صندوق النقد العربي يُطلق الإصدار الثاني من "تقرير نافذة على طريق الإصلاح"

صندوق النقد العربي يُطلق الإصدار الثاني من "تقرير نافذة على طريق الإصلاح"
صورة تعبيرية
رام الله - دنيا الوطن
في إطار جهود صندوق النقد العربي لدعم متخذي القرار وصناع السياسات الإقتصادية في الدول العربية، ارتأى الصندوق أهمية إصدار تقرير "نافذة على طريق الإصلاح" كتقرير متخصص يتطرق بشكل مفصل وتحليلي لأحد محاور برامج الإصلاحات الاقتصادية التي يجري تنفيذها في البلدان العربية بما يسمح بعرض تجارب تلك الدول، وماهية السياسات والإجراءات التي يجري تنفيذها، والتحديات القائمة، والدروس المستفادة من واقع برامج الإصلاح المثيلة المنفذة عالمياً. 

يستهدف التقرير مساندة جهود الدول الأعضاء في تطبيق سياسات وبرامج الإصلاح الإقتصادي المختلفة التي يجري تطبيقها في مجالات بعينها من بينها إصلاحات نظم الخدمة المدنية، وشبكات الأمان الاجتماعي، وصناديق التقاعد، وأسواق العمل والمنتجات، وتعزيز التنافسية.

وقع اختيار موضوع "إصلاحات شبكات الأمان الاجتماعي" ليكون محور اهتمام التقرير لعام 2019 نظراً للدور الكبير الذي تلعبه هذه الشبكات في الدول النامية واقتصادات الأسواق الناشئة في مكافحة الفقر، والحد من مستويات التفاوت في توزيع الدخل، وتحسين مستويات معيشة الفئات الأضعف من السكان.

شهدت السنوات الماضية اهتماماً واسعاً من قبل العديد من الدول النامية بتقوية شبكات الأمان الاجتماعي في ظل قيام العديد منها بتنفيذ إصلاحات مالية تستهدف ضبط أوضاع الموازنات العامة، تشتمل على عدة سياسات وتدابير من بينها إصلاح برامج الدعم السلعي التي ثبت عدم جدوى الكثير منها في ظل استئثار ذوي الدخل المرتفع بالجزء الأكبر من مكاسب هذه البرامج وارتفاع عبء هذه البرامج على الموازنة العامة للدولة.

تتضمن شبكات الأمان الاجتماعي تقديم تحويلات نقدية وعينية تستهدف الأسر الفقيرة والفئات الضعيفة، بهدف حمايتها من تأثير الصدمات الاقتصادية والكوارث الطبيعية وغيرها من الأزمات. تظهر بيانات البنك الدولي أن شبكات الأمان الاجتماعي التي تغطي حالياً نحو 2.5 مليار شخص لا تساعد فقط الدول على الاستثمار في رأس المال البشري، وإنما تُمثل كذلك مصدراً مهماً للدخل بالنسبة للفقراء والفئات الهشة، مما يساعد على تحسين مستوى معيشتهم. مع ذلك، ففي البلدان منخفضة الدخل، يحظى واحد فقط من بين كل خمسة من الفقراء بتغطية برامج شبكات الأمان الاجتماعي. تتفاوت دول العالم فيما بينها بشكل كبير فيما يتعلق بنسب الإنفاق على برامج الحماية الاجتماعية. ففي حين لم يتعد متوسط نصيب الفرد في بلدان أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى ما معدله 16 دولاراً أمريكياً سنوياً من الإنفاق على برامج شبكات الأمان الاجتماعي، بلغ نصيب الفرد من الإنفاق على هذه الشبكات في أمريكا اللاتينية، ومنطقة البحر الكاريبي ما معدله 158 دولاراً أمريكياً في المتوسط سنوياً حسب بيانات البنك الدولي.

تشهد الدول العربية أهميةً متزايدةً لتعزيز دور شبكات الأمان الاجتماعي في إطار برامج الإصلاح الاقتصادي الطموحة التي تنفذها هذه الدول منذ سنوات، وتسعى من خلالها إلى تنفيذ إصلاحات اقتصادية داعمة للاستقرار الاقتصادي مع التركيز في الوقت ذاته على تخفيف عبء تنفيذ هذه الإصلاحات على كاهل الطبقات الهشة ومحدودة الدخل. لا يقتصر استخدام شبكات الأمان الاجتماعي في الدول العربية على الدول منخفضة ومتوسطة الدخل، وإنما تستخدمها كذلك الدول العربية ذات مستويات الدخل المرتفع بهدف ضمان التوزيع المتكافئ لثمار النمو وضمان التنمية المتوازنة، وتركز من خلالها على عدد من البرامج مثل برامج الإسكان، وتقديم المنح في مجال التعليم، وفتح حسابات للمواطنين الذين يقل دخلهم عن مستوى معين يتم عبرها تلقي تحويلات نقدية شهرية بما يُساعد على دعم بعض الأسر والفئات بالتالي تحسين المستويات المعيشية والرفاه الاجتماعي.

