طاولة حوار بعنوان"سيناريوهات الانعتاق الاقتصادي عن دولة الاحتلال في ظلال تحديات الراهنة"

طاولة حوار بعنوان"سيناريوهات الانعتاق الاقتصادي عن دولة الاحتلال في ظلال تحديات الراهنة"
رام الله - دنيا الوطن
نظمت جمعية بذور للتنمية والثقافة يوم أمس طاولة حوار فيمقرها في نابلس  استضافت بها الكاتب والمحللالاقتصادي بكر اشتية، رئيس قسم الاقتصاد في جامعة النجاح الوطنية بعنوان "سيناريوهات الانعتاق الاقتصادي عن دولة الاحتلال في ظل التحديات الراهنة"بحضور نخبة من المتخصصين والمهتمين  بالشأنالاقتصادي والباحثين والاعلاميين، حيث افتتح المدير التنفيذي لجمعية بذور للتنميةوالثقافة اللقاء بأنه يندرج في إطار مبادرة " إلى اين "  التي أطلقتها جمعية بذور للتنمية والثقافة بهدفمشاركة القوى الاهلية من مختلف التخصصات في وضع تصوراتهم حلولهم القائمة علىالمعرفة والتحليل الدقيق في الشأن العام.

حيث استهل   الباحث اشتية  ورقته البحثية بالإشارة أن ربع قرن مضت على توقيع اتفاق أوسلو لم تكن كافية للوصول إلىتفاهمات فلسطينية إسرائيلية بشأن قيام كيان فلسطيني مستقل عن المنظومتين السياسيةوالاقتصادية الإسرائيلية. مشيرا بان العنوان الأبرز لهذه المرحلة هو إفشال ممنهجمن قبل الطرف الإسرائيلي لكل فرص الانعتاق والتمكين الاقتصادي الفلسطيني الذي قديفضي لقيام دولة فلسطينية مستقلة.

مؤكدا أن أن الملف الأمني (أمن دولة إسرائيل) يعتبر حجرالأساس لأي طرح، سياسي كان أم اقتصادي. فالضفة الغربية تمثل العمق الأمني لدولةإسرائيل، ولا بديل في أدبيات السياسة الإسرائيلية عن احتواء أجزاء من الضفةالغربية أمنيا وإداريا للولاية الإسرائيلية، وهو ما مهدت له اتفاقية أوسلو (عن غيرقصد فلسطينياً وعن نية مبيّتة إسرائيليا) من خلال المناطق المصنفة (C) والتي تشكل أكثر من (60%) من مساحةالضفة الغربية، وهي مناطق إضافة لأهميتها الأمنية للإسرائيليين، فهي أيضا تتمتعبأهمية اقتصادية عالية من حيث وفرة الأراضي الزراعية ومخزون المياه والثرواتالطبيعية فيها، هذا إضافة لأنها تمثل كافة نقاط المعابر والحدود للفلسطينيين فيالضفة الغربية مع الجانب الإسرائيلي ومع العالم الخارجي.

استكمالا لمخطط الإسرائيلي

وتابعاشتية أن  جدلا تاريخيا قام في أروقةالمطبخ السياسي الإسرائلي حول أولوية فصل أو ضم الضفة الغربية لدولة الاحتلال، مشيرا  أنه وبعد مقتل رئيس الوزراء الاسرائيلي "اسحاق رابين "بدأت تتعالى الأصوات المنادية لاستكمال مشروعي "آلون"و"شارون" الاستيطانيين والقائمين على فرض ديموغرافيا الأمر الواقع منخلال تهويد أكبر للضفة الغربية ضمن مستوطنات منفصلة في مراحلها الأولى، متصلة عندطرح الحل النهائي لتبتلع بذلك "ضمن الرؤية الحالية للاستيطان" أكثر من(40%) من أراضي الضفة الغربية التي لا تشكل بالأساس سوى (21%) من إجمالي مساحةفلسطين التاريخية.

