القدر والصدفة

القدر والصدفة
د. يسر الغريسي حجازي

القدر والصدفة

"القدر لا يفرض علينا أي شيء، فنحن نبني قيمنا الخاصة ومعتقداتنا وقراراتنا وخياناتنا. و الصدفة عرضية وغير متوقعة."  

هل نحن سادة اقدارنا؟ بماذا تتكون حياتنا؟ هل يمكن ان يختلط القدر بالصدفة؟ لماذا نؤمن بالقدر وليس بالصدفة؟ هل العوامل المحيطة ببيئتنا تؤثر على اقدارنا؟ كثيرا ما نسمع هذه الكلمات: "إنه القدر الذي أراد ذلك! ". عندما نتحدث عن القدر، فإننا نستحضر خياراتنا والتأمل الذي حدد مسار حياتنا بطريقة محددة. هناك مسؤولية معينة من جانبنا تعمل كنتيجة للأحداث، التي تشكل وجودنا بشكل عام. في مفاهيم الكون وفيما يتعلق بفلسفة التاريخ والطبيعة ، سيكون من الصعب تغيير مصير الفرد لأن كل شيء يعتبر ألوهية طبيعية يصعب الهروب منها. في الأساطير اليونانية والرومانية، تووصف الألوهية بالقاسية والكون كذلك والكائنات الحية بخاضعة لإمبراطورية القدر التي لا يمكن لأحد الهروب منه. وبالنسبة لهم، ان قوانين القدر أقوى من جميع الآلهة الذين لا يستطيعون الهروب من مصائرهم، ولا يمكن إلا للأنبياء الكشف علي ما هو مسجل في كتاب القدر. كما جاء في الأديان، ان الانسان يختار مسارات مستقبله وفقًا للبيئة التي يعيش فيها وعاداتها، ومبادئ الحياة الجماعية وحسب الطرق التي يتخذها لتحقيق أهدافه. صحيح أننا مشروطون بالعوامل الخارجية التي تحيط بنا ، ويمكن أن تكون عناصر تمكين لتحقيق أهدافنا أو العكس. ويمكنها أن تكون في هذه الحالة طريق مليء بالعقبات التي تمنعنا من التحرك في الاتجاه الصحيح. ومع ذلك ، فإن هذه العوامل العشوائية تعتبر تحديات الحياة التي تعلمنا محاربة الأرواح الشريرة حتى لو كان علينا أن نسقط . 

ان الإخفاقات التي نعيشها هي التي تعلمنا حب الحياة، لانها تمنحنا تجارب وعلوم جديدة علينا أن نتعلم منها. جميع الأحداث التي تشكل حياتنا تعتمد على إرادتنا ومعتقداتنا، والاسباب التي تلعب دوراً مهيمناً في اقدارنا. ومع ذلك، تعتبر الصدفة ما نشأ فجأة دون تخطيط، ويحدث هذا وفقًا لسلسلة من الزمان والمكان دون سابق انظار. في نظرية الأمر الإلهي، يتمثل الموقف الأخلاقي في إسناد الأخلاق إلى الإرادة الإلهية: تمييز ما هو الجيد من السيئ لتجنب ما هو سئ وذلك يتم بما يرضي الله. بمعنى آخر: ما هو صحيح يتزامن مع ما يريده الله. نتحدث هنا عن قوة العقل التي تقودها أخلاقيات القناعة، وهي احترام العدالة والابتعاد من العنف. تعبر الأخلاق عن العادات والقوانين الواجب علينا اتباعه للحد من الأذى للآخرين، ولإقرار احترام الحقوق ومنع التعديات علي الحريات.

ان مبدأ العدالة هو شرط لاحترام الآخرين، ولمنع أعمال الظلم التي يرتكبها الآخرون مما يضمن حماية كل فرد بموجب القانون من سوء المعاملة غير القانونية. تأتي العقلانية الأخلاقية من الحقائق الملموسة، و من خلال منطق التفكير وذلك وفقًا للنهج التقليدي للفلسفة الأخلاقية اليونانية التي تربط المفاهيم الأخلاقية بمفاهيم المسؤولية والحرية. في حين أن أفكارنا منسوجة عن طريق العقل واستنباط الأشياء، فإن عواطفنا تحدد ما يمكن أن يعارض العقل ويضللنا. وفقًا للدراسات العلمية، تؤثر عواطفنا على قدراتنا المعرفية واتخاذ القرار لدينا لأنها تتصرف وفقًا لصعوبة العلاقات. 

ومع ذلك، يمكن للحوار الداخلي أن يقوي العقل ويستولي على حالتنا العاطفية.

إن إدراك الحقائق من حولنا، يعني التأصيل في الحقائق التجريبية التي تسهم في التفكير الأخلاقي الجيد وصنع القرار. يجب علينا ببساطة أن ندرك ما هو جيد بالنسبة لنا، أو ما يمكن أن يضر بنا لأن تصرفاتنا تساعدنا على اكتشاف الحقائق واتباع الطريق الصحيح. ان التزاماتنا جزء من خياراتنا لتحقيق أهدافنا والنجاح، وهي جزء من اقدارنا. وفقًا لإيمانويل كانط: "لا تنطوي الأفعال غير الأخلاقية على تناقض في الإيمان، بل علي تناقض في الإرادة" بمعنى أن العقلانية الأخلاقية تتبنى التفكير العملي والملموس مع الابتعاد عن الاسلوب العشوائي. مما يعني أننا نخلق أحداثًا سعيدة بالإضافة إلى احداث غير سعيدة نخفق فيها، في حين أن الأحداث العرضية هي من قبيل الصدفة. في الختام، نقول انه نحن جزء من قوانين الكون ومبادئه الفيزيائية. كما يشمل الأداء الدماغي والعصبي وعي الانسان، ليحدد الخير والشر والقدرة المعرفية التي يتم تنشيطها وتكييفها مع العالم الخارجي والمفاهيم الكونية. 

التعليقات