الانتخابات والفصائلية!

الانتخابات والفصائلية!
الانتخابات والفصائلية!

عبد المجيد سويلم

إذا ما قُدّر لهذه الانتخابات، والانتخابات التي ستليها أن تتم دون عراقيل وعقبات كبيرة، فإن المسألة الأهم التي ستنطوي عليها هي المزاج الجماهيري والموقف من مجموع الفصائل ستنطوي عليها هي المزاج الجماهيري والموقف من مجموع الفصائل السياسية، بل ربما، أيضاً، حجم المشاركة فيها.

وفي صلب المزاج الجماهيري والموقف الجماهيري تبرز عدة محاور ومفاصل وقضايا سيكون لها ـ على ما يبدو منذ الآن ـ التأثير الكبير، إن لم نقل التأثير الحاسم.

ولو بدأنا من مسألة مدى تماسك الفصائل الرئيسية، وفيما إذا كانت الانتخابات ستؤدي إلى زيادة التماسك داخلها، أم أنها ستؤدي إلى درجات معيّنة من الخلخلة فيها، فإن المعطيات القائمة ترجح التماسك على الخلخلة.

فحسب د. خليل الشقاقي فإن أول ألف شخصية مؤثرة في حركة فتح تبدو متماسكة.

بغض النظر عن أسباب ودوافع هذا التماسك فإن هذا المعطى بحد ذاته هو مؤشر إضافي على أن حركة فتح تستشعر الخطر الذي يتهددها، ويتهدد دورها ومكانتها اكثر من أي وقت مضى، في ظل حالة الانقسام، ومخاوف فصل القطاع عن الجسد الوطني، وفي ظل الهجمة الأميركية الإسرائيلية على الشرعية الفلسطينية، وسعيهما غير المسبوق «للنفاذ» إلى تصفية الحقوق الوطنية من خلال هذه النافذة بالذات.

ومن الجهة المقابلة فإن حركة حماس تستشعر الخطر على مكانتها ودورها إن هي خسرت الانتخابات، وستكون مرغمة على التخلي عن حكمها وتحكُّمها بالقطاع، أو أن تواجه الرفض الفلسطيني الشامل لاستمرار هذا الحكم وهذا التحكُّم بالقوة أو العنف أو المضيّ قُدماً في «حكم الأمر الواقع».

كما أن حركة حماس تشعر بالخطر الإسرائيلي عليها إن هي رفضت أن تكون طيّعة في مخطط «تفتيت» وحدانية وشرعية التمثيل الفلسطيني، أو إن هي لم ترضخ لمعادلة الهدوء مقابل الهدوء والإبقاء على القطاع وأهله تحت مسميات جديدة للحصار، وتحت أشكال «مبتدعة» للارتهان.

أما الفصائل الأخرى فإنها في الواقع «مستقطبة» ما بين «فتح» و»حماس»، وهي لا تبدو أمام مشكلات خاصة من عدم التماسك. أقصد لا تشكل الفصائل الأخرى فريقاً متماسكاً، مستقلاً أو متجانساً حتى يؤخذ بالحسبان مدى تأثير الانتخابات على تماسكها طالما أنها ليست جهة أو تيارا واحدا وموحّدا.

وأغلب الظن هنا هو أن هذه الفصائل كلها ستصدم من عدم ثقة قطاع كبير من الشباب الفلسطيني، ومن عدم تصويت هذا القطاع لهذه الفصائل، والبحث عن بدائل جديدة، وصيغ جديدة وشخصيات جديدة وازنة ونظيفة ولديها القدرة والإرادة والإقدام.

أقصد هنا، أيضاً، أن معطيات مؤكدة تفيد حتى الآن بأن أكثر من 40% من قطاع الشباب ليس «مهتماً» بعد بالانتخابات وان الباقي ليسوا من المتحمسين أبداً للتصويت لكل الفصائل باستثناء القاعدة المنتمية لهذه الفصائل.

