المقاومة والانتفاضة

المقاومة والانتفاضة
المقاومة والانتفاضة
مهند عبد الحميد

خطابات زعيم حزب الله اللبناني حسن نصر الله في زمن الانتفاضة، تختلف عن خطاباته ما قبلها. واقع الحال أن موقف حزب الله من انتفاضة الشعب اللبناني، هو ما يشغل أجزاء متزايدة من مناصري محور المقاومة، في الوقت الذي لم يكن موقفه من انتفاضة الشعب اللبناني مفاجئاً لأنصار الانتفاضة السورية التي اختار الحزب ان يضع قوته في خندق النظام ويحارب الى جانبه، جراء ذلك انفض كثيرون عن مناصرة حزب الله.  انتفاضة الشعب اللبناني المتواصلة لليوم الثاني عشر على التوالي أعادت طرح السؤال الأهم، مَن مع الانتفاضة ومَن ضدها؟ السؤال يُطرح من خارج الخندق الطائفي والمذهبي وما يسمى الصراع السني – الشيعي، أو الإيراني - السعودي، ومن خارج بنية النظام اللبناني الطائفية والرموز والأحزاب وأمراء الحروب المسؤولين عن حالة الخراب. السؤال يُطرح الآن من داخل انتفاضة الشعب اللبناني ومن داخل عملية التحرر الوطني الديمقراطي التي تستجيب لمصالح الشعوب وتسعى الى ترجمتها.
 حزب الله هو جزء من الحكم اللبناني راهناً، يشارك في الحكومة والبرلمان، وبحسب موازين القوى المحلية يجوز القول إنه حاكم لبنان الفعلي، بيده قرار الحرب والسلم عملياً، ويستطيع ان يعطل القرار على أقل تقدير، أو يستطيع تمريره بالاستناد لحلفائه في الطوائف الأخرى. ويستخدم الحزب سيطرته الفعلية على البلد في بناء دوره الإقليمي الحيوي والمؤثر. بناءً على ما تقدم فإن الحزب شريك في المسؤولية كما غيره من أركان الحكم الطائفي عن الأزمة الاقتصادية الاجتماعية الطاحنة، وشريك في الخراب الذي جلبه اهل الحكم للبلد، ذلك الخراب الذي من مظاهره دَين خارجي بقيمة 85 مليار دولار،  حيث تحتل لبنان المرتبة الثالثة عالمياً في أعلى نسبة مديونية. ونسبة الديون الى النتاج المحلي الإجمالي 152%، والفوائد على الديون تناهز نصف إيرادات الدولة. هذا النوع من الخراب جعل الأزمة بنيوية ولا تُنتج إلا مزيداً من التبعات على المواطنين ومزيداً من انهيار قدرة البلد على النمو، والمزيد من البطالة (36%) والعوز الاجتماعي والهجرة، والمزيد من اهتراء البنية التحتية ( ماء وكهرباء وتعليم وطبابة وخدمات وشبكة طرق وغير ذلك) كأنهم يجسدون «على أنقاض البلد نحيا».
في الأيام الأولى للانتفاضة، أعلن حزب الله عبر أمينه العام أنه مع بقاء حكومة الحريري، ومع بقاء مجلس النواب، ورئيس الجمهورية، معتبراً أن اي تغيير سيتم فقط من خلال هذه المؤسسات. ودعا المنتفضين الى اعتماد ممثلين لهم والذهاب الى رئيس الجمهورية للتفاوض على المطالب. وكان رد المنتفضين الإصرار على استقالة الحكومة، واستبدالها بحكومة كفاءات مستقلة من خارج التركيبة ونظام المحاصصة، وتشكيل حكومة انتقالية غير طائفية يقبل بها المنتفضون من خارج التركيبة والمحاصصة ويتم التحضير لانتخابات برلمانية. هكذا، وفي الوقت الذي يفصح فيه اللبنانيون عن إرادتهم الحرة في الانتقال الى جمهورية جديدة، وعِقد وطني واجتماعي جديد، ودستور جديد،  وبنية إدارية وسياسية جديدة. عوضاً عن ذلك فإن الحلف الطائفي الحاكم يرفض ويقاوم ويصر على احتكار كل شيء، بما في ذلك التحكم في عملية التغيير التي طرحها المنتفضون، متذرعاً بالفراغ والفوضى، وبتناقض التغيير المنشود مع الدستور.
