الفقر والإقصاء الاجتماعي

الفقر والإقصاء الاجتماعي
د.يسر الغريسي حجازي

23.10.2019

الفقر والإقصاء الاجتماعي

"الفقر ليس صدفة مثل العبودية والفصل العنصري، لقد خلقه الإنسان ويمكن قمعه بالأعمال المشتركة للإنسانية". نيلسون مانديلا

كيف نفسر اتساع الفقر في الدول النامية؟ لماذا قضية الإقصاء الاجتماعي وفي نفس الوقت ازدياد الفقر؟ ما هو النهج المتعرف به في عدم المساواة؟

أولا وقبل كل شيء ، الفقر هو أيضا شكل من أشكال العنف، ومكافحته وإبراز جميع الحقوق الاجتماعية (الإسكان ، والتعليم ، والصحة ، والعمالة) هي القيم الأساسية للعلوم الاجتماعية. وذلك يتطلب تشكل جميع الحقوق الأساسية وأجهزة الحماية الاجتماعية، من خلال بناء دولة ديمقراطية واجتماعية تتمحور حول إيجاد الحلول المناسبة للمشاكل المثارة. ان التمثيل الاجتماعي يعتبر سلوكًا محفوفًا بالمخاطر، بسبب التحويلات النفسية والعلاقات الاجتماعية وشروطها. كما ترمز حالة السكان المحرومون، إلى عدم ملائمة طرق العمل الاجتماعي في التخصصات الصحية والنفسية، وهي تسهم في فهم وتحليل وإدارة المشكلات الاجتماعية. ذلك يتعلق بالحاجة إلى إعادة التفكير في الصحة الاجتماعية للسكان العشوائيين، الذين يتعرضون الي ابشع اوضاع  الفقر والبطالة والعنف وغيرها من أوجه الغموض الفردي و الاجتماعي. ذلك يحتاج، الي نظام  يعزز الحقوق والقيم بكل إنصاف ومعيارية. كما يؤدي الظلم إلى عدم المساواة الاجتماعية، لغاية أن تصبح المجموعات الفقيرة امر واقع يترسخ في الثقافة الاقتصادية والسياسية بشكل رسمي ويحدث تتطورها بشكل رسمي. إن المساواة بين السكان، هي الضمان الوحيد للعدالة الاجتماعية واستقلال المواطنين وتحريرهم. تعد مواقف وسلوكيات المجتمعات التي تعاني من الم  الإقصاء الاجتماعيي، جزءًا من الاستجابات الثقافية. ان آليات التنشئة الاجتماعية علي المستوي الأسري والتعليمي والاجتماعي، هي معايير للقيم الاخلاقية. فهي تسمح بالتحليل السياسي الجيد، وبتطبيق استراتيجيات تدخل ملموسة وآمنة. ان الظواهر الاجتماعية تجسد دائمًا الحالة النفسية بين التيارات الاجتماعية والمصالح الفردية. وتتمحور فكرة الضرر الاجتماعي حول الإحباطات المرتبطة بالحرمان، والتي تثير انعدام الأمن والإقصاء الاجتماعي والعقلي مما يزيد من خطر الإيذاء. ويرتبط الضرر الاجتماعي بالاضطرابات النفسية وعوامل الخطر، مثل اللجوء الي الإدمان علي المخدرات والكحول، والجنوح والبغاء، والجريمة، والفشل التربوي.

كما تركز القضايا الاجتماعية على جدليات البطالة والإسكان والنقص في المرافق. ان الإحباط يثير الشعور بالإقصاء الاجتماعي الذي هو شكل من اشكال التمييز.

