"خبراء عالميون"يؤكدون أن التكنولوجيا والتعاون الدولي من أهم عوامل ضمان التنمية المستدامة

"خبراء عالميون"يؤكدون أن التكنولوجيا والتعاون الدولي من أهم عوامل ضمان التنمية المستدامة
رام الله - دنيا الوطن
يمكن توليد الطاقة المستدامة اللازمة لتزويد الأجيال الحالية والمستقبلية بالطاقة النظيفة دون الإضرار بالبيئة، لكن ذلك يتطلب إجراء تغييرات ضرورية في منظومة الطاقة العالمية عبر تطوير التقنيات المتقدمة وفي ظل الإرادة السياسية الموحدة والتعاون الدولي بين مختلف دول العالم.

وقد شكل هذا الموضوع المهم محور النقاش الرئيسي في جلسة بعنوان "المهمة الممكنة: جائزة الطاقة العالمية محرك رئيسي لتوفير الطاقة المستدامة للجميع" ضمن أعمال الدورة الرابعة والعشرين لمؤتمر الطاقة العالمي الذي تستضيفه مدينة أبوظبي، حيث سلط المشاركون في هذه الجلسة الضوء على سبل تحقيق مستقبل مستدام وأبرز التحديات التي يجب التغلب عليها.

وتشير تقارير صادرة عن معهد الموارد العالمية (WRI) إلى أن حجم انبعاثات الغازات الدفيئة في الغلاف الجوي قد وصل إلى أعلى حد له على الإطلاق في عام 2018، وتعتبر الصين أكثر الدول المنتجة لهذه الانبعاثات الضارة بواقع 9.4 مليار طن سنوياً (بنسبة 28% من الانبعاثات العالمية)، تليها الولايات المتحدة الأمريكية بـ 5.1 مليار طن سنوياً (بنسبة 15% من الانبعاثات العالمية)، ثم الهند بـ 2.5 مليار طن سنوياً (7.3% من الانبعاثات العالمية). 

ويظهر تقرير أخر أن 36% فقط من إجمالي توليد الطاقة يعتمد على التقنيات منخفضة الانبعاثات، ورغم ارتفاع معدل النمو في هذا المؤشر بنسبة وصلت لنحو 1% مقارنة بالعام السابق، إلا أنه لا يعتبر نتيجة مرضية على الإطلاق.

كما شهد العام 2018 زيادة قياسية في توليد الطاقة الكهربائية من الفحم بلغت (10PWh)، وأرجع الخبراء المشاركون في الجلسة السبب إلى عدم وجود توافق عالمي للسياسات البيئية على الرغم من التزام القوى العالمية بمواجهة الارتفاع في درجات الحرارة.

ووفقاً لتقرير شبكة حلول التنمية المستدامة (SDSN) لعام 2019، حققت الدول المتقدمة نتائج جيدة في مجال تحقيق أهداف الأمم المتحدة للتنمية المستدامة بشأن النمو الاقتصادي والخدمات الصحية، ولكنها لا تشعر بالقلق إزاء مسألة استهلاك الموارد بشكل صديق للبيئة. 

وعلى النقيض من ذلك، تستهلك الدول الأكثر فقراً الموارد الطبيعية بشكل أقل، ولكنها لا تملك موارد مالية كافية لإدارة السياسات الاقتصادية بفعالية وتحسين جودة خدمات الرعاية الصحية.

وتعتبر دول غرب أوروبا والدول الاسكندنافية من الأكثر دول العالم التزاماً بوضع أطر صارمة للسياسات البيئية وخفض استهلاك الطاقة. 

حيث نما حجم الاستثمار في قطاع الطاقة المتجددة في معظم البلدان النامية خلال السنوات الأخيرة بنسبة 6% ووصل إلى مستوى قياسي بلغ 61.6 مليار دولار. وتضم قائمة الدول الخمس الأولى في هذا المؤشر كلاً من الصين (70 مليار يورو سنوياً)، والولايات المتحدة الأمريكية (35 مليار يورو سنوياً)، واليابان (8-12 مليار يورو سنوياً)، والهند (5-12 مليار يورو سنوياً)، وألمانيا (8.9 مليار يورو سنوياً).

