إلى الذين يريدون إلغاء أوسلو!!

إلى الذين يريدون إلغاء أوسلو!!
بقلم: فيصل أبو خضرا
عضو المجلس الوطني الفلسطيني

تزايد الجدل في الساحة الفلسطينية مؤخرا، حول الموقف من إتفاقية أوسلو على ضوء إنسداد أفق عملية السلام وإمعان إسرائيل في ممارساتها ضد شعبنا وتنكرها لحقوقه الوطنية الثابتة وخرقها الفظ لاتفاق أوسلو وإعلان رئيس وزرائها عن نيته ضم منطقة الغور ومناطق واسعة من الضفة الغربية المحتلة، وتعالت بعض الأصوات التي تطالب القيادة الفلسطينية بإلغاء هذه الاتفاقية والعودة الى المربع الأول، وربما ما دون ذلك، مقابل أصوات أخرى تؤيد التمسك بالاتفاقية باعتبارها وثيقة وقعت عليها إسرائيل وجاءت برعاية أميركية وتبناها المجتمع الدولي، وحققت للجانب الفلسطيني إنجارات مهمة رغم بعض الثغرات التي تضمنتها.

بداية من المؤسف أن أقول وبكل صراحة كفلسطيني مستقل بأن كثيرين، بما في ذلك مسؤولين في حركتي حماس والجهاد وفصائل أخرى لم يقرأوا اتفاقية اوسلو ولم يتمعنوا في دلالاتها السياسية، فهذه الاتفاقية وقعت بين إسرائيل ومنظمة التحرير الفلسطينية واعترفت بموجبها إسرائيل بمنظمة التحرير الفلسطينية كممثل شرعي ووحيد للشعب الفلسطيني، واشدد هنا على منظمة التحرير الفلسطينية وليس غير الفلسطينية وعلى تمثيل الشعب الفلسطيني مع كل ما يعنيه ذلك من دلالات سياسية هامة في مقدمتها إعتراف إسرائيل بالشعب الفلسطيني وبقضيته التي تمثلها المنظمة وهي بالطبع قضية سياسية وليست مجرد قضية إنسانية،، مقابل اعتراف منظمة التحرير الفلسطينية بإسرائيل.

هذا يعني بان إسرائيل اعترفت بفلسطين، والتي ستتحدد حدودها في مفاوضات الحل النهائي، التي تضمنتها الاتفاقية، والتي نصت على أن الحدود إضافة لقضايا اللاجئين والقدس والمستوطنات والمياه هي القضايا الرئيسية لمفاوضات الحل الدائم. كما أن الاعتراف الفلسطيني بإسرائيل يعني الاعتراف بها داخل ما سمي بـ"الخط الأخضر"، مما يعني أن حدود الدولة الفلسطينية العتيدة هي حسب القرار الدولي ٢٤٢ بما يعني الإنسحاب الكامل من جميع الأراضي التي احتلتها إسرائيل في العام ١٩٦٧م ، وهي الأراضي التي كانت تحت حكم المملكة الاردنية الهاشمية .

وأتساءل هنا: ما هو البديل الذي يطرحه كل من يدعو إلى إلغاء اتفاقية اوسلو؟ وفي هذا المقام أريد الإشارة باختصار الى عدد من النقاط الهامة مقابل موقف كل من لا يطرح بديلا واقعيا في ظل الوضع العربي والإسلامي والعالمي اليوم .

أولا: تم التوقيع على هذه الاتفاقية في حديقة البيت الأبيض في ١٣ أيلول للعام ١٩٩٣م في واشنطن بحضور الرئيس الأمريكي بيل كلينتون والرئيس الرمز الراحل ياسر عرفات، والأخ الرئيس محمود عباس، الذي كان يشغل منصب أمين سر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير ، و رئيس الوزراء الإسرائيلي اسحق رابين ووزير خارجية إسرائيل شمعون بيريس وبشهادة ممثل روسيا ، السيد اندريه كوزروف وحضور ممثلي الاتحاد الاوروبي والصين وممثلي الكثير من الدول العربية والأجنبية، بكل ما يعنيه ذلك من تبني المجتمع الدولي لهذه الاتفاقية ودعمه لها.