 ممكن ان تكون العواقب وخيمة، وقد تتخذ هذه المتغيرات مظهرًا إيديولوجيًا يتعلق بفئة اجتماعية معينة وثقافتها. ان النظام الرأسمالي على سبيل المثال، مصمم وفقًا لعلاقات الإنتاج ورأس المال. على هذا النحو، يمكننا التمييز بين الطبقات الاجتماعية: من المجتمع البرجوازي (الرأسمالي) إلى الطبقة العاملة (كارل ماركس ، 1818-1883). تعبر الاختلافات المجتمعية عن السياسة الاجتماعية، والثقافية والخصائص المتأصلة في السلوك الاجتماعي. كما تميز الرأسمالية الحقوق الفردية، وتشجع الابتكار ونمو الأسواق، ولكنها تتجاهل مبدأ المساواة في المجتمع. إذا أصبح الأغنياء أكثر ثراءً ، يصبح الفقراء أكثر فقرا. وبعد الحرب العالمية الثانية، والدمار الهائل التي خلفته، اتجهت الشعوب الغربية الي المطالبة بحقوق الانسان وتعويض المتضررين من الحرب. وبدا الغرب يهتم بموضوع الضرائب وصندوق الائتمان الاجتماعي، وانهاء مشكلة الفقر وانشاء صندوق تعويضات للمتضررين. وهذا ما انهي مشكلة الفقر في أوروبا وذلك فقًا للمعايير الاجتماعية، أي ان الضمان الاجتماعي للجميع (الإسكان والخدمات الصحية والاجتماعية والتعليم) وفقًا لنظام الاقتصاد الاشتراكي، حيث ان  الدولة هي المسؤولة عن تنظيم وتوزيع الموارد لتامين المواطنين علي حد سوي ومنحهم التحررالذاتي  والاستقلالية، وفقا للعدالة الاجتماعية بمعني انصاف كل فئات المجتمع. من السهل أن نرى أن الدول النامية لديها أنظمة اجتماعية فاشلة، وأوجه قصور وانحرافات تؤدي الي التحرض على المشكلات الاجتماعية. ويتم ذلك عبري الممارسات القمعية والشمولية التي تستعمل من الحكومات، لمعاقبة الفقراء وحملهم تهمة الفقر والاخطاء السياسية التي يقترفونها تجاه المواطن الفقير. علي سبيل المثال، عندما تمر الحكومة من ضائقة مالية فتتم زيادة الضرائب علي المواد الاساسية والخصم من رواتب الموظفين جميعا، وفي المقابل تكون رواتب الوزراء والسياسيين عشرات الاضعاف من راتب الموظف البسيط. ويستمر صرف العلاوات والمهمات للوزراء، كما لو انهم غير معنيين بما يجري. انها حكومات تتقن الخطابات والشعارات الرنانة، و يتكلمون دائما علي التضحية من اجل  محاربة الفقروانصاف المواطن، وهكذا يمنحون لشعوبهم صورة سلبية مضاعفة من الاختلافات الاجتماعية. لا يمكن القضاء على الفقر إلا من خلال النمو الاقتصادي ومفهوم أجور الإعاشة (آدم سميث ، 1776) ، والذي يسمح لكل مواطن بالحصول على حياة مستورة. بدأ الاقتصاد السياسي في نهاية القرن الثامن عشر مع الاقتصادي والفيلسوف الاسكتلندي آدم سميث، وهو اب العلوم الاقتصادية الحديثة ومؤسس الليبرالية الاقتصادية ثم مع الاقتصادي الإنجليزي ديفيد ريكاردو والخبير الاقتصادي الفرنسي جان سيباستيان ساي. و في نهاية القرن التاسع عشر، كشفوا عن منهجيات آدم سميث الاقتصادية، وتم اعتماد الاقتصاد كنظام علمي مع نهاية الثورة الهامشية في نهاية القرن التاسع عشر. 

ان هدف سميث هو بالتحديد، إيجاد أساس للنمو الاقتصادي للقضاء على الفقر. انه نهج يؤدي إلى مفهوم "أجور الإعاشة"، التي يجب أن تمنح لجميع العمال مقابل العمل. عرف الاقتصادي والفيلسوف جون ستيوارت ميل (1806-1873) الاقتصاد بأنه :"العلم الذي يحدد قوانين الظواهر الاجتماعية الناتجة عن العمليات المشتركة للبشرية، لإنتاج الثروة طالما لم يتم تغيير هذه الظواهر من خلال السعي وراء كائن آخر" (ميل ،1836  ص 323). إن الأمر لا يقتصر على إخراج الناس من الفقر، بل بخلق الظروف التاريخية لانهاء الصراع الاجتماعي الطبقي، وهو السبيل الوحيد لضمان وصول كل افراد المجتمع الي حقوقها الاساسية. كما يكمن الفقر في غموض نظام المساعدة الاجتماعية وغير العادل لجميع المواطنين، الذين لا يستطيعون الوصول إلى حقوقهم الأساسية. من الضروري تغيير قوى اقتصاد السوق، وزيادة مستوى التعليم وخلق الوظائف الفنية المتعددة في سوق العمل. هذه هي الطريقة الوحيدة للقضاء على الفقر ومنح الإنصاف في حياة الجميع. وياتي الفقر نتيجة التقاسم غير العادل للسلع، بواقع انه لم يبقي شيئ للفقراء سوي الفتات المتروكة. يجب أن نعرف، أن الوعي الجماعي هو الوحيد الذي يمكن أن يطور مفهوم الانتماء الاجتماعي بكل أشكال التضامن. ان البؤس والهامش الحضري في بعض الفئات الاجتماعية، يثبت وجود عيب في البناء الاجتماعي بين الجماعات والأفراد والحكومة. 

يجب أن تكون ممارسة المواطنة حقًا وواجبًا لكل مواطن، وذلك من اجل ضمان مكافحة الهشاشة الاجتماعية ، واستبعاد الفقر  و منح ضمان التوزيع المناسب لخدمات الإعاشة.

التعليقات