العراق وفلسطين شراكة قد تعود

العراق وفلسطين شراكة قد تعود
العراق وفلسطين شراكة قد تعود

مهند عبد الحميد

منذ تشرين الأول الماضي ساد فرح وحزن في أوساط فلسطينية واسعة، الفرح كان بسبب اندلاع انتفاضة عراقية سلمية تطالب بحقوق مطلبية مشروعة وبعودة العراق إلى هويته الوطنية المدنية المستقلة. والحزن كان بسبب ما تعرض له شبان وشابات الانتفاضة العراقية من جرائم قتل. التفاعل الفلسطيني مع العراق جاء امتداداً للعلاقة التاريخية التي سجلت كفاحا مشتركا ضد التطهير العرقي الذي تعرض له الشعب الفلسطيني على أيدي الاستعمار الصهيوني، ويشهد عليه نصب الجندي المجهول ومقبرة شهداء الجيش العراقي في مدخل مدينة جنين، وذاكرة فلسطينية احتفظت بشجاعة ومأثرة العراقيين.

والعلاقة الوجدانية جاءت أيضا امتداداً لمشاركة مقاتلين ومثقفين وفنانين عراقيين في الثورة الفلسطينية وتميزهم في الأداء. سواء في المقاومة أو في تطوير فكر المقاومة أو في الدعاية الفنية الجمالية.

الدفاع العراقي عن حقوق الشعب الفلسطيني المشروعة في المرحلتين التاريخيتين السابقتين تجاوز القرارات الرسمية، إلى كفاح مشترك بين جنود وضباط نظموا وقادوا مقاومة فلسطينية نجحت في صد هجمات الهاغاناة وكان من نتيجته بقاء 15 قرية فلسطينية عصية على العصابات الصهيونية، وذلك بفعل الوحدة الميدانية بين المقاومين الفلسطينيين والضباط والجنود العراقيين.

كما يقول المؤرخ الإسرائيلي إيلان بابه في كتابه الشهير والمهم (التطهير العرقي في فلسطين). في التجربتين انتصرت منظومة قيم التحرر من الاستعمار على حسابات الرسميين والمعادلات التي كانت ترتهن لعلاقات تبعية للدول الاستعمارية.

الانتفاضة العراقية المتواصلة شأنها شأن الانتفاضات السودانية والجزائرية واللبنانية تحاول صناعة زمن جميل عنوانه حق الشعب في تقرير مصيره وبالاستناد إلى مصالحه، وبناء الدولة المدنية الديمقراطية التي تلتزم بالحقوق المتساوية، وترتقي به من خلال الانفكاك عن علاقات التبعية والتدخلات التي جلبت للعراقيين الأزمات الخانقة وأهدرت مواردهم، والانفكاك عن الطائفية كأداة سيطرة قسمت العراقيين وفتتت نسيجهم الاجتماعي، ومن خلال إعلان الحرب على منظومة الفساد والفاسدين التي يسرت علاقات التبعية وكرست الطائفية واستأثرت بالموارد على حساب مصالح السواد الأعظم من الشعب العراقي.

من قتل 500 شاب وشابة عراقية وجرح الآلاف بينهم إعاقات جسدية، واختطف مئات المحتجين، من اختطف صحافيين وقانونيين مع سبق الترصد، ومارس أشكالاً بشعة من الإرهاب؟ بالتأكيد الذي قتل وجرح واختطف وأرهب هي القوى التي لها مصلحة حقيقية في الحفاظ على التبعية ونهب الموارد والطائفية والفساد. نعم، الحكومة تتحدث عن فقدان السيطرة على بعض العناصر، ثم تعترف وزارة الدفاع بالاستخدام المفرط للقوة ضد المحتجين، ولجنة التحقيق الحكومية حملت المسؤولية لقادة أمنيين كقائد عمليات بغداد، ووجود قناصة وطرف ثالث.

المنتفضون ومنظمات حقوقية تتهم قيادات سياسية وأمنية ومليشيا ومسلحين ينتمون «لعصائب الحق» و»الحشد الشعبي» و»سرايا الخرساني».

ولم تفلح لجان التحقيق وبيانات الحكومة ومسؤوليها وقرارات حماية المنتفضين بوقف أعمال القتل، التي تزداد وتيرتها مع كل وعد وتعهد رسمي. ولم تفلح استقالة رئيس الحكومة ولا وعود الإصلاح بإقناع المنتفضين بأن مطالبهم ستحقق.