تختلف البرامج المُتبناة في إطار شبكات الأمان الاجتماعي من دولة عربية لأخرى، وتندرج ضمن ثمان فئات رئيسة يتمثل أهمها في برامج الإعانات العينية حيث يبلغ إجمالي الإنفاق على هذه البرامج كنسبة من الناتج المحلي الإجمالي نحو 0.62 في المائة في الدول العربية، يليها برامج الدعم النقدي المشروط التي تهدف بالإضافة إلى تخفيف حدة الفقر، إلى دعم رأس المال البشرى عن طريق مطالبة المستفيدين من تلك البرامج بالتقيد بشروط محددة للحصول على الدعم مثل إلحاق أطفالهم بالمدارس، أو الانتظام في زيارة المراكز الصحية بما يساعد على تحقيق أهداف التنمية المستدامة، ويبلغ إجمالي الإنفاق عليها نحو 0.30 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي في الدول العربية.

تطرق تقرير نافذة على طريق الإصلاح إلى بعض التجارب العربية على إصلاحات تقوية شبكات الأمان الاجتماعي مشيراً إلى أن تلك الإصلاحات ركزت على تحقيق الأهداف التالية:

1)     زيادة المخصصات المالية الموجهة إلى شبكات الأمان الاجتماعي.

2)     توسيع نطاق تغطية المستهدفين.

3)     تحسين آليات استهداف الفئات المستحقة.

4)     التحول إلى برامج الدعم النقدي.

5)     تطوير سبل إدارة شبكات الأمان الاجتماعي بما يضمن زيادة مستويات كفاءتها وفاعليتها.

في هذا الإطار، اتجهت البلدان العربية إلى زيادة المخصصات المالية الموجهة إلى شبكات الأمان الاجتماعي، في موازناتها العامة لاسيما في أعقاب عام 2011. كما تم في إطار برامج الإصلاح الاقتصادي المُنفذة في بعض البلدان الاستفادة من الوفورات المُحققة من إصلاح برامج دعم الطاقة في توفير موارد مالية لتحسين مستويات الإنفاق في إطار هذه البرامج. في مصر، على سبيل المثال بلغ الإنفاق الحكومي على شبكات الأمان الاجتماعي حوالي 347 مليار جنيه مصري عام 2018 بمعدل نمو بلغ 33 في المائة، مقارنة بنحو 260 مليار جنيه عام 2017، بما يمثل أعلى معدل نمو خلال الفترة (2011-2019)، ذلك في إطار حرص الحكومة على تعزيز الإنفاق على شبكات الحماية الاجتماعية للتخفيف من آثار تطبيق برنامج الإصلاح الاقتصادي الذي تم تبنيه عام 2016 بالتعاون مع صندوق النقد الدولي على الطبقات الهشة. يُشار إلى أن إجمالي الإنفاق على البرامج المُتضمنة في إطار هذه الشبكات قد بلغ 1.3 تريليون جنيه خلال الفترة (2014/ 2015-2018/ 2019). 

تم في إطار هذه الإصلاحات، تخصيص مصر لنحو 1 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي لتعزيز الإنفاق على شبكات الأمان الاجتماعي مستفيدةً من الوفورات المالية الناتجة عن الإلغاء التدريجي لدعم الوقود.

كما تبنت بعض الدول العربية إصلاحات لتوسيع نطاق تغطية المستهدفين من برامج هذه الشبكات لتشمل بعض الفئات غير المشمولة مسبقاً بهدف ضمان تخفيف الأعباء الاقتصادية عن كاهل الفئات الهشة. فعلى سبيل المثال، تضمنت الإصلاحات المُطبقة في الأردن زيادة أعداد الأسر المستفيدة من دعم صندوق المعونة الوطنية الذي بدوره يقوم بصرف مخصصات شهرية لحوالي 100 ألف أسرة بقيمة إجمالية بلغت حوالي 110 مليون دينار أردني، ليشمل 85 ألف أسرة جديدة خلال الفترة (2019-2021) بكلفة إجمالية مقدارها 100 مليون دينار. كما ركزت بعض الدول العربية في إطار شبكات الأمان الاجتماعي على توسيع نطاق المستفيدين من مظلة برامج التأمين الصحي ليشمل فئات مستحقة جديدة.

