صنــــدوق النقد العربي يصدر العدد السادس من موجز سياسات "استقلالية البنوك المركزية"

رام الله - دنيا الوطن
في إطار حرصه على تطوير أنشطته البحثية، أطلق صندوق النقد العربي سلسلة بحثية دورية جديدة بعنوان "موجز سياسات"، تستهدف دعم عملية صنع القرار في الدول العربية من خلال توفير إصدارات بحثية موجزة تتطرق لأبرز الأولويات والموضوعات ذات الاهتمام بالنسبة للبلدان الأعضاء مصحوبةً بتوصيات لصناع السياسات.  

في هذا الإطار، أصدر الصندوق العدد السادس من هذه السلسلة الذي جاء بعنوان "استقلالية البنوك المركزية".

أشار موجز السياسات إلى أنه من واقع التعريفات المختلفة لاستقلالية البنوك المركزية، يُمكن الوقوف على عدد من المقومات التي يتطرق إليها مفهوم "استقلالية البنوك المركزية"، ذلك بما يشمل تمتع البنوك المركزية بالاستقلالية في رسم واتخاذ القرارات المتعلقة بالسياسة النقدية (الأهداف والأدوات) في إطار متسق من سياسات الاقتصاد الكلي بعيداً عن أية ضغوط سياسية.

 وكذلك تمتع الأشخاص القائمين على رسم السياسة النقدية في البنوك المركزية بالاستقلالية والصلاحيات الكاملة في اتخاذ قراراتهم، وبحيث يتم تعيينهم أو فصلهم وفقاً للقوانين المُنظمة لعمل البنوك المركزية (الاستقلالية الشخصية). 

كما يمكن في هذا السياق أيضاً، التفرقة ما بين (الاستقلالية السياسية) للبنوك المركزية و(الاستقلالية الاقتصادية). حيث تعني الاستقلالية السياسية وفق عدد من الأدبيات الاقتصادية أن يكون تعيين وعزل محافظ البنك المركزي وأعضاء مجلس إدارته ليس من بين صلاحيات رئيس الحكومة، وألا يكون رئيس الحكومة عضواً في مجلس الإدارة، كما تحد الاستقلالية السياسية مستوى التمثيل الحكومي في مجلس إدارة البنك المركزي ومدى تدخل الحكومة في قرارات البنك، فيما تقيد الاستقلالية الاقتصادية للبنوك المركزية من قدرة الحكومات على الحصول على التمويل من البنك المركزي وترهن ذلك بضوابط محددة من حيث القيمة وآجال وشرو ط التمويل، بحيث يقتصر التمويل على الظروف الطارئة والمؤقتة ولآجال قصيرة يتم الاتفاق عليها ما بين البنك المركزي والحكومة وأن يتم التمويل بسعر فائدة السوق.

في هذا الإطار، تبرز أيضاً أهمية التفرقة ما بين الاستقلالية القانونية (De Facto) التي تمثل الإطار الحاكم لاستقلالية البنوك المركزية وفقاً لما هو منصوص عليه في القوانين المنظمة لعمل البنوك المركزية، وما بين الاستقلالية الفعلية De Jure)) وفق الواقع العملي والصلاحيات التي يمارسها البنك فعلياً في تحديد ورسم واستخدام أدوات السياسة النقدية بما يعكس مدي استقلالية البنك المركزي عن الحكومة وإلى أي مدى يتبنى البنك سياسة نقدية مستقلة، وبحيث ينطبق ما ذُكر في قانون البنك مع استقلاليته على أرض الواقع. وفي حال ما تحققت الاستقلالية الفعلية، فإن ذلك يقود أيضاً إلى الاستقلالية الاقتصادية والمالية والتشغيلية.

في المقابل، تنشأ تبعية البنك المركزي عندما تعاني الدول من عجز كبير في الموازنة العامة، ولا تجد السلطات المالية وسيلة لتمويل هذا العجز بعد استنفاذ كل الوسائل البديلة الأخرى مثل الاستدانة من الخارج، وعدم وجود موارد حقيقية تساعد في سد العجز. في هذه الحالة تلجأ السلطات الحكومية ممثلةً في وزارة المالية أو وزارة الخزانة إلى الاستعانة بموارد البنك المركزي كونه الجهة الوحيدة المخول لها إصدار النقود وبالتالي ضمان مورد يساهم في تغطية جزء من العجز المالي أو ما يعرف "بالتمويل بالعجز ".