وتبع هذه الاتفاقية المزيد من الاتفاقيات مثل اتفاق وبروتوكول باريس الاقتصادي الذي ضم الى اتفاقية اوسلو. أي أن جميع هذه الاتفاقات والمعاهدات تدل دلالة واضحة بأن دولة فلسطين جاهزة ، ولا ينقص لقيامها إلا الاتفاق على الحدود و قضايا الحل النهائي الأخرى .

ثانيا: لقد استطاع الرئيس الراحل عرفات والرئيس الحالي أبو مازن أن يدخلا الى أرض الوطن من بوابة غزة والضفة ومنطقة أريحا والأغوار جميع فصائل منظمة التحرير بكوادرها ومقاتليها وعائلاتهم وأعضاء من حماس والجهاد بجميع كوادرهم وعائلاتهم ،ما يزيد عن ٦٠٠ الف نسمة،، واليوم يفوق عددهم المليون نسمة يقيمون في بلدهم فلسطين وبين أبناء شعبهم على أرض فلسطين. أي أنه لأول مرة في تاريخ صراعنا مع المحتل استطاعت القيادة الفلسطينية من خلال اتفاقية اوسلو قلب موازين هجرة الفلسطينيين وبدلا من أن تكون الى خارج الوطن أصبحت الى داخل الوطن.

لذلك يصر الاخ الرئيس محمود عباس أن تكون اجتماعات الأطر السياسية الفلسطينية جميعها في ارضنا فلسطين وليس في بيروت أو الجزائر أو أي بلد آخر ، كاجتماعات المجالس الوطنية أو المركزية ، أو أي اجتماع فلسطيني. ولولا اتفاقية اوسلو لربما كانت اجتماعاتنا تعقد اليوم في إحدى العواصم العربية أو الأجنبية النائية وربما في أدغال افريقيا. وربما ان مصير ال ٦٠٠ الف من المقاتلين والكوادر وعائلاتهم كان سيكون في ظل الأوضاع العربية والدولية اليوم صعبا جدا وربما مأساوي. وهذا الكلام الذي ربما لا يعجب البعض إلا انه هو الحقيقة رغم كل مساويء اوسلو.

و بالتالي فإن هذا إنجاز تاريخي للأخ الرئيس الراحل أبو عمار رحمه الله، وللأخ الرئيس الحالي أبو مازن أطال الله بعمره.

ثالثا: تنص الفقرة الرابعة من هذه الاتفاقية، والتي لم يقرأها كثيرون ممن يدعون لإلغاء الاتفاقية، على أن، قطاع غزة والضفة الغربية ولاية جغرافية فلسطينية واحدة، وعدم تجزأتهما، ومع الأسف فإن الانقسام الذي حدث عام ٢٠٠٧ وسيطرت حماس على قطاع غزة أديا الى هذه التجزئة المقيتة التي نشهدها اليوم مما يخدم مخططات الاحتلال وحليفته إدارة ترامب. وللأسف لا يزال هناك من يصر على استمرار هذا الانقسام المخزي الذي لطخ تاريخ شعبنا النضالي المشرق.

رابعا:تنص اتفاقية اوسلو على أن قضية القدس، بشطريها الغربي والشرقي، يتم حلها بالتفاوض وليس بالأمر الواقع كما فعل ترامب وشريكة نتنياهو، كما أن قضايا الحدود واللاجئين والمستعمرات والمياه والأمن وغيرها من الأمور المهمة التي كان يفترض التفاوض حولها، وليس كما يريد فريدمان وغرينبلات وكوشنر صهر ترامب، الجهلة بالواقع الفلسطيني ، وبقضية شعبنا الذي يطالب بحقة في تقرير المصير وإقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدس.

