عبد الرحمن يكشف تفاصيل إنسانية بحياة عرفات وآخر تطورات التحقيق باستشهاده

عبد الرحمن يكشف تفاصيل إنسانية بحياة عرفات وآخر تطورات التحقيق باستشهاده
خاص دنيا الوطن - أحمد العشي
يحتفل الفلسطينيون اليوم الاثنين، بالذكرى الـ15 لاستشهاد الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات، والذي استشهد مسموماً أثناء محاصرته في المقاطعة بمدينة رام الله.

"دنيا الوطن" أجرت هذا اللقاء مع أحد مستشاري الرئيس الراحل ياسر عرفات، وتعرفت منه على ما كان يتميز به عرفات، ومواقفه الوطنية التي واجه بها الاحتلال والإدارة الأمريكية، وآخر تطورات التحقيق في استشهاده، وخرجت بالتالي..

انسانية أبو عمار

أكد أحمد عبد الرحمن، مستشار الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات، أن أبو عمار مسكون منذ طفولته بوطنه، والذي تقدم الجميع في المعركة من أجل فلسطين، وارتفع بحياته إلى قضيته وقدم حياته من أجلها، وهذا من الأمثلة التاريخية النادرة.

وقال عبد الرحمن: "هذا الرجل كان مفرداً بصيغة الجمع، بمعنى أنه حمل الهم الوطني بشكل لا يخطر على بال أحد، فهو مستعد تقديم الجواب لكل سؤال يخطر في بال أي أحد مهما كان سؤاله، وهذا يعني أنه محيط بقضيته منذ نعومة أظفاره، ولم يأت إليها متأخراً، فطفولته هي قضيته".

وأضاف عبد الرحمن: "هذا الرجل لا يصلح للغياب، ولا يمكن القول بأن ياسر عرفات غائب، فهو حاضر في كل مكان وحدث وتفصيل، ومن هنا لا يمكن القول بأنه مسافر"، متابعا بقوله: "سلطة أبو عمار نابعة من تكريسه لحياته ووقته وملابسه وشربه وأكله، لفلسطين، فقد قضى 99.9% من حياته لفلسطين، ولا يعرف له بيتا ولا زوجة، فقد كان ينام في المكتب ويستقبل ضيوفه فيه، حيث أن هناك أمور يعلّمنا إياها".

واستطرد بقوله: "أبو عمار، عندما يقطع زر في ملابسه، فقد كان يبحث عن ابرة وخيط ويقوم بتخييط الزر أمامنا، أو عندما يأتيه ضيف يبلغ من الكبر عتياً، فقد كنا نقول له دعك جالسا ونحن نوصل الضيف إلى الباب، ولكنه كان يرفض ذلك، فينهض من مكانه مهما كان مرهقاً، ويمشي مع الرجل ويمسك بيده ويوصله إلى سيارته ويودعه، وأحيانا يلقي عليه التحية".

وأشار عبد الرحمن، إلى أنه لا يمكن القول بأن علاقة أبو عمار بقضيته، علاقة هامشية، وإنما علاقة حياة أو موت، وهذا ما أنتجه، لافتا إلى أن حساباته مختلفة عن الآخرين فيما يتعلق بموازين القوى، وخير مثال على ذلك، معركة الكرامة، حيث أنه خاضها وسط استهجان كل الخبراء العسكريين في العالم، حيث أنهم كانوا يقولون بأنها ليست عبارة عن حرب مواجهة، بينما أدرك أبو عمار أهمية صموده ومواجهته للإسرائيليين بعد هزيمة حزيران/يونيو، لذلك فقد واجههم وأوجعهم وأوقع بينهم الإصابات.

وفي السياق، قال مستشار أبو عمار: "عرفات ومنذ عام 1998 وحتى 2004، لا يوجد معركة إلا وهو رئيسها ويخوضها ولا يتراجع، لأنه كان يدرك أن نتيجة الصمود سيحقق له انتصاراً سياسياً ما، فالصمود المذهل بانتفاضة الأقصى، نظر الجميع إليه وهو يتحدى جيش إسرائيل الذي يقال عنه أقوى جيش في الشرق الأوسط، ولكن انتزع إعجاب العالم واحترامه، بأنه مع شعبه يستعد لإقامة دولة فلسطينية مستقلة، وهذا ما أنتجه، حيث أنه أنتج رؤية لدولة فلسطينية ممكنة التحقيق في ظل الظروف الدولية الحالية".

وأضاف: "استطاع ياسر عرفات ان يدخل بها طرفاً، ويضع قضيته على الطاولة، حيث كانت القضية الفلسطينية منسية، فكيف نحن صامدون حتى اللحظة، حيث أن لدينا إرادة في الصمود ومواجهة للدفاع عن أرضها لتحقيق حقوقنا".

