بين وعد بلفور واتفاقية أوسلو، فرق بين نهجين

بين وعد بلفور واتفاقية أوسلو، فرق بين نهجين
بين وعد بلفور واتفاقية اوسلو، فرق بين نهجين

د. رياض عبدالكريم عواد

حزنت وانا استمع الى خطيب الجمعة الذي أراد أن يعود بالفلسطينين إلى بلادهم من خلال ادعائه أن مسيرات العودة قد وحدت الأمة والشعب وأعادت البوصلة إلى الاتجاه الصحيح، رحماك يالله؟!. يواصل خطيب الجمعة ويؤكد ان القضية ليست العودة إلى الأرض، رغم أن الأرض وحبها هو جزء من عقيدتنا، القضية إقامة شرع الله؟!

السؤال، هل يستطيع شعب أن يحقق أي من أهدافه من خلال هذا الخطاب التضليلي الذي لا علاقة له لا بالواقع ولا باهتمامات الحاضرين، الحزانى والغلابة الذي يفكر أكثرهم بحظه السيء الذي لم يسعفه لأن يكون من بين المحظوظين الذي نالوا شرف الحصول على ال 100 دولار من حقائب العمادي العامرة. ميكروفونات المسجد بدأت تدعو الناس الى ما يحييهم؟!

ألآ كان أجدر بهذا الخطيب وغيره من الفلسطينيين، مثقفين وسياسيين، أن يتساءلوا كيف تعامل اليهود مع وعد بلفور وحققوا من خلاله نصرهم وإقامة دولة لهم؟! بدلا من خطابهم الممجوج حول ان هذا وعد مشؤوم اعطى فيه من لا يملك إلى من لا يستحق؟!

كان يمكن لوعد بلفور ان يبقى ورقة صغيرة لا تساوي ثمن الحبر الذي كُتب به لو لم يأخذه اليهود وحركتهم السياسية الصهيونية بمحمل الجد، ويبذلون كل الجهد لترسيخه واقعا على الارض، رغم أن كثيرا منهم لم يكونوا يؤمنون بامكانية تطبيق ذلك، وبعضهم الاخر وقف موقفا رافضا لهذا الوعد، لانه ينتقص من حقهم الالهي في كل فلسطين.

ارتكزت الحركة الصهيونية في تحويل هذا الوعد إلى حقيقية مادية من خلال تعزيز تحالفها مع الدول القوية في ذلك العصر خاصة التحالف مع بريطانيا الدولة القائدة. كذلك من خلال فرض واقع قوي جديد على الارض، اقاموا المؤسسات السياسية والاجتماعية والاقتصادية من جامعات ومراكز علمية وإنشاء الكيبوتسات والمشاف الزراعي وجلب المهاجرين اليهود من كل أنحاء العالم وبناء القوات الأمنية وتدريبها وتسليحها...... وصولا إلى قرار التقسيم الذي أعطاهم الحق في إقامة دولتهم، فقط، على جزء من الأرض الفلسطينية إلى جانب دولة فلسطينية

باختصار اسنطاعت الحركة الصهيونية ان تفرض واقعا ماديا على الارض الفلسطينية يستطيع أن يصمد وينمو ويدافع عن نفسه بل ويهاجم أعدائه وينتصر عليهم، ولم تشغل نفسها بأهمية التأصيل التلمودي لفكرتها؟!

اتفاقية أوسلو ورقة دولية أخرى أعطاها العالم، في لحظة تاريخية محددة، إلى الفلسطينيين، مثلما أعطى اليهود وعد بلفور من قبل، في لحظة تاريخية سابقة. لقد اتاحت هذه الاتفاقية الناقصة، والتي أعطت الفلسطينيين أكثر مما أعطى وعد بلفور اليهود، وسمحت للفلسطينيين أن يقيموا سلطة محدودة تحت الاحتلال، ويعودوا جزئيا إلى أراضيها في غزة والضفة والقدس الشرقية، ويبنوا مئات من المؤسسات العلمية والاقتصادية والأمنية، من خلال الدعم الهائل الذي قدمه العالم بسخاء للفلسطينيين (حوالي 40 مليار دولار)؟.

الان، عدد الفلسطينيين في فلسطين التاريخية يساوي عدد اليهود في اسرائيل، في حين أن نسبة اليهود عند قيام دولتهم في 1948، مقارنة بالفلسطينين، كان 31.5% بعد أن كان 8% قبل صدور وعد بلفور.

عند المقارنة بين ما اسسته وبنته الحركة الصهيونية على الارض الفلسطينينة من مؤسسات كالمطار والميناء والجامعة العبرية ومعهد وايزمان للعلوم وشركة الكهرباء والمياه وغيرها من المؤسسات لا نجدها تفوق، بالكم على الأقل، مع ما بنته السلطة الوطنية من مثل هذه المؤسسات على أراضي السلطة الفلسطينية.

ما الذي حصل، ولماذا لم يواصل الفلسطينيون عملية البناء والتأسيس وصولا لإقامة دولتهم المستقلة؟. لقد ارتكب الفلسطينيون اخطاء كثيرة في نظرتهم العقائدية ومواقفهم الخطابية لاتفاق أوسلو، وفي طريقة استغلاله مقارنة بالطريقة العملية التي تعامل بها اليهود والحركة الصهيونية مع وعد بلفور.

لقد تحالفت شرائح وتنظيمات من الفلسطينيين مع الخارج لتشويه هذا الاتفاق والحط من قيمته ووصف كل من يتبناه بأفظع العبارات والصفات ليس أخرها الخيانة والتكفير؟! انقسم الفلسطينيون وانشغلوا في معاداة أنفسهم واستعجلوا في طلب الحصاد دون أن يحصنوا المؤسسات التي شيدوها بالأفكار والرجال، الذي يقدمون الوطن على مصالحهم. لقد تحالف الفساد في السلطة مع أعداء الواقعية أصحاب الخطاب الثورجي والديني، المدعوم من دول الإقليم التي تريد أن تحقق مصالحها من خلال الفسطينيبن وقضيتهم الذين تستخدمهم كشماعة لقمع شعوبها وحرمانهم من حقوقهم الاساسية.

لقد أدت السياسات الفلسطينية وموقف اليمين اليهودي، الذي وقف موقفا معاديا لاتفاق أوسلو منذ البدء، إلى تنامي هذا المد الديني والتطرف اليهودي، وصولا إلى هزيمة اليسار الصهيوني وانتصار اليمين اليهودي في المجتمع والدولة.

رغم كل ذلك، لا يزال الفلسطينيون باقون صامدون على أرضهم، لكنهم يحتاجون إلى وعي هذه الحقيقة البسيطة التي تقول، أن البقاء على الأرض هو ارقى أشكال النضال، وأن هذا البقاء لكي يتواصل وينتصر بحاجة إلى السلطة الوطنية الحاضنة السياسية والاجتماعية. كما ان الفلسطينيين بحاجة ماسة إلى التخلي عن الأفكار غير الواقعية وتبني أساليب النضال التي تتلائم مع إمكانياتهم وظروفهم.

على الفلسطينيين أن يواصلوا التمسك بالنهج الوطني الذي أسسه ياسر عرفات ويواصل الرئيس ابو مازن التمسك به ويعمل على تطويره نحو اتجاهات أكثر واقعية وعملية، انه النهج والفكر الوحيد القادر على الصمود والانتصار وتحقيق أهداف الشعب في الاستقلال والدولة، بعيدا عن الخطاب الثورجي والديني البائس.

التعليقات