تجربة الانتخابات والنظام السياسي الفلسطيني

تجربة الانتخابات والنظام السياسي الفلسطيني
تجربة الانتخابات والنظام السياسي الفلسطيني

د. عبير عبد الرحمن ثابت

منذ إقامة السلطة الوطنية الفلسطينية وقد جرت دورتين انتخابيتين رئاسية وبرلمانية، ولا يمكن لأحد أن يشكك فى شفافية وديمقراطية العملية الانتخابية خلال كلا الدورتين، ولكن دورتين انتخابيتين خلال ربع قرن تشي بخلل واضح فى النظام السياسي الفلسطيني وهو ما أظهرته الأحداث التى تلت انتخابات 2006، والتى أدت إلى اندلاع مواجهات مسلحة أنتجت مأساة الانقسام الفلسطيني بين شطرى الوطن.

وفى الحالتين لم تكن الانتخابات نابعة من الاستحقاق القانوني والدستورى المنصوص عليه فى القانون الأساسي بقدر ما كانت ضرورة أجبرت الجميع عليها لظروف خارجة عن السيطرة مضمونها شغور المناصب، ففي عام 1996 كانت ضرورة حتمية كونها استحقاق دولى للبدء فى تنفيذ الاتفاقات الموقعة مع الجانب الاسرائيلى وللعبور إلى مرحلة إقامة السلطة الوطنية، وقد كانت من أصعب مراحل الصراع الفلسطيني الاسرائيلى كونها ذروة المفاوضات بين الطرفين واحتدام الخلاف والتوتر مع الإسرائيليين الذين تراجعوا عن الالتزام في الاتفاقيات الموقعة؛ والذى دفعت بالشهيد ياسر عرفات برفض كافة العروض المقدمة الغير منصفة لقضيتنا؛ وانتهت بالانتفاضة الثانية والتي استبدلت الحجر بالبندقية والأحزمة الناسفة وعملت إسرائيل على محاصرة الراحل ياسر عرفات وعرقلة كافة مناحى الحياة السياسية، ولولا استشهاده لما كانت انتخابات 2006 ولاستمرت السلطتين التنفيذية والتشريعية خاصة وان إسرائيل كانت وقتها لن تقبل باجراء الانتخابات في ظل النيران المشتعلة مع الراحل ياسر عرفات.

وفى كلا الحالتين كانت نتيجة ضرورات الواقع ولم يكن هناك خيار إلا إجراء الانتخابات؛ وكذلك لم يكن هناك أى ضغط  شعبي أو حتى مطالبات من قوى سياسية نقابية أو ثقافية بإجراء انتخابات، وبعد حدوث الانقسام كان الخيار الأفضل العودة لصناديق الاقتراع ليختار الشعب من يراه مناسبا ولكن خيار الانتخابات تم تحويله إلى بند فى اتفاقات المصالحة التى كان الجميع يدرك أنها لن تنفذ أبدا.

وبناءا على ما سبق من حقائق فإننا أمام نظام سياسي توافقي محكوم بأليات وتوازنات تستخدم خلاله الانتخابات ما أمكن لذلك سبيلا، وقد يكون هناك مبرر للفلسطينيين فى أن يكون لهم نظام توافقي وليس ديمقراطي كونهم ليسوا كيان سياسيا مستقل ولا زالوا فى مرحلة تحرر وطني وفى حالة اشتباك مع محتل؛ لكن عندما يفشل هذا النظام  السياسي فى الإدارة ويفقد قدرته على إحداث التوافق كما حدث فى العام 2007  وأسفر عن حدوث الانقسام؛ فإن هذا بالضرورة يستدعي إعادة النظر فى كل النظام السياسي الفلسطيني؛ وفى مدى قدرته على الاستمرار مستقبلا بنفس الميكانزمات القائمة والتى أثبتت التجربة العملية استحالة المضى قدما بها كونها أصبحت قاصرة للغاية على مواكبة حجم التناقضات التى تشهدها الحالة الفلسطينية سواء على جانب إدارة الصراع مع إسرائيل أو ادارة تجربة الحكم فى إطار سلطة كيان سياسي وليس فى إطار إدارة ثورة.

