فلسطين: متى تنتفض؟

فلسطين: متى تنتفض؟
 د.ناجي صادق شراب

لعل التساؤل الذى يتررد دائما لماذا لم ينتفض الفلسطينيون؟ ولعل الإجابة القاطعة لأن ثورتهم الحقيقية هي إنهاء الاحتلال. وهذه ثورة الشعب الفلسطينيى تاريخيا ومنذ وعد بلفور حتى من قبله وهو من ثورة إلى ثورة ،مرورا بالثورة الكبرى عام 1936 وصولا إلى ثورتهم اليوم التى أمتزجت بالسلطة والحكم فأفقدتها روحها الثورية.اليوم تتوفر كل الأسباب التي دفعت الشعوب العربية لحراكها الجماهيرى ،كما نرى اليوم في لبنان والعراق، حالة من الإفلاس السياسى والإنهيار الإقتصادى، فرقة وإنقسام ، فساد سلطوى ، سياسات أمنية وقمعية ، تكتيم للأفواه، إعتقالات من كل شكل ولون ، فقر وبطالة يزيد عن الخمسين في المائة، شعب جله يعيش تحت خط الفقر ونسبته ألأكبر في غزة المحاصرة والمنغلقة بحدودها ، وتتنفس أوكسجينا بطعم الإختناق والتسمم.

هذه الأسباب كافية لأن يقوم الشعب وهو الأكثر خبرة ودراية وتأهيلا من غيره من الشعوب العربية لأن يثور، ومعنى ذلك اننا في حاجة لثورات عديده، ثورة في الضفة الغربية وثورة في غزه، وتبقى الثورة الرئيسة وهى ثورة إنهاء الاحتلال مغيبه. وقد يتساءل البعض من جديد ولماذا لم يتحركوا؟ الواقع ان هناك مسيرات شعبية وتحركات كثيره قام الفلسطينيون بها سواء في الضفة الغربية وغزة وحتى في الداخل يعبرون عن سخطهم. وقد تكون الوسائل الأمنية القمعية القوية أحد الأسباب الرئيسة لإجهاض اى تحرك شعبى ، لكن الحقيقية أن هذه الوسائل لن تكون بقوة مثيلاتها في الدول العربية ألأخرى.

لكنها الحقيقية الشعبية التي ينبغي أن يدركها الجميع في الضفة وغزة ان هذا الشعب لا تنقصه القدرة ولا الإرادة على الحراك ،وركل كل أشكال الفساد والقمع . ولكنه الوعى الشعبى العام الذى يحول دون ذلك. هناك أسبابا أخرى لا تقل خطورة لا بد من الإشارة إليها وهى الإنقسام السكانى والمجتمعى الذى يعانية الشعب الفلسطيني اليوم بسبب الإنقسام. ورغم ذلك فالشعب يعبر عن حراكه أحيانا بالصمت وأحيانا بالإحتجاجات وبالرأى والنقد عبر وسائل التواصل الإجتماعى المختلفه، وأحيانا كثيرة بالإنتحار وهو رسالة لها تداعيات خطيره تحمل في مضمونها الرفض للفقر والبطالة وإنسداد الحياة . وكل هذا لا يعنى ان لا تأتى الفرصة والوقت الذى ينتفض فيه الشعب الفلسطيني بكامله ويعلن نهاية لكل فساد ونهاية للإنقسام. وهذا هو الدرس الذى ينبغي أن تستوعبه السلطة في الضفة وحكم الأمر الواقع في غزة، عليهم ان يعملوا على الحيلولة دون هذا الحراك، لأننا لا نريد هذا الحراك، ولا نريد هذه الثورة ، وانا ضدها، لأنها ستعنى الورقة ألأخيرة في ضياع القضية الفلسطينية ، وستكون هدية لإسرائيل، وإن كانت ستنقل تداعياتها لها. اليوم في غزة مسيرات العوده التى دخلت عامها الثانى اليست رسالة وصورة رائعه لثورة الشعب الفلسطيني. وبوصلتها السليمة نحو إنهاء الاحتلال والحصار. وعندما اتحدث عن ثورة للشعب الفلسطيني من الخطأ أن نجزأ هذه الثورة ونقول ثورة في الضفة وثورة في غزة ، هذا تعبير وتجسيد للإنقسام غير مقبول الثورة الحقيقية ثورة واحده لشعب واحد. لأن الهدف في النهاية لأى ثورة سلطة مدنية شفافة ممثلة للشعب ، وحيث ليس لنا دولة فالبديل سلطة لها مقومات الدولة المدنية الديموقراطية ، سلطة تعمل على إستئصال الفقر ، وتوفر فرص العمل، وتعامل الكل من منظور المواطنه الواحده وليس المواطنية المتعدده والمتمايزه كأن نقول مواطنو الضفة او غزة او مواطنو فتح ومواطنو حماس ،وللأسف الشديدي بعض إرهاصات هذا التعدد الذى يحمل في طياته بذورا للتفرقة والعنصرية موجود ويطل برأسه، ومظاهره كثيره ولا داعى ان نضع و رؤوسنا في الأرض كالنعامة ونتعامى عن هذه االطائفية والعنصرية السياسية الجديده ، وهى كافية للقيام بالثورة.أعود للحديث عن الثورة الحقيقية التي تنتظر الشعب الفلسطيني .وهى الثورة الديموقراطية ،وثورة الانتخابات. وإذا كانت الثورة الأولى قد تقود لآلاف الشهداء ولحرب أهلية ، وتهدر فيها الأرواح وتسال فيها الدماء، لأننا كما أشرت لدينا أجهزة امنية قمعية قوية ولن تسمح بها، وسيتكرر نموذج ليبيا والسودان والعراق الآن.

الثورة التي نريدها نحن ثورة التغيير السلمي الديموقراطي عبىر الانتخابات النزيهة والشفافة والتي من خلالها يقول الشعب كلمته بالصوت الإنتخابي السلمي الهادئ، والذى عبره يعبر عن مطالبه ، ويقوم من خلالها بتغيير من يريد تغييره، بتغيير السلطة، وبتغيير كل من يتمسكون بالحديث نيابة عنه.

ومن خلال هذه الثورة يمكن للشعب ان يحقق أهدافا اكثر بكثير من الثورة الأولى. هذه الثورة الحقيقية التى على الشعب ان يقوم بها، وهى التي أدعو لها ، التغيير بالطرق الديموقراطية السلمية. هذه الثورة هدفها سلطة جديده ، وقياده جديده ، وبناء نظام سياسى ديموقراطى يليق بنضال الشعب الفلسطيني ، وهذه الثورة في حال نجاحها هي التى ستقود للثورة النهائية الثانية ثورة إنهاء الاحتلال بما يتوافق عليه الشعب الفلسطيني من خيارات، لأن العالم كله سيقف مع ثورة الشعب الفلسطيني الديموقراطية. هذه الثورة التي ينبغي ان يخرج كل الشعب فيها في يوم واحد وفي لحظة زمنية فارقه، فإما ندخل عصر البناء السياسي والتحرر وبناء الدولة ، وإما نعود لعصور من الظلام والجهل والضياع فنحن الآن امام خيار صنع المستقبل بكل آماله، أو العودة للماضي بكل مآسيه ومعاناته. ثورة سيكتب لها البقاء للشعب الفلسطيني، أو ثورة ينتحر فيها كل الشعب الفلسطيني. هذا هو الاختيار.

التعليقات