واقع الحال أن التغيير يتناقض مع مصالح أركان الحكم ومع المحاصصة الطائفية وامتيازاتها ومع امراء الطوائف. هؤلاء الذين سيضعهم اي تغيير امام المساءلة والمحاكمة والعقاب وسيكشف عن المسكوت عنه. من حق الشعوب التي تعطي التفويض سحبه، ومن حق الشعب اللبناني الذي فُرضت عليه صفقة المحاصصة الطائفية على مدى ثمانية عقود ان يغيرها بعقد وطني واجتماعي جديد.
 ما يهم موقف حزب الله الذي يضع نفسه خارج الفساد والفاسدين، لماذا يعترض الحزب على التغيير الذي تطالب به أكثرية الشعب الرافضة للطائفية، علماً ان ميزان القوى يتيح للحزب إمكانية التغيير، وبخاصة اذا ما استجاب لإرادة مليونين وأكثر ما زالوا يخرجون الى الشوارع  يومياً. لماذا انحاز الحزب للخندق المتهم بتخريب البلد ونهبه، والذي يغص بالفاسدين وبالمافيات من كل الأصناف؟ لماذا نصب الحزب نفسه مدافعاً عن العهد والحكومة ومجلس النواب (مصانع الفساد والفاسدين) واعلن استعداده للذود عنهم؟ دعونا نبحث عن تفسير.
لم يكن احتكار حزب الله لمقاومة المحتلين الإسرائيليين وتحويلها من مقاومة وطنية الى مقاومة طائفية دينية، بلا مغزى. ولم يكن فصل عملية التحرر من الاحتلال عن عملية الإصلاح والتغيير في بنية النظام الطائفي منذ الانتصار وحتى اليوم، بلا مغزى. ولم يكن الدخول في نظام المحاصصة الطائفية وتكريس النظام الطائفي بلا مغزى. ولم يكن تدخل حزب الله في سورية وبلدان عربية أخرى في مواجهة شعوبها المنتفضة بلا مغزى. المغزى إذاً، هو السيطرة على لبنان، وتوظيف السيطرة  في خدمة أجندة المركز الإيراني الذي يدين له الحزب بالولاء ويعتمده كمرجعية اولى. هنا جذر المشكلة، وينطبق هذا على مكونات النظام الطائفي التي تحالف بعضها مع دولة الاحتلال الإسرائيلي والبعض الآخر بقي رهينة لدول استعمارية، والبعض دخل في دائرة الدول العربية الرجعية والتابعة.  ما يهم النظام الطائفي، وما يهم الحزب ليس تطوير لبنان وتعزيز استقلاله، ما يهمهم هو توظيف البلد في خدمة النخب الطائفية الداخلية، وفي خدمة نفوذ المراكز والمرجعيات الخاصة بكل طرف. يعني تقاسم البلد بين داخل وخارج. ولأن مصالحهم تتناقض مع عملية تغيير البلد وتحويله الى بلد غير طائفي، بلد ديمقراطي متحرر ورافض  للتدخل الاستعماري، ولتدخلات الأنظمة الرجعية العربية، وتدخلات الأنظمة المستبدة الشمولية،  نعم مصالحهم تتناقض مع لبنان ديمقراطي يعبر عن مصالح الشعب اللبناني. لأن لبنان ديمقراطي غير طائفي لا يسمح باستخدامه ورقة في الصراع على النفوذ الإقليمي والدولي. لهذا السبب المسكوت عنه يصر أقطاب النظام الطائفي بمن فيهم حزب الله على بقاء النظام على حاله، يرفضون التغيير ويقاومونه. 
ضمن المعادلة السابقة، تميز حزب الله عن غيره من أمراء الطوائف، وحاز على حصة الأسد في استخدام لبنان وتوظيفه، بفعل استخدام المقاومة وسلاحها في السيطرة على البلد وفي توظيفه. فمن يستطيع الوقوف أمام مقاومة تستعد  لخوض المعركة مع إسرائيل؟ من يستطيع نقد مقاومة تتحدى إسرائيل وتعد بإلحاق افدح الخسائر بها؟ ويأتي ذلك تكراراً لما يحدث داخل إيران التي تنكل بكل أنواع المعارضة كونها تخوض معركة ضد أميركا وإسرائيل، الشيء نفسه ينطبق على النظام السوري. إن الإمعان في رفض الإصلاح والديمقراطية والحريات، والإمعان في بناء هيمنة حزب حاكم وتكريس نظام طائفي، يفرغ المقاومة والمواجهة من اي مضمون تحرري وينقلها الى الحالة الاستخدامية، ويأتي قول فرانز فانون «لا نريد استبدال شرطي أبيض قامع بشرطي أصلاني قامع» ملائماً لحالنا، وهذا ما كشفته الانتفاضة اللبنانية للرأي العام المضلل. 

التعليقات