واكب هذه الإصلاحات كذلك سعي من الدول العربية إلى تحسين آليات استهداف الفئات المستحقة، ففي الأردن تم تبني منهجية مُقترحة من قبل البنك الدولي مبنية على تلبية الاحتياجات من السعرات الحرارية لقياس خط الفقر، وما يندرج تحته من حساب لمؤشرات الفقر. لتحقيق هذا الهدف، تم بناء وتطوير برنامج السجل الوطني الموحد، وتدشين مشروع الباحثين الاجتماعيين بهدف التحديد والاستهداف الدقيق للفقراء ومحدودي الدخل والفئات الهشة.

كما تقوم هيئة المعلومات والحكومة الإلكترونية في البحرين، بإجراء عدد من الدراسات والمسوحات لمستوى دخل الفرد والأسرة، وقياس معدلات الاستهلاك. تسهم هذه الدراسات في إعطاء متخذي القرار وواضعي الاستراتيجيات تصور عن حجم الأسر المعوزة، وأسباب الفقر وغيرها من المعلومات المهمة المرتبطة بعمل شبكات الأمان الاجتماعي.

أما في مصر، فتستخدم الحكومة منهجية محددة للاستهداف تعتمد على خرائط الفقر الصادرة عن الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، التي ترصد نسب الفقر على مستوى المحافظات والمراكز والقرى. تستخدم السلطات الوطنية معادلة موحدة لقياس درجات الفقر مع إضفاء بعض التعديلات التي تعالج الفجوات بين الريف والحضر، وبين القادرين على العمل وغيرهم، وبين الأسرة المتكاملة وأسرة المرأة المعيلة، وغيرها من الفجوات. كما تتبنى الحكومة كذلك منهجية الفقر متعدد الأبعاد، وليس فقط الفقر المادي، وذلك ضمان لشمولية التغطية الاجتماعية.

على صعيد إصلاحات التحول إلى الدعم النقدي، أشار التقرير إلى ارتباط غالبية إجراءات إصلاح شبكات الأمان الاجتماعي القائمة على التحول نحو الدعم النقدي في الدول العربية بتصحيح أسعار الوقود والكهرباء وإصلاح برامج الدعم السلعي التي ثبت عدم كفاءتها في مساعدة الفئات الهشة في ظل استفادة الأغنياء بالجانب الأكبر من مكاسب هذه البرامج. بناء عليه، اتخذت الدول العربية مؤخراً خطوات متقدمة في سبيل التحول إلى الدعم النقدي لاسيما خلال الفترة (2012 – 2016). في هذا الإطار، كثفت دول عربية جهودها للتحول من الدعم العيني إلى الدعم النقدي من بينها مصر والأردن والسعودية والبحرين. وظهر اهتمام واسع النطاق بالتحول نحو برامج الدعم النقدي المشروط بهدف تحسين مستويات التعليم والصحة وتمكين الحكومات من تحقيق أهداف التنمية المستدامة 2030.

ففي السعودية، يعد برنامج "حساب المواطن" من أهم المبادرات التنموية التي قامت بها المملكة لحماية الأسر المُستحقة للدعم من خلال تقديم دعم نقدي مباشر إلى ذوي الدخل المحدود، ضمن برنامج تحقيق التوازن المالي في إطار البرامج المُتضمنة في "رؤية المملكة العربية السعودية 2030". في هذا الصدد، بلغ إجمالي الإنفاق الفعلي على هذا البرنامج ما يقدر بنحو 37.5 في المائة من إجمالي الإنفاق على تعويضات العاملين خلال عام 2019. 

في مصر، يمثل برنامج "تكافل وكرامة" آلية لتقديم الدعم النقدي المشروط للأسر المستحقة في مصر. يسعى البرنامج إلى تمكين الأسر الفقيرة من الحصول على الحقوق الأساسية مثل النفاذ إلى الخدمات الصحية والتعليم والتغذية السليمة. يتم من خلال البرنامج تقديم مساعدات شهرية إلى الفئات المستحقة، وينفذ من خلال وزارة التضامن الاجتماعي، ووزارة التربية والتعليم، ووزارة المالية. بلغ إجمالي عدد الأسر المستفيدة من هذه البرامج حوالي 3.6 مليون أسرة للعام المالي 2018/2019.  يُشار إلى أن حجم الإنفاق الكلى على برنامج الدعم النقدي في مصر بشكل عام قد بلغ حوالي 17.5 مليار جنية مصري خلال العام المالي (2018/2019) بواقع 12 مليار جنيه لبرنامج تكافل وكرامة و5.5 مليار جنيه لمعاش الضمان الاجتماعي.