وأحد أهم أوجه اللبس بين الاطارين فى النظام السياسي الفلسطينى هو بقاء كلا من مؤسستى السلطة السياسية ممثلة فى رئاسة السلطة الوطنية والمجلس التشريعي؛ وسلطة الثورة ممثلة فى منظمة التحرير ومجلسها الوطنى وهو برلمانها الموسع والذى يختصر ببرلمانها المصغر المتمثل بالمجلس المركزى، وهى مؤسسات تستمد شرعيتها من الشرعية الثورية ولم تخضع لانتخابات عامة على عكس مؤسستى الرئاسة والتشريعي فى السلطة؛ والتى خضعتا لدورتين انتخابات.

 وكما ذكرنا أنفا ثمة تناقض بين كلا المؤسستين مضمونه مراوحة الحالة الفلسطينية بين الدولة والثورة لقرابة ربع قرن؛ ولم يكن هذا التناقض واضحا حتى العام 2006 لكون كل تلك المؤسسات كانت تخضع لمنظمة التحرير وذات لون سياسي واحد، ولكن دخول حركة حماس للمعترك السياسي وخوضها انتخابات المجلس التشريعي أظهر بوضوح التناقض بين تلك المؤسسات، ولكن المفارقة والتى تستحق البحث والدراسة هى لجوء الجميع إلى الشرعية الثورية والاحتماء بها واستخدامها فى مواجهة الخصم السياسي، وهو ما أدى إلى تلويث سلاح الشرعية الثورية بالدماء الفلسطينية، وهو ما أدى إلى تقويض نظام وشرعية مؤسسات الدولة لصالح مؤسسات الثورة فى شطرى الوطن المنقسم والخاسر الأوحد من هذا هو الشعب الذى تحول إلى أداة لينة فى يد الشرعية الثورية تشكله كيفما تشاء وتتحكم فى حاضره ومستقبله وتغامر به فى تجاربها الثورية دون حسيب أو رقيب ومتى ما اضطرت لاستدعائه فهى تستدعيه ما كان استدعائه مخرج لها من أزمتها. 

واليوم وبعد ما وصلت اليه حالتنا الفلسطينية يأتى قرار السيد الرئيس باجراء انتخابات فهى حاجة وطنية ملزمة لكافة الأطراف للعودة الى الشعب بعد أن فشلنا في إنهاء الانقسام واتمام المصالحة، وكذلك قرار الانتخابات يضع حد واضح لما يعرف بالمحاصصة الحزبية التى يرى فيها البعض قنطرة عبور قسرية لانهاء الانقسام؛ والرجوع إلى الشعب مصدر السلطات ليقول كلمته الحاسمة ليس فى إنهاء الانقسام فحسب بل فى مستقبل قضيته الوطنية.

وعليه نحن اليوم أمام خيارين لا ثالث لهما فإما أن نستمر فى تقويض شرعية الدولة والنظام الديمقراطى المعبر عن الارادة الشعبية لصالح الشرعية الثورية المعبرة عن تطلعات وإرادة فصيل أو مكتب سياسي أو قائد هنا أو هناك، وفى هذه الحالة علينا أن لا نتوقع إلا مزيد من تدهور الأوضاع وتأخر انجاز الاستقلال والحرية ومزيد من الضياع للحقوق الوطنية الفلسطينية ومزيد من الضياع لأجيال فلسطينية، وإما نذهب لانتخابات حرة ونزيهة ويقبل الجميع بنتائجها للمضى قدما نحو ترسيخ نظام سياسى فلسطيني يصل بنا إلى دولة فلسطينية ديمقراطية.

أستاذ علوم سياسية وعلاقات دولية

التعليقات