مركز معا:مغتربة في أميركا تغيّر عادات غذائية خاطئة عبر جروب "هلثي ميلز"

مركز معا:مغتربة في أميركا تغيّر عادات غذائية خاطئة عبر جروب "هلثي ميلز"
رام الله - دنيا الوطن
ناقش تقرير أخير لمركز العمل التنموي/ معا من خلال مجلته "آفاق البيئة والتنمية" تجربة ناجحة لجروب " وجبات صحية" أو هلثي ميلز" على الفيسبوك استطاع أن يصنع تغييراً على مستوى الصحة العامة للفلسطينيين والعرب عموماً.

 جاء في البروفايل المعدُّ من قبل الصحفية "ربى عنبتاوي" مساقٌ حرٌ عن التغذية الصحية في جامعة كايزر بفلوريدا حيث قررت أن تكمل الماجستير كان بداية التنبه لما تأكله من طعام، كما أن معايشة تفاصيل رحلة مرهقة لفقدان الوزن بعد إنجاب طفلين شكّل الحافز لإتباع نظام جديد، لكن المحطة الفاصلة تجلّت خلال حديث خاطف مع مدربتها الأمريكية في النادي الرياضي الذي كانت ترتاده، حيث نصحتها الأخيرة بالصيام المتقطع، للحفاظ على جسم رشيق والالتزام بنمط غذائي صحي مدى الحياة.

معارفٌ وتجارب اكتسبتها الفلسطينية المغتربة "نانسي صافي" خلال إقامتها في ولايتي نيويورك وفلوريدا، جعلتها تتحدى الوزن الهائل الذي ازدادتهُ خلال حملها بطفليها والذي تعدى الـ120 كيلوغرام، بعد أن كانت فتاة رشيقة بوزن مثالي يقل عن 60 كغم، فأحبت أن تعمم تجربتها المعاشة لنساء الوطن العربي، وخاصةً أن المغترب وفق وصف نانسي يشعر بالحنين الجارف لبلده، فكان تأسيس جروب "هيلثي ميلز" أو وجبات صحية من فكرتها وأنضم إليها لاحقاً أربع سيدات فلسطينيات من أوائل من فقدن الوزن بسبب الجروب وهن: جلوريا، سهام، سارة، نور. انطلقن سويةً بقوة ليجمعن عبر مجموعتهن أكثر من 20 ألف متابع ومتابعة من فلسطين والعالم العربي ودول الاغتراب خلال أقل من خمسة شهور.

نهج هلثي ميلز

عشرات قصص النجاح لخسارة وزن تعلن عنها نانسي كل يوم بفخر، بمثابة عدوى حميدة وحافز للأعضاء بالاقتداء بخاسرات الوزن (معظمهن من السيدات)،  يُعطي لهذه المجموعة نوعاً من المصداقية والشفافية، فلا أسرار خفية ولا أدوية سحرية فقط نمط غذاء متوازن قائم على الحصص التالية: نصف الطبق خضراوات، ربعه بروتين، والربع المتبقي نشويات، ودائماً يشجعن العضوي والطبيعي ويحذرن من تناول المنتجات المصنعة.

هذه الحصص المتوازنة تُطبّق ضمن نظام "الصيام المتقطع" الذي يعتمد على الامتناع عن الطعام والشراب لفتراتٍ معيّنة، وهو يكتسب شعبيّةً كوسيلةٍ لتقييد السعرات الحرارية، وله عدة أنماط ولكن ما يُشجع عليه الجروب هو تناول الطعام عبر تقسيمه إلى وجبات خلال مدة 8 ساعات (من العاشرة صباحاً حتى السادسة مساءً) ثم الصوم عن الطعام باستثناء السوائل مدة 16 ساعة حتى اليوم التالي.

تتابع نانسي وزميلاتها المشتركات والمشتركين على مدار اليوم ولا تبخلن عليهن بأي نصيحة. يشعر المتابع للجروب بأنه عضو ضمن مجموعة دعم ضخمة Support group ، يلتقي أعضاؤها يومياً لتبادل الأسئلة والخبرات حول آليات التنحيف المتبعة، وصفات غذائية جديدة، نوادر مضحكة حول الريجيم، وقصص نجاح مذهلة في إنزال الوزن.