وتابع عبد الرحمن: "دستور ياسر عرفات الذي أعلنه في الجزائر، يتمثل في أنه لا سبيل إلا أن ينسحب جيش الاحتلال والمستوطنين إلى حدود الرابع من حزيران/يونيو، ونقيم دولتنا المستقلة وعاصمتها القدس الشرقية، وذلك حينما أعلن الاستقلال الوطني، وقيام دولة فلسطين على أرض فلسطين".

قصة عبارة جئتكم بغصن الزيتون

وفيما يتعلق بعبارة أبو عمار الشهيرة (جئتكم بغصن الزيتون وبندقية الثائر، فلا تسقطوا الغصن الأخضر من يدي)، أوضح عبد الرحمن، أنه تم عرض على الرئيس عرفات، السلام، حيث قالها في خطاب تاريخي في الأمم المتحدة، وقد رفضوه الإسرائيليون والامريكان، ولكنه بقي صامداً لدرجة أن أحداً لم يكن متوقعا درجة هذا الصمود.

وأوضح، أن عرفات استلم قيادة حركة فتح في مرحلة مبكرة، وقيادة منظمة التحرير الفلسطينية في عام 1968 بعد معركة الكرامة، واستمر فيها حتى 2004، لافتا إلى أنه صانع الشرق الأوسط، منوها في الوقت ذاته، أن كل الصدامات التي حدثت كانت بفضل وجود ياسر عرفات، وبالتالي فهو ليس غائباً وإنما ازداد حضوراً بعد وفاته، وازداد ارتباط الناس بما صنعه، قائلا: "بدون ياسر عرفات كنا جميعا سنبقى لاجئين".

وفي سياق ذي صلة، أشار مستشار الرئيس عرفات، أن هناك مواقف وطنية لدى عرفات وقف من خلالها بوجه الاحتلال الإسرائيلي والإدارة الأمريكية، لافتا إلى أن أول موقف هو معركة الكرامة، حيث أنه استطاع أن يبعد كل القوى الطامعة لتمثيل الشعب الفلسطيني، فأخذ القرار التاريخي بأن منظمة التحرير الفلسطينية هي الممثل الشرعي الوحيد للشعب الفلسطيني، وأسقط الوصاية.

وقال: "أما الوجه العسكري لدى أبو عمار، فقد تجلى في سوريا ولبنان، فقد خاض معارك هائلة من أجل منع احتوائه والسيطرة على قراره وعلى قواته، وانما احتفظ باستقلاليته الوطنية وفي القرار، بالإضافة إلى انتزاع منظمة التحرير الممثل الشرعي الوحيد من القمة العربية، وبعد ذلك كان أبرز زعيم حركة وطنية وصل إلى الأمم المتحدة وألقى خطابا، حيث أنه سحر الناس المتواجدين".

وأضاف: "أنهى أبو عمار خطابه في نيويورك، وذهب ليزور كاسترو وهو العدو اللدود للولايات المتحدة الأمريكية، وصافحه، وفتح في كوبا مجالاً هائلاً أمام تدريب كوادر فتح عسكريا وإدخالهم في الجامعات الكوبية"، متابعا بقوله: "الشأن الأهم هو أن ياسر عرفات لم يكن محسوبا على أحد، فقد كان صديقاً لكل المعسكرات، فقد كان يقوله: (أنا الزعيم الوحيد في العالم، الذي أخرج من لقاء في موسكو واصل إلى مكة)، وهما قطبين ليسا في نفس الاتجاه، لكنه كان يقول: (أنا حر)، كما أن وضعه السياسي الدولي كان يتميز بالاستقلالية، وحتى الناس الذين كانوا يدفعون المال للثورة، كان عن طيبة خاطر، حيث كانوا يرون في أبو عمار أنه رجل يناضل ويحرص على أن المال الذي يأخذه يدافع به عن فلسطين ومن أجل الأسرى والشهداء والاطفال".

واستطرد عبد الرحمن بقوله: "لم يكن أبو عمار يخجل من أن يطلب شيء من الأمراء، حيث أنه طلب في إحدى المرات دعما لأسر الشهداء، حيث أنه كان منفتحا وله عقلية حرة، ويفهم دور الحضارة الغربية، فقد أعطى المرأة دوراً لم يعط لأي أحد، فقد أعطاها دوراً في الأمور العسكرية والسياسية".

صورة أبو عمار مع أحمد ياسين

وحول الصورة الشهيرة التي جمعت بين أبو عمار والشيخ أحد ياسين مؤسس حركة المقاومة الإسلامية (حماس)، أكد أن ياسر عرفات يعرف كيف يوحد الشعب الفلسطيني، لافتا إلى أنه عندما خرج الشيخ احمد ياسين من المعتقلات الإسرائيلية، توجه إلى الأردن، فلم ينتظر أبو عمار عودته إلى فلسطين، وإنما ذهب إليه إلى الأردن، وقد قبّله واحتضنه.