من جهة أخرى، شملت إصلاحات تقوية شبكات الأمان الاجتماعي كذلك سعي بعض الدول العربية إلى تطوير سبل إدارة شبكات الأمان الاجتماعي بما يضمن زيادة مستويات كفاءتها وفاعليتها. من بين هذه الإجراءات تشكيل لجان وزارية مصغرة مسؤولة عن إدارة شبكات الأمان الاجتماعي برئاسة رئيس مجلس الوزراء تُعنى بالتنسيق مع باقي الأطراف الفاعلة ومنظمات المجتمع المدني. إضافة إلى اعتماد الجهات التنفيذية على آليات محددة لزيادة فاعلية هذه الشبكات بما يشمل:

·        ربط الأنظمة المعلوماتية للجهات المعنية المختلفة في إطار منظومة للمتابعة والتقييم الدقيق للفئات المستهدفة، ومراجعتها بشكل دوري.

·        إرساء قواعد ومعايير للإدراج والاقصاء بمظلة شبكات الأمان الاجتماعي لترشيد الموارد المخصصة للدعم.

·        إنشاء آلية تحقق من استحقاق المستفيدين بالتنسيق مع الجهات المعنية والباحثين الاجتماعيين ومنظمات المجتمع المدني.

·        إنشاء آلية تظلم للأسر أو الفئات التي تم رفضها ومنحها حق مراجعة البيانات.

·        إنشاء كيانات محلية "لجان مساءلة مجتمعية" تحت إشراف وزارات الشؤون الاجتماعية للمساهمة في تحديد المستحقين وتنقيح قواعد البيانات.

·        استخدام بطاقات صرف ذكية لجميع المستحقين لشبكات الأمان الاجتماعي لدعم الشمول المالي لجميع الفئات.

كما شملت الإجراءات تبني الجهات المسؤولة عن شبكات الأمان الاجتماعي في الدول العربية لبعض مؤشرات قياس الأداء في إطار برامج شبكات الأمان الاجتماعي تركز على قياس الفجوة بين الأداء الفعلي للبرامج والمستويات المستهدفة. ويشمل ذلك مؤشرات مثل:

·        نسبة السكان تحت خط الفقر الذين شملتهم برامج الدعم النقدي.

·        عدد الأسر الفقيرة المستفيدة من برامج الدعم النقدي.

·        الإنفاق على شبكات الأمان الاجتماعي.

·        نسبة النساء المستفيدات من برامج شبكات الأمان الاجتماعي لا سيما فيما يتعلق بالمرأة المعيلة.

·        عدد أطفال الأسرة المستحقة للدعم المنتظمين في الالتحاق بالتعليم.

·        عدد الإناث المستحقات للدعم والمستفيدات من برامج الرعاية الصحية.

في ضوء ما سبق، تستهدف التوجهات المستقبلية للحكومات العربية فيما يتعلق بإصلاح شبكات الأمان الاجتماعي المزيد من التركيز على زيادة الموارد المالية المخصصة لهذه البرامج، وتبني منهجيات من شأنها الاستهداف الدقيق للمستحقين مع التوجه نحو آليات تعزيز الاعتماد على الذات من خلال تبني البرامج الهادفة إلى إعانة الأسر المعوزة عبر دعم مقوماتها الانتاجية سواءً من خلال تشجيع المشروعات الصغيرة والمتوسطة والمشروعات المنزلية أو برامج مكافحة البطالة.

 كما تسعى الدول العربية إلى تحقيق التكامل اللازم ما بين الخطط الاستراتيجية المستقبلية التي تتبناها خلال الفترة المقبلة والدور المتوقع من شبكات الأمان الاجتماعي كأحد الآليات الممكنة للحكومات والداعمة للجهود الوطنية على صعيد تطوير التعليم والصحة وخفض الفقر والبطالة وتمكين المرأة. 

إضافة لما سبق، تستهدف الرؤى المستقبلية لتقوية شبكات الأمان الاجتماعي في الدول العربية إقامة علاقات شراكة جديدة مع القطاع الخاص والشركات والمستثمرين، لتوفير فرص عمل منتجة للفئات المستحقة القادرة على العمل. 

علاوة على تبني عدد من الإصلاحات القانونية والتنظيمية والمؤسسية للمزيد من فاعلية هذه الشبكات حسبما أشارت إليه تجارب الدول المتضمنة في التقرير.