مكاسب وخسائر حماس من الإحجام عن المشاركة في التصعيد الأخير

مكاسب وخسائر حماس من الإحجام عن المشاركة في التصعيد الأخير
مكاسب وخسائر حماس من الاحجام عن المشاركة في التصعيد الاخير

بقلم الكاتب/ رائد نجم

أدخل التصعيد الأخير متغيرات جديدة للمشهد السياسي الفلسطيني المتوتر الى جانب الانقسام المستمر لثلاثة عشر عاماً، والمشاورات الجارية لإجراء انتخابات عامة للخروج من أزمة انسداد الأفق السياسي على صعيد تحقيق الوحدة وتجديد النظام السياسي وتعزيز الصمود وانجاز حقوق الشعب الفلسطيني.

وتتركز هذه المتغيرات في احجام حماس كفصيل فلسطيني آمن باستراتيجية المقاومة المسلحة عن المشاركة في جولة التصعيد الاخيرة التي تم جر حركة الجهاد اليها من خلال قيام اسرائيل بتنفيذ عمليتي اغتيال لقائد ميداني بارز في غزة، واستهداف لرئيس الدائرة العسكرية لحركة الجهاد نتج عنه سقوط ابنه. وهذا يشير الى أن حسابات الربح والخسارة هي التي حكمت قرار حماس البراغماتي الذي لا يخلو من مكاسب ومخاسر.

هناك من يقول بأن حماس تعاملت بواقعية مع التصعيد خوفاً من تدهور الوضع الاقتصادي المتداعي في قطاع غزة، والخسائر البشرية والمادية الكبيرة المتوقعة للحرب، ورغبتها في افساح المجال أمام حل أزمة حكمها غير الشرعي لقطاع غزة من خلال الانتخابات أو أي ترتيبات اخرى تضمن استمرار تدفق اموال المنحة القطرية، وعدم رغبتها في تعميق خلافها مع المعسكر العربي بإثارة معركة يغطي دخانها على التحركات الشعبية ضد النفوذ الايراني في العراق ولبنان، وحفاظاُ على التزاماتها امام مصر التي توفر البضائع المرسلة منها مصدر دخل مهم لاستمرار حكم الحركة، واختلاف الحاضن الجيوبوليتيكي لحماس ومشروعه عن حاضن الحركة الجهاد المتمثل في ايران فقط.

أرادت حماس من قرارها تحقيق مكاسب، فقد كان موقفها بمثابة اشارة للاحتلال بأنها شريك يمكن الوثوق به في أي ترتيبات مستقبلية في غزة وخارجها تمهيداً لقبولها وقبول التعامل معها اذا اجريت الانتخابات وفازت بها، او قبولها بديلاً فيما لو قررت اسرائيل الخلاص من قيادة م ت ف الحالية الرافضة للحل الاقتصادي وللحل المؤقت. أو على الأقل توسيع التفاهمات مع حماس وخلق واقع جديد في التعامل معها حال فشل جهود اجراء الانتخابات مقابل قبول حماس بقواعد جديدة في غزة عنوانها الأبرز المال مقابل الهدوء والحفاظ على الأمن. وكذلك اثبات أهليتها لتجديد المنحة القطرية  المشرفة على الانتهاء والتي كان انخراطها في المواجهة سيعيق تجديدها.

أرسلت اشارة لمعسكر الاعتدال العربي بأنها جاهزة لمغادرة معسكر ايران بتخليها عن حركة الجهاد المحسوبة على ايران ، والعمل مجدداً وفق محددات المعسكر العربي في ظل التوتر مع معسكر ايران الظاهر جلياً في اليمن والعراق ولبنان.

ارسلت كذلك اشارة الى حاضنتها الجيوبوليتيكية في المنطقة بأنها جاهزة للعقلنة والشرعنة لتصبح جيباً وامتداداً تركياً يتمتع بالشرعية ويتخلى عن دوره السابق الذي يثير المتاعب امام الجهود التركية لشرعنتها خاصة وان الولايات المتحدة واسرائيل تصنفها كمنظمة ارهابية.

أرسلت رسالة لجماهيرها في الداخل والخارج انها في اطار عملية تحول، وأن عليهم تقبل هذا التحول من أجل بقاء الحركة وشرعنتها، وهو ما يستدعي منها تبني سياسات مختلفة تتطلب منها استكمال مغادرة مربع المواجهة العسكرية مع الاحتلال مع الحفاظ على الخطاب الشعبوي الثورجي، وسيكون هذا التحول مقبولاً على جماهيرها نظراً لطبيعة حماس كتنظيم ايديولوجي مغلق، ولارتباط قطاع واسع من جماهيرها من موظفين ومنتفعين باستمرار حكمها، أو بقائها فاعلاً في المشهد السياسي الفلسطيني.

وكان لهذا القرار خسائره، فقد تسبب في خسارة حماس من رصيدها الشعبي بعد أن وقفت متفرجة بينما يوجه الاحتلال ضرباته لحركة الجهاد متذرعة بحجج رفضتها في جولات التصعيد السابقة التي كانت طرفاً فيها. وأكدت قناعات قطاعات شعبية واسعة أن مقاومتها حزبية يرتبط ايقاعها بمصالح حماس، وانها ليست أكثر من وسيلة للوصول للحكم والامساك به. كما خسرت ثقة شريكها الرئيس في غرفة العمليات المشتركة وقاعدته الشعبية، ومعه هزت مكانة غرفة العمليات المشتركة التي حاولت ان تروجها كأحد انجازاتها. وظهرت كحركة تم ترويضها تفضل استمرار حكمها وامتيازاته المادية على قاعدة المال مقابل الهدوء، وتدير كتفاً باردة تجاه انتهاكات الاحتلال.

سلوك حماس هو سلوك يغلب عليه الطابع البراغماتي، ولا يختلف عن سلوك مثيلاتها الاخوانية في دول المنطقة. حيث أصبحت جاهزة للتحول ومقايضة مواقفها السابقة المعلنة بخصوص استخدام المقاومة المسلحة وغيرها بمواقف جديدة تضمن بقاء حكمها، أو تمهد الطريق لقبولها لاعباً سياسياً شرعياً. ولم تكن حماس بحاجة لثلاثة عشر عاماً لتكتشف هذا الطريق وكان بامكان حكومتها الالتزام بالتزامات م ت ف  لتستمر مسيرة شرعنتها بدلاً من اللجوء للعنف للسيطرة على الحكم في غزة وتأكيد تصنيفات اسرائيل التي دأبت على نعتها بها. ان هذا التحول يتطلب خطوات من جانب حماس بأن يصبح قناعة وطنية راسخة بحاجتنا لتحقيق الوحدة على قاعدة سلطة واحدة وقانون واحد وسلاح واحد، وفك الارتباط مع ايران وغيرها من القوى الاقليمية، وتحويل كل اشكال الدعم الاقليمي الى م ت ف عنوان الشعب الفلسطيني وممثله، وهو سلوك مطلوب من باقي الفصائل المرتبطة بدول الاقليم والمحاور الاقليمية. اما التذاكي مجدداً ومحاولة الاحتفاظ بسلطتين وقانونين وسلاحين، والاستفادة من صناديق الاقتراع للحصول على الشرعية والحكم  ودخول م ت ف لن يكون الا وصفة جديدة لمراوحة ذات المكان وتعميق جرح الانقسام.

التعليقات