ورغم هذه البيانات الإيجابية إلا أن أزمة المناخ لا تزال تزداد سوءاً، حيث أشار المشاركون في الجلسة إلى ضرورة إجراء تغييرات واسعة في قطاع الطاقة. وأكد ستيفن جريفيث، عضو لجنة جائزة الطاقة العالمية؛ نائب الرئيس الأول للأبحاث والتطوير في جامعة خليفة للعلوم والتكنولوجيا (KUST)، ضرورة توجيه الجهود لتحسين كفاءة الطاقة والتخفيف من الانبعاثات الكربونية بالاعتماد على منشآت توليد الطاقة المتطورة وزيادة وعي المستخدمين النهائيين وخاصةً في قطاع النقل، مضيفاً: "ارتفع حجم مبيعات السيارات الكهربائية بنسبة 68٪ في عام 2018، وقد يكون هذا مؤشراً على أنها ستصبح متاحة أكثر في المستقبل".

كما تطرق المشاركون إلى أهمية الحد من الانبعاثات الضارة في الغلاف الجوي في الوقت الذي لا تبدو فيه الجهود العالمية لإنتاج الكهرباء من مصادر الطاقة المتجددة في الوقت الحالي كافية للوصول إلى طاقة بدون انبعاثات كربونية بحلول العام 2050. وقال رودني جون علام، الحائز على جائزة الطاقة العالمية لعام 2012، عضو لجنة جائزة الطاقة العالمية، عضو اللجنة الدولية للتغيرات المناخية الحائزة على جائزة نوبل للسلام في عام 2007، أنه يجب الاستغناء عن استخدام الفحم لصالح الغاز الطبيعي، أو تحويله لغاز وتنقيته بحيث يمكن استخدامه كوقود لتوليد الطاقة بكفاءة عالية والتقاط الغازات الكربونية بنسبة 100٪. وهذا ما يمكن تحقيقه بفضل تكنولوجيا (Allam cycle) التي تسمح بحرق الغاز الطبيعي والتقاط ثاني أكسيد الكربون الذي يتم إنتاجه.

كما تطرق سيرجي ألكسينكو، الحائز على جائزة الطاقة العالمية لعام 2018، رئيس مختبر مشاكل الحرارة والانتقال الجماعي بمعهد الفيزياء الحرارية (SB RAS) إلى أهمية وميزات استخدام الغاز الطبيعي، وقال إن العالم سيشهد في المستقبل القريب تطوير تقنيات صديقة للبيئة وفعالة لمعالجة الوقود الأحفوري، وزيادة في الاعتماد على محطات الدورة المشتركة وطرق المعالجة العميقة للفحم. كما ستتواصل جهود تطوير مصادر الطاقة المتجددة والطرق الفعالة لتحويل وتخزين الطاقة، بما في ذلك خلايا الوقود.

كما اعتبر الخبراء أن الألواح الشمسية أصبحت أكثر مصادر الطاقة تنافسية مقارنة بالوقود الأحفوري، وزادت نسبة مساهمتها بتوليد الكهرباء بنسبة 31٪ في عام 2018. كما أشار المشاركون في الجلسة إلى أن تكامل شبكات الطاقة تسهم أيضاً بضمان التنمية المستدامة لقطاع الطاقة، وقد أصبحت أكثر استخداماً بسبب الطلب المتزايد على الاستخدام البديل لمصادر الطاقة المتجددة. كما أنه من المتوقع حدوث تطورات سريعة في مجال تكنولوجيا تخزين الطاقة، وخاصة بطاريات الليثيوم أيون.

ويتجه العالم بشكل أكبر نحو الاعتماد على تكنولجيا إضاءة (LED)، حيث حققت مبيعات منتجاتها ارتفاعاً ملحوظاً في عام 2018، لتصل إلى 40٪ من المبيعات العالمية لأجهزة الإضاءة للمباني السكنية. وهذا ما يؤكد بأن التقدم العلمي يمثل محرك الابتكارات التكنولوجية في مجال إنتاج الطاقة وتخزينها ونقلها واستهلاكها دون الإضرار بالبيئة. 

وقال راي كوون تشونغ، رئيس لجنة جائزة الطاقة العالمية، عضو اللجنة العليا التابعة للأمين العام للأمم المتحدة (HELP) لقضايا المياه والكوارث، عضو اللجنة الدولية للتغيرات المناخية (IPCC) الحائزة على جائزة نوبل للسلام في عام 2007، إنه ينبغي تحفيز الابتكارات العلمية والتكنولوجية وتعزيز التعاون الدولي في هذا المجال.

