بوادر انفراج في أفق الخليج

بوادر انفراج في أفق الخليج
 عريب الرنتاوي

ثمة بوادر انفراج تلوح في أفق الخليج... الأزمتان التي ضربتا دوله الست، حرب اليمن وحصار قطر، تشهدان إرهاصات حلول وتسويات، بدءاً بإجراءات استعادة الثقة ... صحيح أنهما ما زالتا بعيدتين عن "الحل النهائي"، وأن طريقهما لهذا الحل تبدو طويلة وشائكة، بل و"مفخخة"، إلا أن المراقب لمجرياتهما، لا بد يلحظ انعطافاً في مسار تطور الأحداث.

في اليمن، لم يعد سراً أن ثمة قنوات تفاوض "خلفية" بين الحوثيين وكل من الرياض، معظمها غير مباشر، وعبر الوسطاء، وبعضها الآخر مباشر ... وقد انتجت هذه القنوات حالة من الهدوء النسبي على جبهات القتال، واتفاق الأطراف على إجراءات "بناء ثقة" .... حدة المعارك تراجعت على نحو ملحوظ... أوقف الحوثيون ضرباتهم الصاروخية في العمق السعودي، وتراجعت وتيرة الضربات الجوية السعودية بنسبة يقدرها مراقبون بحوالي 80 بالمائة.

عمليات تبادل الأسرى، بدأت وإن على نحو خجول ومتواضع، والأحاديث عن فتح مطار صنعاء لإخراج الجرحى يندرج في سياق الانفراج، وثمة مؤشرات على تخفيف قبضة الحصار في المجالين الغذائي والدوائي كذلك ... الوسطاء يكثفون جهودهم، الموفد الأممي يتحرك بنشاط، ومسقط باتت وجهة مختلف الأطراف ذات الصلة بهذا الملف.

الطريق لتسوية نهائية لأكبر وأخطر كارثة إنسانية في عصرنا الحديث، كما تقول تقارير الأمم المتحدة، ما زالت طويلة، ودونها عقبات وعوائق محلية وإقليمية ودولية ... لكن "حالة الانهاك" التي تهيمن على الأطراف، وفشل محاولات "الحسم العسكري" للصراع، أفضتا إلى خلق إحساس عميق بالحاجة لـ"تجفيف المستنقع اليمني".

غني عن القول، أن اتجاه الأزمة للانفراج، وربما الحل، لا يعني للحظة واحدة "صمت المدافع" كلياً، فالباب ما زال مفتوحات أمام خيار "التفاوض بالنار"، وهذا ما نشهده بين حين وآخر، كما في مختلف الأزمات والحروب الممتدة من هذا النوع.

الأزمة الخليجية بين قطر من جهة ودول "الرباعي العربي" من جهة ثانية، تبدو بدورها في طريقها لـ"الحلحلة" ... "دبلوماسية كرة القدم" ليست سوى قناة من قنوات عدة، تتفاعل في داخلها مبادرات وجهود لإغلاق هذا الملف ... تبادل برقيات المجاملة، والتقارير عن سعي أمريكي لغلق الملف، وعودة الحديث عن انعاش المبادرة الكويتية، والقمة الخليجية المنتظرة المحمّلة بالرهانات والتوقعات، تدفع للاستنتاج بأن هذه الأزمة قد بلغت ذروتها، وأنها في طريقها للانحسار واستعادة الهدوء.

الفجوة ما زالت واسعة بين الأطراف، ومن يستعيد شروط "الرباعي العربي" الثلاثة عشرة لإنهاء الحصار المفروض على الدوحة، يدرك أن مهمة المصالحة ليست يسيرة، وأنه يتعين بذل المزيد من الجهود لتدوير الزوايا الحادة في مواقف الأطراف، وأن الظروف التي ساعدت دول الرباعي على التشدد في شروطها ومطالبها، قد تغيرت، وأهمها غياب الإرادة الدولية (الأمريكية) بمعاقبة قطر، ونجاح الأخيرة في امتصاص الآثار النفسية والمادية لقرار المقاطعة والحصار.

لن يعود اليمن إلى ما كان عليه قبل الحرب، ولن تعود العلاقات داخل "الأسرة الخليجية" إلى ما كانت عليه قبل الأزمة مع قطر ... لكن "نصف الكأس الملآن" في هذا المشهد، إنما يتأتى من "صمت المدافع" ووقف المجاعة وشلالات الدم في اليمن، ومن "تطبيع" العلاقات الخليجية – الخليجية التي لم تشهد أزمة مماثلة منذ تأسيس مجلس التعاون الخليجي قبل أربعة عقود.

وبانتظار "أخبار جيدة" في أزمتي العراق ولبنان، يبدو أن المنطقة العربية، مرشحة لمرحلة انتقال مديدة ومريرة، قبل أن تستقر سفنها على شواطئ الأمان.

التعليقات