من يسيطر على القرار السياسي في العراق؟ سؤال تقدمت به إلى صديقي الطبيب العراقي صاحب التاريخ النضالي المشهود له بحب العراق وبالإخلاص له، والذي يتابع تفاصيل ما يجري لحظة بلحظة رغم مرضه. قال صديقي، يتنازع السيطرة على العراق، الولايات المتحدة وإيران، وكلاهما لا يكترثان بمصالح العراق إلا من زاوية مصالحهما الأنانية الخاصة. وأضاف: إن كل أنواع التدخل الخارجي تتبع إما الدولة العظمى على صعيد كوني «أميركا»، وإما الدولة الإقليمية التي ترغب في تعزيز نفوذها الإقليمي «إيران».

ويضيف صديقي، إن الشعب العراقي امتلك أمره، وبدأ يخوض في عملية قد تطول، وقد تترتب عليها تضحيات كبيرة، لكن الانتفاضة التي تعمدت بشهداء دافعوا عن حريتهم وحرية العراق،  لن تسمح ببقاء العراق تحت النفوذ والسيطرة والتقاسم، لقد بلغ السيل الزبى، ولن تعود عقارب الساعة إلى الوراء، ختم صديقي بتقديره المتفائل. 

يقترن الموقف الأميركي بتدمير الدولة العراقية وفرط جيشها وممارسة ذلك النوع الكولونيالي من الاحتلال الذي أريد له حراسة عملية النهب لموارده، وفصل الشعب العراقي عن الشعوب العربية، وتكريس نظام تابع يعيد إنتاج علاقات التخلف.

وقدم الاحتلال الأميركي نموذجه الديمقراطي عبر ما فعله في سجن أبو غريب، جرائم يندى لها جبين الإنسانية، وبناء نظام جرى استقدام رموزه ومكوناته على ظهر الدبابات الأميركية، فكانت النتيجة إعادة إنتاج تنظيم القاعدة واستحداث تنظيم داعش.

هذا التعريف بالدور الأميركي قد يكون مشتركاً لدى الشعوب العربية. مقابل ذلك هل الموقف الحاسم الرافض للتدخل الأميركي في العراق يقود إلى تأييد النفوذ الإيراني في العراق الذي يحتاج إلى إعادة تعريف.

وأعتقد أن المدخل الأنسب هو مقياس الديمقراطية الإيرانية، بمعزل عن الذهاب بعيداً في طبيعة النظام الديني «الثيو قراطي» وموقعه من الاقتصاد النيو ليبرالي العالمي وعلاقات السوق.

من يشاهد قمع فئات واسعة من الشعب الإيراني لمجرد طرحها مطالب محدودة لها صلة برفع الأسعار أو لها صلة بالحريات، يصل إلى نتيجة أن نظام الحكم أبدي ولا يقبل لا بتداول سلمي للسلطة ولا بتغيير في شكل الحكم، ولا باحترام أكثرية ولا أقلية ويتصرف كأي نظام شمولي يعمل بكل ما أوتي من قوة لاجتثاث المعارضة والاحتجاجات الشعبية وأي قوى تغيير حتى لو كانت مستقلة عن أي دعم خارجي.

بعد إغلاق جميع الأبواب والنوافذ أمام أي احتمال للتغيير أو للتعديل في بنية النظام. المطروح نظام إلى الأبد، واستبداد إلى الأبد وقمع إلى الأبد.

ولم يتوقف النظام الإيراني عند هذا الحد بل عمل على تثبيت الأنظمة الحليفة أو الدائرة في فلكه  إقليميا مهما كانت مستبدة أو فاسدة أو مرتكبة لجرائم بحق شعوبها، وقد عمل وما زال يعمل من أجل تثبيت تلك الأنظمة في الحكم، ويشارك في قمع شعوبها مهما كان الثمن.

والأدهى أن النظام الإيراني اخترع أدوات سيطرة موازية، كالحرس الثوري داخل إيران،  والمليشيات الطائفية المنظمة في البلدان الأخرى، وجلها لا يعرف المرونة ولا يحترم القوانين والأنظمة المتعارف عليها.

إن انحياز إيران للاستبداد والقهر باستمرار، وعدائها لشعوب تلك الأنظمة القهرية المستبدة على الدوام، أفرغ موقفها المعارض لأميركا ولدول غربية من أي مضمون، بل وأفرغ دعمها للمقاومة من كل مضمون، والمضمون هو حرية الشعوب وكرامتها واستقلالها.

عندما تتشارك إيران مع المستعمرين والمحتلين في سلب الحرية والكرامة وحقوق الإنسان ينتفي الفرق بينهما.

انسجاماً مع ذلك، كان من الطبيعي أن يطالب الشعب العراقي بوقف التدخلين الأميركي والإيراني الكابحين لحريته، وكان من الطبيعي مطالبة الشعب اللبناني بالخلاص من النظام الطائفي بما في ذلك امتداده الإيراني.

ومن الطبيعي أن يصبو الشعب الفلسطيني إلى شراكة عراقية فلسطينية من الطراز الشعبي الأصيل.    

التعليقات