حكومة حماس بين مجابهة التطرف والأصول الفكرية

حكومة حماس بين مجابهة التطرف والأصول الفكرية
بقلم: أحمد المدهون

لا يمكن إنكار أنّ هناك- خط فكري سياسي- داخل حركة حماس والحركات الأخرى، يميل للتوجه السلفي الجهادي، ومع ما حصل في ثورات الربيع العربي، أعطوا مبايعاتهم وولاءهم لـ "داعش"، أي انتقل "الخط الفكري السياسي" إلى "توجه ديني سياسي" بحت، قام عليه التكفير داخل الحركات الإسلامية نفسها، ولكن لا يُروّجْ لذلك في العلن، إذ تمت التعبئة النصية الدينية والاستناد إلى الفتاوى والمشاعر العاطفية، ليكون الفرد منهم مؤهلًا ليصبح جهاديًا (متطرفًا)، ولكن الذي حال دون ذلك هو لربما قبضة الأجهزة الأمنية في غزة، بجانب انهيار منظومة داعش خارجيًا، والتي تقوم على امتداد جغرافي -العراق والشام- مرورًا بمصر ووصولًا لغزة.

ووفقًا للمتغيرات السياسية التي تمر بها غزة تباعًا لمتغيرات الإقليم، اقتنص المتطرفون هذا الوقت وهذه الفرصة ليفجروا ذواتهم، والمقصد من حديثي، أنه في غزة -وبحسب معرفتي- هنالك دواعش قيد التفجير منعهم الأمن وفوّت عليهم إتاحة العبوات الناسفة، وهناك شق أخر لم يكتمل التطرف بهم ليؤهلهم لذلك، وهم مؤمنون بهذا المشروع.

لذا، لا بُدّ من الإسراع في معالجة الموضوع من ناحية (فكرية - دينية) لهم، وإبعاد الشذوذ من الفتاوى عن مساقهم الفقهي، الأمر الذي لا ينكر من جانب أخر، أن كل متطرف بالأغلب بغبائه، أو بتمويله، ووظيفته، هو نتاج مدرسة استخبارات أمريكية إسرائيلية.

فالتركيز يجب أن يكون أمنيًا دينيًا فكريًا، بجانب دراسة الأسباب الاجتماعية والنفسية التي تدعو إلى ذلك دون الاستناد لنص ديني، إنما فقط فتوى نفسية داخلية تقود لذلك.

وعلى ضوء هذه الجريمة ومخرجاتها أستذكر أن هناك مؤتمراً نظّمته وزارة الأوقاف والشؤون الدينية بغزة، عام 2017 حمل اسم "أزمة الفهم وعلاقتها بظاهرة التطرف والعنف": "فلسطين، وغزة على وجه الخصوص، وكان خليل الحية من ضمن الحاضرين لهذا المؤتمر، وعقب على ذلك متحدثاً :" هناك بيئة ينشأ فيها التطّرف والإرهاب، وهي غالباً بيئة الظلم والعنف والإقصاء".

ومن هنا يجب استدراك حديثه لدى حركة حماس وقيادتها على صعيد البيئة الاجتماعية، لذا يجب أيضًا سد حاجة الشعب وتوفير متطلباته.

وإذ ما مررنا بالتاريخ الفلسطيني، وتحديدًا ما حصل خلال الانقسام الفلسطيني 2007، حيث تم توظيف الدين بما يتماهى مع مصلحة الحكم، إذ أُطلِقت لفظة الزندقة على المخالف لتبرير قتله وأخذ ماله وعرضه، وتم استعمال المساجد ومكبراتها وحلقاتها لتهيئة الفكر الإسلامي، أن يصبح منحرفًا، والفضاء الإلكتروني مليء بالصور والفيديوهات التي من شأنها وضع القارئ في البحث عن أساسات كانت مصدر التشدد، وإلى الآن لا زالت تلك الأساسات باقية في بعض الأفراد، فنجد البعض منهم يطلق مقولة (التطهير ثم التحرير)، يخاطب الجمهور فيها للتخلُّص من خصمه السياسي والفكري، وبعدها التفرغ للعدو والمحتل، ذات هذه المقولات على اختلاف المسميات حرفت مسار الأمة الإسلامية عن بوصلتها الصحيحة، فالذين نادوا بالأمس لتطهير الطائفة الفلانية لأجل اختلاف في الأفرع، متناسين بذلك العدو الأساسي، هُم من عاثوا في أوطانهم الفساد وجعلوه حضناً للأعداء.

لا نود من هذه المقارنة استرداد ثأر أو إلقاء المسؤولية على أحد بعينه، إنما نحاول التشخيص في واقع أُغلقت به السبل، الأمر الذي يدعونا إلى أن نكون أكثر جراءة مع أنفسنا، وأكثر عمقًا في فحص ما نحمله من فكر، ففي النهاية على جميع الاختلافات السياسية التي نحملها، نبقى مكوّنًا فلسطينيًا واحدًا، قضيته واحدة، نحزن لما يصيبنا، ونفرح حينما نتوحد وتكون بوصلتنا واحدة.

المتطرفون دومًا يعتبرون أنفسهم حراس الأخلاق والفضيلة والقيم، وشهدنا الإعدامات التي نفذوها في سوريا وغيرها بأبشع الطرق باسم الحفاظ على الأخلاق، وباسم تعبيد الطريق إلى الفردوس الأعلى والجنة، ومع ذلك أزمات الأخلاق في ازدياد رغم كل هذا البطش، لذا قتل البعوض لا يُجدي بقدر ما يُجدي تجفيف المستنقعات ..!

وفي الوقت نفسه هناك من يرى من علماء الاجتماع: "أنّ أزمة الأخلاق، هي التي تؤدي إلى نشوء ظاهرة التطرف الديني، خاصة مع توفر البيئة المناسبة"، أي نمو مثل هذه الجماعات، فيكون المصير محددًا وواضحًا.

التعليقات