حول العادات الغذائية الخاطئة في مجتمعاتنا والتي دفعت نانسي لتأسيس الجروب، فتشير إلى أنه وعلى الرغم من تميز غذاء البحر المتوسط بالتنوع من حيث الخضار والألياف والبقوليات، ولكن ما لاحظته ومن خلال زيارتها لفلسطين مؤخراً؛ أن هناك في كثير من الأحيان عدم اهتمام بالكمية التي تدخل الجسم فنرى مبالغة في تناول ما يفوق حاجة الجسم، وعشوائية في أوقات تناول الطعام وتوزيع الوجبات، مع تناول مفرط للسكريات، وإدمان على الدخان والنرجيلة المضران بالصحة، وغياب لمنتجات عضوية إلا في بعض المحلات، الأمر الذي يثور عليه الجروب بمنشورات تفيض بالنصيحة الطيبة المغمسة بالحب.

نقطة التحول

نانسي ابنة قرية بيت نبالا المهجرة قضاء الرملة، والتي ارتبطت بفلسطيني يحمل الجنسية الكندية أثناء إقامتها مع عائلتها في مدينة رام الله، تبلغ من العمر ثلاثين عاماً وأم لطفلين ( صبي وطفلة رضيعة لا تتجاوز الـ11 شهراً).  لم تشغلها الالتزامات الأسرية عن متابعة العضوات الباحثات عن حلول لخسارة الوزن، ودائماً ما تفتتح دردشتها مع العضوات بـ " حبوبتي" كلمة تتكرر دائماً ولها مفعول ايجابي في تذويب الجليد وتحفيز المشتركات على البدء برحلة الصحة والرشاقة.

 المتابع للجروب والذي يشاهد صورة تحفيزية لنانسي تمارس رياضة المشي في غابة بنيويورك سيتي وبيدها وعاء مليء بالفواكه المقطعة والخضراوات الطازجة، يعتقد أن هذه السيدة تنعم برشاقة دائمة ولم تعانِ يوماً من البدانة، لكن المفاجأة أن نانسي مرّت بتجربة ارتفاع وزن مرعب أثناء الحمل، جعلها تدخل في مارثون خسارة الوزن بكل تعبه واحباطاته، ولكن تجربتها الأنجع والأكثر نجاحاً كانت من خلال "الصيام المتقطع" والذي تشدد عليه يومياً مع زميلاتها لأنه رجيم مستدام وغير متطرف.

"قرأت عن الصيام المتقطع عشرات المقالات العلمية، وقررت تطبيقه على نفسي وأنا مرضعة لابنتي، في البداية حاول جسمي رفض هذا النظام، لكنه اعتاد عليه بل لاحظت أن نشاطي الجسدي أزداد، وإدرار الحليب ونوعيته تحسنت، كما أن ابنتي استمدت الهدوء النفسي والسلام مني فأصبح نومها أفضل". تقول نانسي التي ألهمها أيضاً رؤية سيدات أمريكيات في السبعين والثمانين من العمر، برشاقة وصبا سيدات في الثلاثين، مشهد قلّما نراه في بلداننا.

نادراً ما نجد "مؤسسة الجروب" مشغولة للإجابة عن أي استفسار على الجروب تقول: "أستاذي في الجامعة وتحديداً في مساق الصحة الغذائية، كان متشدداً جداً بمسألة اختيار المقالات العلمية كمرجع لأبحاثنا، علّمنا كيف نختار المقال المُحكّم، الخاضع لعينات حقيقية والذي نال نسبة عالية من القراءة والإعجاب، لذلك حملتُ هذه الأمانة البحثية وكرست وقتي لأبحث في هذا الجروب عن كل معلومة مفيدة وموثقة".

"أتابع طفلتي الرضيعة وفي ذات الوقت أستمر بقراءة المقالات العلمية المحكمة لأضع زبدتها  من خلال منشور مصور وجذاب في الجروب، تساهم زميلاتي في إشراك الأعضاء من خلال تصوير عمليات طبخ غذاء صحي سواء طبق طعام أو تحلية أو بوظة، والجميل أن المشتركات تعرِضن وجباتهن الصحية وتنتظرن رأينا ورأي العضوات، ما يجعل الجروب بيت صاخب ينبض بالحياة والتجارب". تقول نانسي التي عملت كمصرفية في بنك أمريكا وهي حالياً ربة منزل حيث استقالت بعد ولادة ابنتها لتتفرغ لها.

مغالطات

ترى نانسي أن الهالة السلبية التي تحيط ب"الرجيم" أو النظام الغذائي الصحي هي ما يُفشل مجهودَ كثيرٍ من الناس التي تُحبط بسرعة وتفشل في إكمال رحلة خسارة الوزن، فهناك مغالطات غير صحيحة مثل أن الرجيم حرمان أو عناصره الغذائية غير لذيذة،  وتناولها غير ممتع، أو أنه نظام مكلف، أو مؤقت لفترة قصيرة ويحتاج لإرادة حقيقية، ومعتقدات أخرى بأن الحامل والمرضعة عليها أن تضاعف أكلها. هواجس ومعتقدات يحاول الجروب أن ينسفها.

