الاعتذار والغفران

الاعتذار والغفران
د.يسر الغريسي حجازي

16.10.19

الاعتذار والغفران

"يمكن للمرء أن يحب، و أن يغفر أيضا. ومع ذلك، يدل التسامح  على مدى شجاعتنا وقوتنا. لكن المسامحة لا تعني النسيان."

من منا لم يتضرر من قبل صديق أو قريب؟ هل مسامحة شخص ما يعني أننا ضعفاء؟ هل يمكن أن نسامح الذي لا يمكن إصلاحه؟ هل يتحمل قلبنا الحقد؟ هناك العديد من الأسئلة التي تكمن في أذهاننا حول مسألة التسامح، لأنه ليس من السهل أن نغفر عندما يعاني المر من الألم والإذلال. إن أصل مصطلح "المغفرة" منبثق من فكرة تقديم الشكر، بمعني "دع الحياة تنقذ شخصًا ما". أخذت كلمة المغفرة معناها الحالي في وقت مبكر من القرن العاشر: "تسليم المذنب خطايا ذنوبه" (قاموس الأكاديمية الفرنسية). التسامح هو أيضًا لفتة عظيمة من الحكمة والرحمة لأولئك الذين ألحقوا الاذي بنا، والنظر في أن لهم الحق في المغفرة هو شهادة على النضج العقلي. يجب أن نفهم أولاً معنى العلاقة مع الآخر في مسألة الغفران. واسمحوا لنا أن نعرف أن هناك الجاني والمجني عليه، ولكن أيضا الأفراد أو المجتمعات الذين ما زالوا ضحايا أعمال العدوان. على المستوى الشخصي، ان المغفرة علي الأخطاء بالنسبة للمعتدي عليه يعني اتخاذ القرار بعدم الاحساس بالمعاناة، وتحرير النفس والمضي قدمًا، واكتساب الطاقة ، واخذ نفس جديد في الحياة. عندما ندرك الألم ، نترك دور الضحية ونتخذ الشجاعة لنغفر ما لا يغتفر. لكن المسامحة لا تعني النسيان ابدا، بل على العكس و من الضروري أن نتذكر الحادثة وتقدير الموقف الذي قمنا باتخاذه في منح المسامحة. كما ان النسيان لن يمنحنا أبدًا فرصة للتفكير أو التخفيف، بل على العكس هو يزيد الغضب والانطواء و المرارة. هناك أعمال عدوانية اخري اكثر تعقيد، يمكن أن يكون من الصعب مسامحتها، مثل جرائم القتل و الاغتصاب و الجرائم ضد الإنسانية، والإبادة الجماعية في الحروب والصراعات المسلحة والانقسامات، والقمع والفقر الناجم عن الحرب. ان الملاحقات القضائية تتم في المحاكم الجنائية الوطنية، أو في المحاكم الدولية. كما يتطلب السؤال الأخلاقي هنا، الاهتمام بفظاعة الوقائع وسياق هذه الأفعال والمشاركة في الإجرام، ووضع المتضررين منها لتعويضهم ومنحهم علاج نفسي مجاني او اقامة في دول اخري ويتم ذلك حسب تقارير حقوق الانسان والاتفاقيات الدولية المبرمة مع مؤسسات حقوق الانسان والعفو الدولية والسلطات المعنية. المغفرة هي أداة لا غنى عنها في العلاجات المعرفية، لأنها تتيح للشخص الترشيد وتوحيد المقاييس، وقبول نفسه دون نقد أو حكم. تساعد هذه الحالة الذهنية على تضخيم الطاقات الإيجابية من حولنا، والتي سوف تسمح للتطور الروحي وتغيير نظرتنا حول الوضع بعد جهود طويلة على تحقيق الذات. هذا يؤدي إلى عملية التفكير الاستراتيجي، التي تجبرنا على تحمل مسؤولياتنا والاعتراف بما إذا كان هذا العمل يستحق التسامح مع انفسنا، مع الطرف المعتدي علينا حتي لا ننسى أن ما يجعل الآخرين سعداء يجعلنا كذلك سعداء.

دخلنا أخيرًا في حالة من صحوة الضمير التي تجبرنا على مراجعة أنفسنا، والتفكير الجيد، والمناقشة، والاحتجاج لغاية الفهم و القبول بمراجعة قراراتنا. كما ان اعادة النظر، هو بمثابة تعبير ظهر خلال القرن العشرين وما زال يستخدم حتى اليوم للطعن في الرأي وإعادة النظر في القرار.

من الضروري الاستعداد للتسامح والمضي قدماً في توضيح القيم حسب نظرية توضيح القيم (سيدني ب. سايمون، 1978). 

وتاتي هذه القيم كالتالي:

1-التحقق من معايير الاختيار

هل لدي خيار؟ إنه خياري وأنا حر في القيام بذلك

2-النظر في الخيارات

الاحتمالات، الأسباب ومعتقدات الآخرين

3-عواقب الاحتمالات

انعكاساتها ، النوايا، فوائدها

4-القيمة المؤكدة

التقدير ، القيمة الممنوحة

5-التدقيق العام

تقاسم مع الآخرين

6-فحص الاتساق

القدرة على اتخاذ الإجراءات الازمة

7-اعتماد عادة حياتية

هل أنا مستعد للقيام بذلك مرة أخرى؟

نحن جميعا بحاجة إلى تلك اليوم الذي نحرر فيه وعينا بشكل كامل، وأن نكون قادرين على إدارة حياتنا دون لوم أو ضغوط. لا يوجد أي سبب لتدمير حياة المرء، او لحبس انفسنا في الدائرة الشر. يمكن للغضب أن يدمرنا ويجعلنا نشك في أنفسنا. يجب على المرء أن يعرف كيف يغفر للاخر لتحرير نفسه من تلقين الأوامر، والموجات السلبية التي تضر بنمونا العقلي والبدني.

كما ان الشعور بالكراهية هو الموافقة على صنع قوالب نمطية، و تراكم معاناة اخري غير ضرورية يتبعها ابتزاز عاطفي مستمر. ان المسامحة تكمن في أن يكون المرء مدركًا للعناية بالذات، والحفاظ على القيم الاخلاقية والصحة العقلية والجسدية الجيدة.

ان المسامحة تعني الارادة في تغيير مسار الحياة للافضل، واستعادة الثقة بالنفس واختيار العيش في المرح. كما ان المسامحة، هي التقدم في الإنسانية والأخلاق والكرم، وحب الآخرين.  

التعليقات