حشد تصدر ورقة:الحق في التعليم بين النصوص القانونية والواقع العملي في فلسطين

رام الله - دنيا الوطن
يعتبر الحق في التعليم الأداة الرئيسية للصغار والكبار وللمهمشين اقتصادياً واجتماعياً لكي ينهضوا بأنفسهم من الفقر والبطالة وأن يحصولوا على وسيلة للمشاركة في مجتمعاتهم، فالتعليم هو النشاط الذي يهدف إلى تطوير المعرفة والقيم الروحية والفهم والإدراك الذي يحتاج إليه الفرد في كل مناحي الحياة، فله دور حيوي في تمكين المرأة وحماية الطفل وتعزيز حقوق الانسان والديمقراطية وحماية البيئة والحد من نمو السكان، ولذلك سنوضح أهم الاتفاقيات الدولية التي عملت على حماية هذا الحق، بالإضافة إلى القوانين الفلسطينية الناظمة له، مع الإشارة إلى التطرق للحديث عن التطبيق الواقعي لهذا الحق في فلسطين.

أولاً: الحق في التعليم وفق المعايير والاتفاقيات الدولية:

1.   الإعلان العالمي لحقوق الانسان عام 1948م.

يعتبر هذا الاعلان قانوناً عرفياً ومرجعيه قانونية لأجهزة ومنظمات الأمم المتحدة، لأن كثير من الاتفاقات والمعاهدات الدولية اللاحقة قد تبنت مضامينه، فقد ناقش في المادة (26) منه، الحق في التعليم، وأجبر الدول الأعضاء في الأمم المتحدة على ضمان توفير التعليم الأساسي على الأقل لمواطنيها مجاناً، وعدم وجود مانع بأن تستمر مجانية التعليم لمراحل متقدمة أخرى، ويجب أن يكون التعليم الفني والمهني متاحاً للجميع بحيث أن يكون مؤدياً لتعزيز التنمية في الدولة.

2.   الاتفاقية الخاصة بمكافحة التمييز في مجال التعليم عام 1962م.

صدرت هذه الاتفاقية عن المؤتمر العام لمنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة –اليونسكو- في كانون الأول/ديسمبر 1960م، حيث أكدت المواد رقم (1) و(2) و(3) و(4) و(5) و(6) منها، على حث الدول الأطراف على مكافحة التمييز في مجال التعليم وجعله حق للجميع بشكل متساو، وذلك عبر إلغاء أية أحكام تشريعية أو تعليمات إدارية تنطوي على تمييز في التعليم، واتباع وتطبيق سياسات وطنية لدعم تكافؤ الفرص والمساواة في المعاملة في الأمور التعليمية، وذلك بجعل التعليم الابتدائي مجاني وإجباري، وجعل التعليم الثانوي متوفر وسهل المنال بصفة عامة للجميع، وجعل التعليم العالي متاحاً للجميع على أساس القدرات الفردية، وأن يستهدف التعليم تحقيق التنمية الكاملة للشخصية الانسانية وتعزيز احترام حقوق الانسان وحرياته الاساسية.

3.   العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية عام 1966م.

أكد هذا الاعلان على الحق في التعليم مع إعطاء أهمية لربط العملية التعليمية مع العملية التنموية، فقد أشارت المادة (13) منه، على "حق كل فرد في التربية والتعليم، وهي متفقة كذلك على وجوب استهداف التربية والتعليم وتمكين كل شخص من الاسهام بدور نافع في مجتمع حر"، وأكدت المادة (13) و(14) على الزامية ومجانية التعليم الابتدائي، وتعميم التعليم الفني والمهني والتعليم العالي مع العمل على مجانيته بشكل تدريجي.

4.   اتفاقية مناهضة التمييز ضد المرأة عام 1981م.

دعت هذه الاتفاقية في المادة (10) منها، إلى ضمان حصول المرأة بشكل متكافأ على فرص التعليم، وامكانية وصولها إلى معلومات ومنشورات تثقيفية محددة لمساعدتها على ضمان رفاه الأسرة، فالتعليم هو الذي يمكن المرأة من الحصول على هذه المعلومات والذي بدوره يؤدي إلى تحقيق نظام أسري ناجح ومتماسك وخالي من المشاكل الأسرية وبالتالي يكون سبباً في تطوير الأسرة وإقبالها على التعليم.

5.   اتفاقية حقوق الطفل عام 1989م.

تضمنت هذه الاتفاقية العديد من الاحكام الخاصة بحماية حقوق الطفل في مجال التعليم، فجاءت المادة (19) منها، لتؤكد على الزامية توفير وحماية الحق في التعليم للأطفال ذوي الاحتياجات الخاصة وتمكينهم من الانتفاع والتمتع بهذا الحق، أما المادة (28) منها، أقرت بحق الطفل في التعليم، وبجعل التعليم الابتدائي ملزماً ومجانياً للجميع، وتشجيع وتطوير التعليم الثانوي –العام والمهني- واتاحتها لجميع الأطفال، وجعل التعليم العالي -بشتى الوسائل- متاحاً للجميع على أساس القدرات، والمادة (29) منها، ربطت تعليم الطفل بتنمية شخصيته ومواهبه وقدراته العقلية والبدنية واحترامه لحقوق الانسان والحريات العامة. 

ثانياً: الحق في التعليم وفق القوانين الفلسطينية

1.   النظام الأساسي الفلسطيني والمسودة الرابعة للدستور.

يعتبر النظام الأساسي هو الأسمى والأعلى درجة في القوانين الفلسطينية والذي يعتبر بمثابة الدستور، فقد نص في مادته رقم (24) صراحةً، على الزامية ومجانية التعليم حتى نهاية المرحلة الأساسية على الأقل لكل المواطنين، وعلى واجب الدولة في حماية الحق في التعليم وتوفيره لكافة المواطنين وتمكينهم من الاستمتاع به على قدم المساواة بين الجميع دون تفريق أو تمييز.