استقلالية البنوك المركزية لا تعني عدم التنسيق ما بين السياستين النقدية والمالية ضمن إطار مؤسسي متكامل يضمن فعالية كل سياسة من هذه السياسات ويكفل للبنك المركزي في ذات الوقت إدارة السياسة النقدية دون تدخلات سياسية تعمل على تحجيم دوره الرئيس.  

لقياس مدي استقلالية أو تبعية البنك المركزي، يمكن النظر إلى المؤشرات التى تحكم علاقته مع السلطات المالية، بما يشمل حجم التمويل المؤقت الممنوح للسلطات المالية كنسبة من الإيرادات الحكومية، والفترة الزمنية المُستغرقة لاسترجاع المبلغ إلى خزينة البنك المركزي. كذلك يمكن لمؤشرات مثل عجز الموازنة إلى الناتج المحلي الإجمالي، وحجم الدين العام إلى الناتج المحلي الإجمالي أن تعطي مؤشراً عن إمكانية حدوث هيمنة مالية على قرارات وسلطات البنك المركزي. في هذا السياق، تشير بعض الأدبيات الاقتصادية إلى أن ارتفاع معدلات التضخم إلى حدود مفرطة (Hyperinflation) تُعزى في الغالب إلى الهيمنة المالية على موارد وقرارات البنك المركزي وتعتبر مؤشراً على انخفاض مستويات استقلالية البنوك المركزية.

أشار موجز السياسات إلى المؤشرات المستخدمة لقياس مدى استقلالية البنوك المركزية ومن بينها مؤشر كوكيرمان (The Cukierman Index for Central Bank Independence)، الذي يعتبر من بين أهم المؤشرات المستخدمة لقياس مدى استقلالية البنوك المركزية قانونياً وفعلياً. تتراوح قيمة المؤشر ما بين الصفر (بما يمثل تبعية نقدية كاملة للبنك المركزي للحكومة)، والواحد الصحيح (استقلالية كاملة للبنك المركزي) ذلك استناداً إلى عدد من المؤشرات الفرعية التي تستخدم للحكم على مدى استقلالية البنك، من بينها على سبيل المثال، الجهة المسؤولة عن رسم السياسة النقدية حيث ترتفع استقلالية البنك المركزي لتبلغ أقصى مستوياتها كلما كان للبنك سلطة حصرية في رسم السياسة النقدية، وكلما كان الهدف الرئيس للبنك المركزي تحقيق الاستقرار السعري، وكان للبنك الحق في اتخاذ القرار المناسب في حال تعارض تحقيق هذا الهدف مع الأهداف الاقتصادية الأخرى. كذلك فإن من بين العوامل التي تدعم استقلالية البنك عدم وجود تمثيل للحكومة في مجلس إدارة البنك المركزي، ووجود قيود على قيام البنك المركزي بتمويل الحكومة.

أوضح الموجز أن أهمية تعزيز استقلالية البنوك المركزية تتمثل في كونها تُمكن البنوك المركزية بشكل جيد من تحقيق الاستقرار السعري، وتجنب تعارض الأهداف التي يسعى إلى تحقيقها، والتغلب على الهيمنة المالية للحكومة على عمليات البنوك المركزية. كما أنها توفر قدراً أكبر من الشفافية وتساعد على مسائلة البنوك المركزية عن مدى نجاحها في تحقيق أهداف السياسة النقدية وكلها عوامل مُعززة للاستقرار الاقتصادي. كما تشير الدلائل التطبيقية إلى أن استقلالية البنوك المركزية تقترن بمعدلات أقل للتضخم وبمستويات أقل لتذبذب الناتج المحلي الإجمالي والتضخم بما يدعم الاستقرار والنمو الاقتصادي.