دوكان للبنانيين: أُحذّركم وأطمئنكم... وعليكم الإختيار

رام الله - دنيا الوطن
يستغرب اللبنانيون الكلام الصادر عن المبعوث الفرنسي المكلّف متابعة تنفيذ مؤتمر "سيدر" بيار دوكان ويصفون إملاءاته وكأنّها صادرة عن مفوض سامٍ على قاعدة "هذا ما عليكم فعله وإلّا".

صحيح أنّ السفير الفرنسي ترك اللغة الدبلوماسية خلال جولته على المسؤولين في لبنان واستعاض عنها بانتقادات ونصائح هي أقرب إلى الأوامر، ولكنّ الصحيح أيضا أنّنا لم نكن بحاجة إلى سهام دوكان لندرك كم هي ورطتنا كبيرة وكم اقتربنا من حافة الإنهيار، في حال واصلنا السير على طريق الفساد والهدر الذي ذاع صيتهما في أصقاع الأرض.

 فقبل كلام دوكان كان أركان السلطة يعلنون حال الطوارىء الإقتصادية في البلاد للمرة الأولى، ويعترفون أمام "شعوبهم" بحراجة الأوضاع المالية والإقتصادية التي أوصلتنا إليها سياساتهم، ويمهّدون لإشراكنا بعملية الإنقاذ من خلال سلّة ضرائب قادمة، بصرف النظر عن كوننا شركاء بمغانم هدرهم وفسادهم أم لا. 

أيّ رسالة تركها دوكان في بيروت؟ هل أتى ليقول للمسؤولين اللبنانيين أنتم أمام الفرصة الأخيرة وكفى تذاكيا؟ هل حضّهم على جلد الشعب بالضرائب أم القيام بالإصلاحات؟ وأين "سيدر" من كلّ هذا المشهد؟

الخبير الإقتصادي الدكتور غازي وزني الذي شارك في إعداد ورقة الخبراء التي نوقشت في بعبدا يقرأ في مؤتمر دوكان وجهين متلازمين، رسالة فرنسية تحذيرية ومطمئنة. وفي اتصال مع "لبنان 24" أوضح وزني أنّ الشقّ التحذيري بدا في أبلغ صوره عندما قال "لا يمكن أن نجد مؤشرًا اقتصاديًا وماليًا واحدًا ليس سيئًا"  وعندما أشار إلى ما معناه أنّكم لا تنفّذون ما تعدون به من إصلاحات، وبالتالي استمراركم  بالنهج نفسه سيجعل كلّ وكالات التصنيف الدولية تخفض تصنيفها للبنان، وسيصبح وضعكم أكثر صعوبة. بالمقابل الإجراءات الإصلاحية المطلوبة باتت معروفة على صعيد عجز الموازنة العامة واستنزاف الكهرباء للخزينة، وأنّ نقطة الانطلاق تبدأ بمعالجة مشكلة الكهرباء، ورفع التعرفة اعتبارًا من بداية السنة المقبلة، وتأليف الهيئات الناظمة لقطاعات الإتصالات والكهرباء والطيران المدني ".

وبرأي وزني دوكان وصّف الوضعين الإقتصادي والمالي ودعا المسؤولين إلى تحمل مسؤولياتهم، أمّا الرسالة التطمينية فتمثلت بإشارته إلى أنّ المسؤولين اللبنانيين بدأوا بتدارك المخاطر، وبأنّه لم يسمع أيّ جهة مانحة تقول "قررنا وقف التمويل، ولكن يوجد شيء من التشكيك وهم بحاجة للثقة والمطلوب أن تحصل الأمور بالشكل المناسب في لبنان"، من هنا أراد القول إنّ الدول مستمرة بدعم لبنان، فحضّروا مشاريعكم ونفّذوا الإصلاحات والتمويل موجود. أمّا في حال لم تقترن أقوالكم بالأفعال سيكون وضعكم دقيق في المرحلة المقبلة".

أمّا الضرائب وحدها، وهي أسهل الحلول التي عادة ما تلجأ إليها الطبقة السياسية وتهمل الإصلاحات، فلم تعد تجدي من دون أن تقترن بالإصلاحات في المالية العامة ومن خلال الحوكمة الرشيدة ومكافحة التهرب الجمركي والضريبي وعصر النفقات ومكافحة الفساد وتحسين الجباية. وأضاف وزني أنّ دوكان أراد القول إنّ راهاناتكم على النفط الموعود ليست في محلها فليس هناك من عصا سحرية، وأن لا مفر من الإصلاح الحقيقي.

ورقة بعبدا لا يمكن فصلها عن خلاصة زيارة دوكان، لاسيّما وأنّها الصيغة العلاجية التي يقدّمها للبنان لتنفيذ الإصلاحات المطلوبة من المجتمع الدولي. وأركان الطبقة السياسية اخذوا من ورقة الخبراء 22 بندًا. وفي هذا السياق أوضح وزني أنّ الورقة التي أعدّوها أضاءوا من خلالها أولًا على عجز الموازنة العامة نتيجة دعم الكهرباء، والكلفة المرتفعة للرواتب والأجور، ومعاشات التقاعد وخدمة الدين العام ، وثانيًا على الوضع السيء لميزان المدفوعات أو الحساب الجاري نتيجة تراجع التدفّقات المالية ونمو القطاع المصرفي، وهو ما أشارت إليه وكالة "ستاندرز آند بورز" بحديثها عن مخاطر من استمرار انخفاض تدفقات ودائع العملاء. وأنّ  استمرار تلك الاتجاهات خلال الأشهر الستة المقبلة قد يتسبّب في خفض التصنيف إلى مستوى CCC.

يعتبر وزني أنّ ورقة الخبراء التي نوقشت في بعبدا أشارت إلى صعوبة الوضعين المالي والإقتصادي، وفي الوقت نفسه لفتت إلى أنّ المعالجة ممكنة إذا وجدت النوايا  "فالحكومة هي الجهة التي ستنفّذ مقرارات بعبدا ولكن تمّ الحديث عن تشكيل لجان وبرأي اللجان تميّع الأمور. ودعوة أركان السلطة ورؤساء الأحزاب لوضعهم أمام مسؤولياتهم".

إذن الوضع حرج، والتذاكي أمام المجتمع الدولي على الطريقة اللبنانية بات مكشوفًا، ومعزوفة الضرائب لن تنتظر السلطة طويلًا قبل أن تسمعنا إياها على قاعدة إمّا الضرائب وإما الإنهيار، وبات علينا أن نسمعها جوابنا "إصلاحكم قبل ضرائبكم وإلّا..".

التعليقات