ويعد البيان الصادر عن المملكة المتحدة حول التزامها بتخيض حجم انبعاثات الغازات الدفيئة إلى الصفر بحلول عام 2050 (Net Zero Target)، مثالاً واضحاً على أهمية دور اللاعبين الرئيسيين في سوق الطاقة. 

ويجب أن تركز الخطوة التالية على انتقال قطاع الطاقة العالمي من دعم إنتاج الوقود الأحفوري إلى دعم الطاقة المتجددة. ووفقاً لسيناريو التنمية المستدامة للوكالة الدولية للطاقة، فإن إجمالي الاستثمارات في تطوير وسائل توليد الطاقة والبنية التحتية والتي ستبلغ قيمتها 55 مليار دولار بحلول عام 2030، ستشكل الركيزة الرئيسية لمسيرة التحول في قطاع للطاقة.

ويؤكد الخبراء أن التعاون الدولي يلعب دوراً مهماً للغاية في جذب الاستثمارات والحد من ظاهرة التغير المناخي وتحقيق التنمية المستدامة، لأن هذه القضايا تحمل طابعاً عالمياً بطبيعتها. وعلاوة على ذلك، فإن توحيد مصالح القوى العالمية يسهم في ضمان موثوقية إمدادات الطاقة وتوافر الطاقة من الناحيتين المادية والمالية.

وقال أوليغ بودارجين، رئيس مجلس أمناء جمعية الطاقة العالمية، نائب رئيس مجلس الطاقة العالمي: "يجب أن ينتقل قطاع الطاقة من دوره كمحفز لنمو الإنتاج الصناعي إلى محفز للارتقاء بجودة حياة الناس في كافة أنحاء العالم". فيما قالت مارتا بونيفرت، عضوة لجنة جائزة الطاقة العالمية؛ عضوة منتدى قادة الأعمال الهنغاري (HBLF): "ساهمت الطاقة الكهربائية في القرن الماضي بإطلاق بداية دورة تكنولوجية جديدة، وأصبحت مسؤولة في الوقت الحاضر عن توفير حياة جيدة لجميع سكان العالم"، وأكدت على أهمية تعزيز التعاون الدولي وتطوير شراكات جديدة وفعالة.

كما ينبغي على المؤسسات والمنظمات الدولية مثل مجلس الطاقة العالمي (WEC)، والوكالة الدولية للطاقة المتجددة (IRENA)، والوكالة الدولية للطاقة (IEA) أن تحث شركاءها حول العالم على العمل سوياً في مجال التنمية الاقتصادية والمساواة الاجتماعية والسلامة البيئية من أجل بناء نموذج اقتصادي ومالي جديد لصالح البشرية.

وتعتبر جائزة الطاقة العالمية من أهم العوامل المسرعة لهذه الجهود والتطورات التكنولوجية التي ستساعد على تحقيق مستقبل مستدام بيئياً. وقد ساهم الفائزون بهذه الجائزة على مدار السنوات الماضية بابتكار الكثير من التقنيات الحديثة في قطاع الطاقة، مثل أكيرا يوشينو مخترع بطاريات الليثيوم أيون، والعالمان شوجي ناكامورا ونيك هولونياك اللذان ساهما باستخدام إضاءة (LED) في العديد من المجالات مثل صناعة السيارات والمنشآت السكنية والصناعية والمكتبية، والعالم بوريس كاتورغين مخترع محرك (RD-180) الذي تستخدمه صواريخ "أطلس" الأمريكية الشهيرة، وفيليب روتبيرغ الذي طور تقنيات فعالة وصديقة للبيئة لمعالجة النفايات المنزلية، وآرثر روزنفيلد المعروف بابتكاراته المناسبة للمباني الذكية الموفرة للطاقة، وثورستين إنجي سيجفوسون الذي طور تقنيات فعالة لإنتاج الوقود من الهيدروجين، والعالمان مارتن جرين ومايكل جريتزيل اللذان طورا تكنولوجيا الألواح الشمسية. وكانت جائزة الطاقة العالمية لعام 2019 من نصيب خليل أمين وفريدي بلابيرج عن ابتكاراتهما في مجال تخزين ونقل الطاقة.