دون استنساخ التجربة اللبنانية في الحراك، ودون أن يعاد السيناريو التونسي بالضرورة، أو الجزائري، أو غيره، فإن المؤكد حسب استطلاعات واستقصاءات يعتد بدرجة معقولة من مهنيتها ان صدمةً ما ستحدث هنا، إن كان لجهة العزوف أو لجهة عدم التصويت للفصائل.

يمكن ان نستنتج منذ الآن أن «الفصائل»، كل الفصائل إذا لم تجدد قياداتها، وإذا لم تدفع بالشباب الى الواجهة، وإذا لم «تقنع» هؤلاء الشباب بأنها (أي الفصائل) تتجه نحو التجديد، ونحو التحديث، ونحو العصرنة فإن الصدمة ستكون بحكم المؤكدة.

والمسألة لا تقتصر على مشاركة الشباب في الواجهة الحقيقية للقوائم، وإنما وقبل كل شيء جدية البرامج وواقعية الذي ستطرحه البرامج الانتخابية للتصدي الملموس لمشكلات هؤلاء الشباب.

لا يرى الشباب الفلسطيني عموماً، ولا المجتمع الفلسطيني كله ان هناك مشكلات حقيقية على صعيد المواقف السياسية لحركة فتح، بل أكاد اجزم ان الشعور الحقيقي هو ان الأداء الفلسطيني السياسي والدبلوماسي، وفي مواجهة المخططات الأميركية والإسرائيلية هو أداء معقول، وجدي، ويستجيب في معظم الأحيان للإمكانيات المتاحة والفرص المتوفرة. لكن الشباب الفلسطيني والمجتمع، أيضاً، ليس مقتنعاً أن الأداء على مستوى إدارة المؤسسة والموارد والأزمات الاقتصادية والاجتماعية، وقبلها طبعاً الأزمات السياسية الداخلية هو بالمستوى المطلوب، إن لم نقل إن السبب الحقيقي في موقف الشباب والمجتمع عموماً إنما هو ناتج عن «الاحتقان» الذي يولده الفشل على مستوى هذا النوع من الأداء.

ولذلك فإن برامج الشعارات السياسية الكبيرة، والخطاب السياسي الملتهب لم يعد له نفس التأثير والفعالية، كما أن البرامج التي «تنفع» في كل زمان ومكان، والتي يراها البعض صالحة للظرف الملموس في فلسطين قد انتهى مفعولها، وهي فعلا برامج «منفّرة» أكثر مما هي جاذبة، وهي أطروحات ماضوية من حيث الجوهر، وليس لها علاقة عضوية أو صميمية بالمستقبل، كما ان علاقاتها بالحاضر هي علاقة موهومة ومتخيلة أكثر منها علاقة واقعية، خصوصاً بعد افتضاح العلاقة بين شعار «المقاومة» والسلطة السياسية في غزة، وبهذه المعاني كلها فإن «اليأس» أصبح هو «المدخل» المباشر لأطروحات «الدولة الواحدة»، والتي هي أطروحات موهومة، لأن المشروع الصهيوني سيتعزز وسيتكرس بالنهب والاستيطان، وسيستولي على كل شيء دون أن يسمح مطلقاً بأن تؤدي أي تطورات إلى أي شيء بهذا الاتجاه، أي اتجاه الدولة الواحدة. لكن حالة اليأس نفسها هي التي تعزز هذا الاتجاه الواهم والموهوم، وهي (أي حالة اليأس) مؤشر على غياب الأمل، وفقدان البوصلة، وربما الاستسلام للإحباط.

هذه الانتخابات إن لم تتمكن من استعادة الأمل، وإن لم يكن من نتائجها محاصرة المساحة الواسعة من الإحباط، وإن لم يكن من نتائجها إحداث فرق حقيقي ما بين المزاج الجماهيري السائد، اليوم، وما بين إعادة إحياء الحيوية السياسية في المجتمع الفلسطيني، وإعادة الاعتبار للقضايا الاجتماعية التي يمر بها، والحاجة إلى تجديد الوعي الثقافي، فإن ما سنخرج به في أقصى الحدود هو تحويل الواقع القائم إلى قدر سياسي راكد، وإلى واقع اقتصادي مزر، وحالة اجتماعية وثقافية بائسة.

التعليقات