واستدركاشتية،  أن قانون يهودية الدولة الذي أقرهالكنيست الإسرائيلي في يوليو 2018 يبدد كل المخاوف الديموغرافية لدولة الاحتلال،إلا أنه ومن خلال تحليل الخارطة الاستيطانية، نجد أن معدل نمو اليهود في مستوطناتالضفة الغربية تجاوز (9.5%) سنويا خلال السنوات العشرين الماضية، مع تراجع لمعدلاتنمو الفلسطينيين فيها لقرابة (2.5%) سنويا. أي أن ما قد لا تستطيع الدبلوماسيةالأمريكية والإسرائيلية تمريره ضمن مشروع صفقة التسوية، ستتمكن فوضى الديموغرافيامن تحقيقه خلال السنوات القادمة.

أولويات واستراتيجيات الوضع الراهن

 أعرب الباحث بكر اشتية عن استغرابه من  حالة الجمود الاستراتيجي (في شطري الوطن)في التعامل مع الاحتلال والمتمثلة بفكر الدبلوماسية المطلق الذي لم يضمن على مدىالسنوات الماضية أي تقدم سياسي أو تفاوضي، أو فكر المقاومة المطلق الذي لم يصللأبعد من الحفاظ على مكاسب حماس على أرض غزة.

وتسائل اشتية في  ورقته البحثية، إذا ما تم إسقاطذلك على الأزمة المالية المفتعلة إسرائيليا، والمرفوضة بتعنت وتمترس خلف الثوابتالوطنية فلسطينيا، فماذا يضير الاحتلال الإسرائيلي إن امتنع الفلسطينيون عن استلاممستحقات المقاصة دون أن يصاحب ذلك أي عمل شعبي أو تنظيمي يوقظ المخاوف الأمنية لدىالناخب الإسرائيلي؟وهل يكفي الامتناع عن استلام حقوقنا المالية عن طيب خاطر دون أيةردة فعل؟وهل نكتفي بانتظار الانتخابات الإسرائيلية والتظاهر بتحقيق بعض المكاسبالتي لمّا تُنجز بعد؟

واستعرضاشتية أبرز سمات  الحالة الاقتصاديةفلسطينيا من حيث معدلات الفقر والبطالة، وذوبان قواعد الإنتاج الزراعي، وتراجع حجمالمساعدات المقدمة للفلسطينيين، وانعدام السيطرة على المعابر والموارد الطبيعيةوالمالية إلا من خلال إرادة إسرائيلية. مشيرا أن الفلسطينيون يمتلكون من الأدواتما تمكنهم من قلب الطاولة المحلية والإقليمية على مشروع القرن المرتقب من خلالتحرك استراتيجي فلسطيني قصير الأمد يأخذ بعين الاعتبار معطيات الوضع الراهن ويقومعلى المبادئ التالية :

أولا، إعادة الاعتبارلمنظمة التحرير الفلسطينية بفصائلها السياسية وأذرعها الشعبية من أجل صياغة وتعريفالمقاومة الشعبية المطلوبة مرحليا باعتبارها الأداة الأكثر فاعلية للضغط على الصفالسياسي الإسرائيلي من بوابة "أمن دولة إسرائيل".مشيرا أنه لا  تعريف واضح لدى الفلسطينيين  للمقاومة الشعبية أو لأدواتها، ولا توزيع حقيقيللأدوار بين شرائح ومكونات الشعب الفلسطيني في الداخل والخارج، وبالتالي لا أدواتضغط حقيقية لدينا لتمرير مطالبنا المشروعة،

ثانيا إعادة صياغةالتفاهمات الفلسطينية الإسرائيلية الأخيرة حول ضريبة المحروقات من خلال اللجنةالاقتصادية المشتركة المتفق عليها في بروتوكول باريس، وإلحاقها بالبروتوكول كتعديلدائم يتيح للسلطة الفلسطينية جباية ضريبة البلو بشكل مباشر من محطات المحروقاتالفلسطينية، بدلا من فتح الباب أمام جعل تلك التفاهمات مجرد حل مؤقت لأزمة المقاصةينتهي مع انتهاء الأزمة.