بالنظر لما جاءت به المسودات الأولى والثانية يتضح أنهما تجاهلتا النص على مجانية التعليم في المدارس والمعاهد والجامعات بعكس ما نص عليه النظام الأساس في المادة (24/1) وما نصت عليه المسودة الثالثة في المادة (42) وما نصت المسودة الرابعة في المادة (96)، مع الإشارة أن المسودة الرابعة كفلت مجانية التعليم في مراحلة المختلفة دون اقتصاره على المرحلة الأساسية.

2.   قانون التعليم العالي الفلسطيني عام 1998م.

أشار هذا القانون في المادة (2) منه، "أن التعليم العالي حق لكل مواطن تتوافر فيه الشروط العلمية والموضوعية المحددة في هذا القانون والأنظمة الصادرة بمقتضاه"، مع عدم إعفال الصعوبات التي تواجهها التعليم العالي الفلسطيني كارتفاع الرسوم الجامعية وعدم ملائمة المباني الدراسية لذوي الاحتياجات الخاصة وقلة وجود جامعات حكومية.

3.   قانون الطفل الفلسطيني رقم (7) لسنة 2004م

كفل هذه القانون في المادة (37)، الحق في التعليم المجاني لكل طفل في مدارس الدولة حتى إتمامه للمرحلة الثانوية، وأن يكون التعليم إلزامي حتى مرحلة التعليم الأساسية كحد أدني، وكفلت المادة (41) منه، حق تعليم وتدريب الأطفال ذوي الاحتياجات الخاصة بنفس المدارس والمراكز المعدة للتلاميذ الأصحاء إلا إذا تطلب حالتهم غير ذلك.

4.   قانون حقوق المعوقين الفلسطيني رقم (4) لسنة 1999م

وفقاً لأحكام هذا القانون، فللمعوقين حق الحصول على فرص متكافئة للالتحاق بالمرافق التربوية والتعليمية والجامعات وبشكل مجاني، وتوفير المناهج والوسائل التربوية والتعليمية والتسهيلات المناسبة الملائمة لاحتياجاتهم، وذلك وفقاً للمواد (6) و(10) منه.

ثالثاً: واقع تطبيق الحق في التعليم

تتناغم وتختلف القوانين الفلسطينية مع الاتفاقيات الدولية عند الحديث عن الحق في التعليم، وأحياناً تختلف عند تطبيقها عن ما هو منصوص عليه في القوانين المكتوبة، فأغلب الاتفاقيات الدولية والقوانين الفلسطينية تنادي بالإلزامية والمجانية في التعليم، ولكن لا يوجد تطبيق عملي لذلك على أرض الواقع، فبالنسبة للمجانية في التعليم، يدفع طلاب المدارس الحكومية مع بداية السنة الدراسية أقساط سنوية تعتبرها السلطات المحلية رسوم أو تبرعات غير اجبارية -على حد تعبير المسئولين- وهذا بحذ ذاته انتهاك واضح وجسيم ومخالفة صريحة للقوانين التي تدعو إلى المجانية في التعليم، وقانونياً يعرف بأنه "لا رسم إلا بقانون".

أما بالنسبة للإلزامية في التعليم، فقد نصت مسودة القانون الأساسي الفلسطيني على إلزامية التعليم حتى نهاية الصف العاشر إلا أنها لم تنص على المجانية، حيث أن الالزامية والمجانية مترابطتان ولا يمكن فصل أي منهما عن الأخرى لأنهما حق من حقوق المواطنين وواجب على الدولة كفالتها، مع الإشارة إلى أن مصطلح "الكفالة" هنا غامض وواسع، ولذلك يجب تحديد الآليات التي تكفل بموجبها الدولة إلزامية التعليم حتى ما بعد المرحلة الثانوية، بالإضافة إلى أنه لا يوجد عقوبات لمن ينتهك هذا الحق.

أما الأشخاص ذوي الاحتياجات الخاصة، فقد أشارت الاتفاقيات الدولية والقوانين الفلسطينية على إلزامية الدولة على توفير وحماية حقهم في التعليم وتمكينهم من الانتفاع والتمتع بهذا الحق عن طريق تسهيل كافة الاجراءات سواء في المدارس أو الجامعات، إلا أن الواقع العملي يظهر أن غالبية المدارس والجامعات غير معدة بالشكل السليم من أجل استقبالهم، وعدم وجود مناهج خاصة بهم وخصوصاً المكفوفين، بالإضافة إلى قلة المنح الجامعية المعدة لهم، فكل ما سبق يعد مخالفة إضافية للقوانين التي تدعو إلى حماية حق التعليم لذوي الاحتياجات الخاصة.

خاتمة

اتفقت واختلفت الاتفاقيات الدولية والقوانين الفلسطينة الناظمة لحماية الحق في التعليم لجميع الفئات في بعض الأحكام التنظيمية، فكان يجب على المشرع الفلسطيني -بعد الحصول على صفة الدولة غير العضو المراقب في الأمم المتحدة عام 2012م الذي أجاز لفلسطين أن تطلب الانضمام لتلك الاتفاقيات الدولية- أن يأخذ بعين الاعتبار المعايير والاتفاقيات الدولية وموائمة القوانين الفلسطينية معها في المواد التي تناولت الحق في التعليم، وأيضاً توضيح الفئات الخاصة التي تتمتع بهذا الحق، وآليات تمكينهم من الحصول والحفاظ على هذا الحق كذوي الاحتياجات الخاصة وسكان المناطق المهمشة والاناث.