خامسا : ما من شك أن الأخ الرئيس أبو مازن بديمقراطيته وحرصه على الوحدة الوطنية أصر على مشاركة "حماس" في الانتخابات عام 2006، بالرغم من معارضة إسرائيل وأمريكا،وهي الانتخابات التي فازت فيها حماس بأكثرية مقاعد المجلس التشريعي ، ومع ذلك إحترم الأخ الرئيس هذه النتيجة مما جعله يكلف الأخ إسماعيل هنية بتشكيل الوزارة، ومع الأسف حماس لم تلتزم بما وقعت عليه منظمة التحرير، وهي الممثل الوحيد لشعبنا، مما أدى إلى مقاطعة دولية للحكومة الفلسطينية، ليأتي بعدها الانقسام والتطورات المؤسفة في عدد من الدول العربية وتطورات إقليمية ودولية مما زاد الوضع الفلسطيني سوءا وصعوبة.

هذه بعض النقاط المتعلقة باتفاقية اوسلو التي يبدو أن بعض إخواننا في حماس وبعض الفصائل لم يقرأوا بنودها.

والسؤال الذي يطرح الان: هل سيؤدي إلغاء الاتفاق فلسطينيا الى سحب إسرائيل اعترافها بمنظمة التحرير وطرد ما لا يقل عن مليون فلسطيني من الضفة الغربية وقطاع غزة الذين عادوا الى الأرض الفلسطينية بموجب إتفاق اوسلو؟

وهل سنعود في حالة الإلغاء الى الوراء نستجدي أي دولة تقبل بوجودنا على أرضها؟ بدلا من أن نقاوم الاحتلال من بلادنا وأرضنا فلسطين كما تريد حماس ومن يصرون إصرارا مميتاً على إلغاء إتفاقية اوسلو. أم أن هناك من يعتق أن قطاع غزة المحاصر جوا وبرا وبحا يمكن أن يشكل بديلا للدولة الفلسطينية المستقلة؟

إن اليمين المتطرف الحاكم في إسرائيل اليوم ومنذ مقتل رابين لم ينفذ غالبية بنود اوسلو، بل انتهكها مرارا، وينتظر بفارغ الصبر أن نكون نحن البادئين في إلغاء بعض بنود اوسلو ، أو كما يطلب البعض إلغاء إتفاقية اوسلو كلها بدون أي بديل واقعي، حتى تتمكن إسرائيل من استكمال تنفيذ مخططاتها الهادفة لتصفية القضية الفلسطينية.

علينا أن نكون صريحين مع أنفسنا وأن نعترف بأن الاتفاقية الوحيدة التي بيدنا هي إتفاقية اوسلو بشهادة أمريكية وروسية وعالمية ، وشعب صابر وقادر على إنتفاضة سلمية في جميع فلسطين وعصيان مدني ينهك ويشل الاقتصاد الإسرائيلي، وطبعاً هذا سيكلفنا الكثير من التضحيات ، ولكن بالنهاية الأرض لنا والحق معنا، وحقنا في بلادنا لا يمكن أن ننتزعه بالمفاوضات العقيمة بل بقوة إيماننا ووحدتنا وصبرنا على عدوتنا الأولى أمريكا وتابعتها وحليفتها إسرائيل.

وربما حان الوقت كي تطلب القيادة الفلسطينية برئاسة الأخ الرئيس محمود عباس الذي نقدره ونؤيد قراراته الصائبة، بان تدعو مجلس الأمن فورا كي يأخذ هذا المجلس، الذي يعتبر أكبر وأهم سلطة تنفيذية في العالم، قرارا بتنفيذ قراراته وتنفيذ معاهدة اوسلو.

أقول هذا الكلام لحماس والجهاد والفصائل التي لا تريد أن تقتنع بالوقائع الحقيقية لقضيتنا المقدسة وكفى خطابات رنانة لا تزيدنا إلا تكريسا لهذا الانفصال المأساوي دون تقديم أي بديل واقعي.

كما أن المطلوب عدم التسرع باتخاذ قرارات تضر بمصلحتنا الوطنية ، كي لا نوفر ذريعة للاحتلال لاتخاذ قرارات مضادة ، كإلغاء كل الوقائع الفلسطينية الناجمة عن إتفاق اوسلو وغيرها مما سيضرنا حتما ونعود الى الوراء أكثر مما نحن عليه الآن، والله المستعان.

التعليقات