ثالثا،إدراك أهمية المساعي الفلسطينية لفرض الولاية الإدارية على الأراضي المصنفة (C)وربطها بالقطاع الزراعي ضمن منظومة "الاقتصادالعائلي المقاوم"، وذلك من خلال التركيز على المزايا النسبية للتجمعاتوالمناطق الزراعية الفلسطينية، ورفدها بجيش من طواقم الإرشاد الزراعي القادرة علىتحديد الأولويات والاحتياجات الزراعية لكل منطقة.

فمن الناحية العملية، يمكن اعتبار الإنتاج الزراعي العائلي في الكثير منالمناطق قطاعا اقتصاديا مساندا للأسرة (Part Time Work)مكّن مئات الأسر الفلسطينية من تجاوز أزمة الرواتب. ويمكن تعزيز تجارب النجاح تلكوتعميمها على رقعة جغرافية أوسع من خلال خطة عمل شاملة لن تتطلب حلولا سحريةللأزمة المالية، ولن تصطدم مع إجراءات الهدم والإزالة التي قد يمارسها الاحتلالعلى المنشآت والمباني.

ترتيبات جديدة لمبدأ السيادة على الأرض (سيناريو العودةإلى طاولة المفاوضات)

أشارت الورقة التي قدمها الباحث اشتية انه في اللحظةالتي يقبل بها الطرفان الفلسطيني والإسرائيلي الاحتكام إلى طاولة المفاضات، فإن  حالة انعدام الثقة بين الطرفين ستفضي إلى التدرجفي ملف المفاوضات ضمن بالونات اختبار سيطلقها كلا الطرفين لاستشعار حسن النوايا،وإذا ما وصلنا لتلك المرحلة، فمن الأفضل أن تكون بالوناتنا موجهة بالكامل إلى الحدالذي سيسمح به الجانب الإسرائيلي للجانب الفلسطيني ببسط ولايته الاقتصادية علىالأرض، فأي مفاوضات لا تُبنى على ترتيبات وتفاهمات جديدة تعيد ترتيب مكونات معادلةالسيادة بين الطرفين لن تضيف للفلسطينيين أي مكاسب اقتصادية، وبالتالي لن تضيفللمفاوضات أي زخم سياسي باتجاه حل الدولتين.

إذن لا بد مبدئيا من تنازلات إسرائيلية في سيادتها علىالأرض، وليكن التدرج في مراحله الأولى من خلال فتح بنود بروتوكول باريسالاقتصادي والبدء بتعديل بعض القضايا الملحة فيه والتي قد تساعد على مزيد منالانعتاق الاقتصادي عن دولة الاحتلال، وذلك من خلال:

أ‌.  إلغاء اتفاقية الغلاف الجمركي الموحد التي تمنع الجانب الفلسطيني من استخدام أدوات الحماية الجمركية لمنتجاتهوتحرمه الحق بالسيطرة على موارده المالية.

المطالبة بالسيادة الإدارية وحق التمثيل على المعابر.

أشار اشتية أن السيادة الاقتصادية والإدارية تكون للمعابر التي تربطنا بكلمن الأردن ومصر، مؤكدا ان صادراتنا الفلسطينية إلى دولة الاحتلال تبلغ (87%) منمجموع الصادرات الفلسطينية، فيما تبلغ صادراتنا لكل من الأردن ومصر إلى (0.7% و0.01%) على التوالي بسبب التعقيدات الإسرائيلية الإجرائية والأمنية على المعابر،ويكفي في حالة المعابر التجارية مع الأردن اللجوء إلى تقنية الماسحات الضوئيةكإجراء أمني يختصر الوقت والتكلفة والجهد.

أما حق التمثيل الفلسطيني فيكون على المعابر البحرية التي تربط إسرائيل معالعالم الخارجي. فيكفي أن نعرف في هذا الجانب أن مجموع الفاقد من خزينة السلطةالفلسطينية نتيجة التسرب والتهرب الضريبيين على المعابر التي يسيطر عليها الجانبالإسرائيلي دون أي تمثيل فلسطيني يقدر بنحو (500) مليون دولار سنويا، وهو مبلغكفيل بسد كامل الفجوة التمويلية للمالية العامة الفلسطينية.

