشكلة الرئيسية  فى انعدام الأمن الغذائي ناتج على صعوبة الحفاظ على النمو الاقتصادى, والاستمرار ببرامج المساعدة والنقص فى فرص العمل. وعلاوة على ذلك لا تزال معدلات البطالة تتزايد ويظهر قطاع غزة التدهور الاجتماعي والاقتصادي المأساوي. وهناك أيضا ان أكثر من 86.000 فلسطيني في قطاع غزة و 109.400 في الضفة الغربية غير قادرين على العثور على عمل .و يسجلوا اللاجئين  اعلى المعدلات فى البطالة. إلا أن النفقات العالية على المواد الغذائية تعرض الأسر الى التوتر واليأس على تحمل صعوبة الوصول الى الأساسيات في الغذاء، وضعف القوة الشرائية للمستهلك والتي تستمر دائما فى تقلب الاسعار. المزيد والمزيد من الفلسطينيين في قطاع غزة يعيشون  نقص الكهرباء اليومي من منذ فترة طويلة  بسببب عدم قدرة المحطات علي توليد الكهرباء في غزة، مما يسبب في قطع الكهرباء لفترات طويلة يوميا. وتفيد التقارير على ان  90 ٪ من المياه المستخرجة هي  مياه جوفية و غيرصالحة للاستهلاك البشري. ويتم التخلص من الصرف الصحي في البحر مما يشكل خطر انتشار الامراض و الاوبائيات . الحقيقة ان  بعد 20 عاما قضيتها في قطاع غزة، أشعربخيبة امل شديدة  لرؤية غطاء شرعى ودولى  يوافق على الممارسات الإسرائيلية ضد الفلسطينيين، الذين يريدون فقط أن يعيشوا حياة كريمة, و استغرابى الشديد من اسرائيل التى تدعى انها دولة متقدمة تطبق الديمقراطية و القانون. انا لا اصدق ابدا ان العالم وصل الى النضوج الفكرى، بل اقول ان معظم الحكام فى العالم تسيطر عليهم غرائزهم البشعة ازاء الانسانية و السلم العالمى. لما كنت اعيش في غزة، كنت كلما تسنح لى الفرصة بالخروج من غزة اتساءل اي نوع من الجحيم يعيشونه سكان غزة. ليس لى الا ان اعبر عن اعتزازي وتقديري لصمود الفلسطينيين ازاء الاحتلال الاسرائيلى. فماذا تتوقع اسرائيل من شعب تسلب حياته و تمارس ضده كل انواع السادية و التيرانيا؟ عليها فقط ان تعلم ان سرقة طعام البشر يحوله الى الغضب وانها قد زادت كرهنا جميعا الي حكامها الذين يتلذذون في تعذيب الانسان الفلسطيني. و اعتقد ان اللعبة فى نهايتها و ان بعد كل هذه الحروب الهمجية والتي قامت بها اسرائيل، لا يمكن لا لحكامها الحاليين او لحليفهم الامريكي ترمب ان يحجبوا هذا الواقع. سوف ينتهوا جميعا ولاياتهم، وياتوا حكام جدد يريدون الحياة والازدهارلشعوبهم، لذلك لا مفر من الاعتراف بدولة فلسطينية كاملة السيادة، لان لا يمكن لشعبين اليهودي والفلسطيني ان يعيشوا في عدوان مستمر.

التعليقات