تخفيض الوزن، وفق نانسي، يتطلب 70%  اهتمام بنوعية الأكل وتغيير عادات غذائية، و30% رياضة وتمارين شد للجسم، وهناك فهم خاطئ حول أن الرياضة لوحدها تخفض الوزن، وهذا غير دقيق، فالرياضة تصقلُ وتنشط الجسم وتكثف من إفراز هرمون السعادة "الاندورفين" لكنها لا تخفض الوزن إن استمر الإنسان يأكل كمياتٍ كبيرة.

ينحاز الجروب للمنتجات العضوية النظيفة من الكيماويات من خلال منشوراته اليومية، ويدعو دائماً لشراء الفاكهة والخضار بموسمها، واعتماد الغذاء الطبيعي وليس المصنّع،  وتناول الأرز والقمح الكاملين (مع قشورهما).

قصص نجاح ملهمة

تفخرُ نانسي وزميلاتها بعشرات قصص النجاح التي تصلها من عضوات فقدن أوزانهن وفق نمط غذاء مستدام، نلمس من رسائلهن التي يرسلونها إلى إدارة الجروب، كم السعادة والرضا عن الذات، حجم التصالح الداخلي والطاقات الايجابية التي تخرج منهن بعد أن تخلصن من أوزان زائدة وسموم كن يتناولنها وكانت بلا ريب ستصيبهن بالأمراض مستقبلاً.

"كل عضوة بالجروب تشعر أن نانسي وزميلاتها مدرباتها الشخصيات، وكأنها تتابع في مركز تغذية، فالنصائح والاستشارات دائماً متوفرة بلا أي تقصير، وكم المتابعة والحب عدا عن قصص النجاح المستمرة يجعل العضوات يشعرن بتأنيب الضمير دائماً، ما يلزمهن بالمحافظة على ما بدأنه". تقول نانسي التي تسعدها كلمات نابعة من القلب مثل "الله يسعدك، إنتِ غيرتيلي حياتي وعاداتي السيئة...الله يوفقك..الخ"

لا يخلو الجروب في ذات الوقت من أعداء النجاح، فهناك من يدخله ليحارب كل ما هو صحي ويستهزئ من المحتوى، لأنه يكره أن يرى غيره قد تغير ونجح وهو بقي على حاله بعاداته الخاطئة، وكذلك للجروب نصيب من هجوم أخصائيي تغذية فقدوا زبائنهم بسبب توفير الجروب كل الاستشارات اللازمة بشكل متواصل ومجاني.

من الأشياء التي لمسها مسؤولو الجروب اهتمام تجار فلسطين بإحضار منتجات عضوية أكثر للتماشي مع نظام غذاء المشتركات الجديد، ولكن وفق نانسي، فهناك بعض التجار قد استغل الطلب الزائد عليها فرفع من سعرها، ومن هذه المنتجات: خبز الشوفان، بذور الكتان، بذور الشيا، زبدة جوز الهند، سكر استيفيا، الكينوا، الفاصوليا الحمراء والسوداء، أرز بني أو اسود...وغيرها.

تحولات وأمنيات

تقول نانسي برضا بالغ: "فخورة بان أرى الموظفة التي اعتادت على طعام "الديلفري" الجاهز تُحضِر طعامها الصحي معها، فخورة بسيدات يطبخن طعاماً صحياً لهن ولأبنائهن ويشاركن عضوات الجروب لتعم الفائدة، وسعيدة من تجار باتوا يعرضون هذه المنتجات على رفوف محالهم لأن الطلب زاد عليها بفلسطين، وراضية عن كل قصص النجاح التي تصل إلينا ذبذباتها الايجابية كل يوم"

يسعى الجروب إلى تغيير العادات الغذائية الخاطئة إلى الأبد، وتشجيع ممارسة الرياضة، وتنفير الناس من التدخين سواء السجائر أو النرجيلة، ويتمنى أن يجد أسواقاً أكبر متخصصة بالعضوي في فلسطين بأسعار معتدلة ومتاحة للجميع.

 تأمل نانسي في بلدها أن تجد مطاعم تُخصص في قائمة طعامها غذاءً عضوياً أو حلويات ببدائل صحية عن السكر، وتحلم أن ترى كباراً في السن يمارسون الرياضة كما في أمريكا.

"كل من أنضم إلى الجروب فهو متعطش للتغيير، لحياة صحية بلا أمراض، لرشاقة بلا أوزان زائدة، وسنتابع الجميع آملين أن يصبح "هلثي ميلز" منصة لتغيير نمط الحياة الغذائية السائد في المجتمع الفلسطيني للأفضل". تختم نانسي

التعليقات