الممر التجاري بين الضفة والقطاع

وتُمنح فيه السيادة الإدارية للسلطة الفلسطينية مع استخدام ماسحات ضوئيةللحاويات من أجل الرقابة الأمنية دون الحاجة لتفريغ حمولتها، وذلك من أجل تسهيلالتجارة البينية الفلسطينية، مع تسهيل وصول بضائع الضفة الغربية إلى مصر، وبضائعقطاع غزة إلى الأردن.

منطقة تخليص جمركي بسيادة فلسطينية

من أجل ضمان السيطرة الفلسطينية على الضرائب الجمركية، وضبط كميات ومواصفاتالواردات، لا بد من الاتفاق على إنشاء منطقة تخليص جمركي فلسطينية في أراضي الضفةالغربية، يتم إليها نقل كافة الواردات الفلسطينية عبر المعابر التي تسيطر عليهاإسرائيل دون الحاجة لتخمينها أو فحصها أو تخليصها من قبل الجانب الإسرائيلي التيستكتفي بمسحها أمنيا. حيث تتم عملية إعادة شحن كافة الواردات الفلسطينية إلى تلكالمنطقة ذات السيادة الجمركية الفلسطينية، الأمر الذي سيتطلب الاتفاق بين الطرفينالفلسطيني والإسرائيلي على منح الجانب الفلسطيني حق تحديد النسب الجمركية علىالواردات دون الحاجة للالتزام بقواعد الغلاف الجمركي الموحد أو بالقوائم السلعيةالمنصوص عليها في بروتوكول باريس الاقتصادي، مع البقاء على نفس التفاهمات فيما يخصهامش الحركة (2%) في ضريبة القيمة المضافة.

السيادة الاقتصادية على بعض موارد المناطق المصنفة (C)

حيث تشيرالتقديرات إلى أن القيود المفروضة على الوصول إلى مناطق (C) وعلى حركة الإنتاج فيها تُكبِّد الاقتصاد الفلسطيني (3.4) ملياردولار سنويا.ويسهم الاستثمار في هذه المناطق (حال حدوثه) إلى زيادة في الناتجالمحلي تصل إلى (35%)، وهو ما لا تستطيع الحكومة الفلسطينية فعله بسبب السياساتالإسرائيلية المتلاحقة التي عزلت هذه المناطق بشكل مباشر عن بقية مناطق الضفة،فضلًا عن منعها أي تقدم وتنمية فيها.

وتشير دراسة أعدهاالبنك الدولي أن (68%) من مساحة هذه المناطق حجزت لبناء المستوطنات الإسرائيلية،فيما أجيز للفلسطينيين استخدام أقل من (1%) منها.

وتشمل السيادة الاقتصاديةعلى الموارد كلا من الأراضي الزراعية (وبالأخص في منطقة الأغوار) والمياه الجوفيةوأملاح البحر الميت ومخزون الغاز الطبيعي والنفط والمعادن.

واستخلص الباحث بكر اشتية  أن مقومات الدولة الفلسطينية تقوم على سلسلة منالإجراءات والترتيبات قصيرة ومتوسطة الأجل، ترتكز جميعها على مقدار ما يملكالفلسطينيون من سيادة اقتصادية على مقدراتهم المالية والطبيعية، وعليه فإن الخطوةالأولى باتجاه تحقيق ذلك تكون من خلال تعريف وتعزيز وتنظيم فكر المقاومة الشعبية،مع الضغط باتجاه إعادة فتح الاتفاقيات الاقتصادية الفلسطينية الإسرائيلية وتعديلهابما يخدم حاجتنا للتحرر والانعتاق.

وقد اجمع المشاركين في اللقاء على ضرورة تعزيز ثقافةالمقاطعة لبضائع الاحتلال، ودعم المنتج الوطني، وتعزيز الإقتصاد المنزلي المقاوم،وضرورة تعزيز القطاع الزراعي الفلسطيني من خلال ضخ استثمرات حقيقية فيه، وضرورةاعادة النظر في توزيع الموازنة العامة، بحيث يتم منح اولوية للزراعة، التي تشكلأحد أهم مقومات الاستقلال عن الاحتلال.