مرحلة جديدة من الجكر السياسي

مرحلة جديدة من الجكر السياسي
عماد الأصفر 

تحظى حماس بشعبية تزيد كلما ابتعدنا عن غزة، لأن أهل غزة كما أهل مكة أدرى بشعابها، ولأن من يتلقى العصي ليس كمن يعدها، ربما يصح العكس مع السلطة كلما اقتربنا من غزة رغم العقوبات الظالمة التي فرضتها على القطاع في فترات سابقة، فما يحرك الفلسطيني الى جانب مصالحه ومواقفه هو الجكر السياسي، وهو جكر مرتفع الوتيرة، يلجأ اليه الفلسطيني لغياب القدرة على ترجمته بشكل خلاق عبر المحاسبة وصناديق الاقتراع.

في خضم هذا الجكر يسعى كل فريق لتسجيل النقاط على خصمه بأية طريقة، حتى لو جافى الحقيقة والوقائع والمنطق، وحتى لو تضاربت مواقفه مع ايمانه ومعتقده الايدولوجي او مبادئه السياسية، وحتى لو مس ذلك بما يجب ان تكون عليه نظرته الوطنية والانسانية، فهذا الجكر قد يتحول الى نكات سمجة او استهزاء وشماتة لا تليق بأي انسان.

ولأن الجكر كغيره من العلوم يحتاج الى مصادر ومراجع فلقد دأب الناشطون المجاكرون على التعامل مع السلطة وحماس على عدة وجوه، وليس من بين هذه الوجوه واحد يحظى بأغلبية او توافق كبير، وربما تجد ذات الشخص يتعاطى بالوجوه العديدة، فيقر بهذا حينا ويرفض ذاك حينا ثم يعود الى استخدامه بكل صلافة. المجاكر العنيد يمكنه بكل ثقة ان يبول في لباسه نكاية بالطهارة.

من بين الوجوه المتعددة حينما يتعلق الامر بالسلطة اعتبارها صاحبة ولاية على قطاع غزة حين يتعلق الامر بالإنفاق فمطلوب منها ان تنفق وان تدفع رواتب موظفين لا يأتمرون بأمرها، وان تعالج جرحى وتدفع رواتب اسر شهداء استشهدوا في حروب لم يكن للسلطة حق ابداء الرأي فيها ، وان تدفع اثمان السولار من دون أي حق لها باسترداد ثمنه حين يباع نقدا ولا جباية فواتيره حين يذهب للإضاءة!!.

ومن بينها ايضا اعتبار السلطة صاحبة ولاية حين يتعلق الامر بعمليات الاغاثة والترميم مقابل اعتبارها مجرد فريق او خصم سياسي او طرف انقسام حين يتعلق الامر بسعيها للتمكين او اعلان موعد الانتخابات!!.

ومن بينها كذلك اعتبار السلطة صاحبة المسؤولية والمدانة بالتقصير والمطالبة بكل شيء رغم وصفها بانها سلطة منتهية الصلاحية، يقوم فريق تشريعي غير شرعي وخلال جلسة غير شرعية بنزع شرعيتها وعزل رئيسها!!.

وتعامل حماس ايضا على عدة وجوه فهي سلطة منتخبة يجب اخذ رأيها في كل شيء، ولكن ليس مطلوب منها تلبية احتياجات من انتخبها، وشرعية حماس لا تنتهي خلافا لشرعيات الآخرين، لأنها لم تحظ بفرصة للحكم!!

وحماس مجرد تنظيم لا يجوز مساءلتها او مطالبتها بالشفافية لا عن مال ولا عن مساعدات فمال حماس لحماس، ولا عن تعيينات بالواسطة او فساد او قمع للحريات وحتى عمليات اعدام!!.

وحماس مشروع مقاومة لها الحق بإقامة تحالفات وعلاقات خارجية وصفقات ودردشات وتفاهمات واتفاقيات هدنة وليس للآخرين هذا الحق!!.

وكلما انتقد احدهم السلطة انبرى له من يقول انظر الى حماس التنظيم المقاوم المسلم ماذا يفعل؟!!!

وأذا انتقد احدهم حماس خرج له من يقول حماس مجرد تنظيم وليست حكومة يترتب عليها التزامات!!

واذا ما تجرأت السلطة وردت على منتقديها وقالت انها اوفت بالتزاماتها تجاه قطاع غزة خرج لها من يقول هذا واجب وليس منة، واذا ما طالبت بالتمكين يخرج من يقول لها مكني نفسك في الضفة اولا.

في احدى حلقات الجكر السياسي رأينا ان من كان يطالب بالانتخابات ينبري لرفضها بشتى الطرق، فالبعض اعتبرها مؤامرة، علما انه لم يشارك في الانتخابات السابقة ولا يريد المشاركة في اللاحقة، والبعض اعتبرها تكريسا للانقسام، وكأن غياب الانتخابات سيكسر هذا الانقسام، وهناك من اشترط الذهاب اليها برؤية وطنية موحدة، وكأن الامر يتعلق بانتخابات جمعية او نادي وليس احزاب ببرامج سياسية مختلفة، وهناك من قال: اذا كانت الانتخابات فضة فان وقف الاتفاقيات ذهب. والغريب ان هؤلاء جميعا فوضوا اسماعيل هنية للتوقيع باسمهم على وثيقة بشأن اجراء الانتخابات.

مسلسل الجكر لا ينتهي ابدا، وها هي حماس تقترب لتكون فتح 2 ، فالتماهي بين الجانبين في التصريحات والخطوات السياسية وسوء ادارة الاوضاع الداخلية يكاد يصل حد التطابق، وهو ما يدفعنا الى التفكير بولادة مرحلة جديدة من الجكر، يقوم فيها الفلسطيني بالتصويت لأي مستقل نكاية بالطرفين الفتحاوي والحمساوي، المهم ان يكون هذا المستقل مستقل فعلا وليس قولا.

التعليقات