وقال: "هذا له معنى كبير عند الإسرائيليين، بأنه ماذا يفعل هذا الرجل، هل يقبل الشخص الذي يدعو الى تدمير إسرائيل؟، وبالتالي كان أمور مشتركة، فكل الناس يعرفون من هو أبو عمار وما الذي يصرح به، ويعرفون ماذا يتحدث عن العمليات وعن موقفه السياسي".

العلاقة بين المفاوضات والمقاومة

وحول موقف أبو عمار من المقاومة والمفاوضات، أوضح عبد الرحمن، أنه كان يدعم المقاومة والمفاوضات، لافتا إلى أن المقاومة في خدمة المفاوضات، والمفاوضات في خدمة المقاومة، ومن هنا أطلق نتنياهو على أبو عمار سياسي الباب الدوار، منوها في الوقت ذاته إلى أن العلاقة بين المفاوضات والمقاومة علاقة متكاملة، وكان لديه طموح كبير.

وقال: "استطاع أبو عمار أن يزرع في الأرض وجود للشعب الفلسطيني، فقد أصبحنا في فلسطين ولنا هوية وكيان اسمه السلطة الفلسطينية ويوجد لدينا جوازات سفر ومستشفيات تفتح، فالمعركة هي لتحرير الأرض".

حصاره بالمقاطعة

وحول ملف حصار أبو عمار في المقاطعة، أشار عبد الرحمن، إلى أن كل شيء يمكن سماعه على الرئيس عرفات، باستثناء أنه ضعيف، أو يطلب مساعدة من أحد، قائلا: "في آخر أيامه وهو مريض، فإن الأطباء التونسيين والاردنيين والمصريين والفلسطينيين، فسألت طبيباً تونسياً، من هو الطبيب المختص بالدم، فقال لي فشلنا في السيطرة على معركة كريات الدم الحمراء لدى أبو عمار، فاقترح الطبيب التونسي بأن يتوجه الرئيس أبو عمار إلى إحدى البدان الأوروبية، فقد كانت جريمة كبرى بأن يطلب أي أحد من أبو عمار بأن يذهب للعلاج".

وأضاف: "كان يقول أبو عمار عندما يطلب احد منه بالذهاب للعلاج: (أروح فين وازاي ارجع، أنا مرزوع هنا معاكم)، وحينا اتصلت على احمد قريع رئيس الوزراء حينها، وقلت له بأن الأطباء قالوا يجب أن يخرج أبو عمار للعلاج دون تأخير، وطلبه منه بأن يتواصل مع الجانب الإسرائيلي أو أي جهة أخرى للموافقة على مغادرته، وخلال دقيقتين حصل على الموافقة من شارون لمغادرته وحقه في العودة الى أرض الوطن".

مرحلة خروجه من ارض الوطن واستشهاده

وتابع: "الأطباء كتبوا تقريراً طبياً، بأنه الوضع الصحي لأبو عمار يستدعي للإعلاج، فلم يكن أحد يجرؤ بإدخال أي تقرير طبي على أبو عمار، وفي نفس اللحظة، تواصلنا مع فرنسا، وكان رئيسها جاك شيراك، حيث بمجرد جاءه التبليغ، قال أن الطائرة الطبية الفرنسية ستكون جاهزة في مطار عمان".

واستطرد عبد الرحمن بقوله: "الملك عبد الله الثاني، أرسل المروحيات عند الساعة السابعة صباحا، فلم أشعر بحياتي بفراغ في فلسطين سوى عند مغادرة أبو عمار، ففي لحظة مغادرة الطائرة شعرت بفقدان وزني وعقلي، ولكن هذه الحقيقة، فقد وصل أبو عمار إلى مطار عمان، وكانت الطائرة الفرنسية متواجدة ونقل إلى باريس رأساً".

وأشار مستشار أبو عمار، إلى أن الفرنسيين لم يوفروا جهداً لإنقاذ حياته، ولكن السم الذي أخذه يصعب معرفة علاجه مبكرا، منوها على أن خلاصة تقرير الفرنسيين شهد "لف ودوران"، ويحتوي على شيء لا يعرفه أحد، لافتا في الوقت ذاته إلى أنه لم يكن لأحد المصلحة لإعلان الحقيقة.

التحقيقات باستشهاده وعودته لفلسطين

وفيما يتعلق بآخر التحقيقات باستشهاد الرئيس ياسر عرفات، أكد عبد الرحمن، أنه لا يوجد تحقيقات في استشهاده، لافتا إلى أن كافة الأمور توقفت تماما بعد فترة قصيرة من استشهاد أبو عمار، حيث أن الأطباء المشرفين على حالته مُنعوا من إجراء أي مقابلة مع أي فلسطيني، خوفاً من زلة لسان من أحد منهم، وبالتالي تم إقفال الملف بشكل كامل.

وحول شعوره عندما عاد أبو عمار الى أرض الوطن شهيدا، علق عبد الرحمن بكلمة واحدة، حيث قال: "بكيت".

التعليقات