شهران من مداهمات العيسوية..اتهام 5 من بين 340 معتقلًا والتهمة "رشق حجارة"

رام الله - دنيا الوطن
(المضمون: منذ شهرين ونصف وقرية العيسوية في شرقي القدس هي هدف للشرطة بحد ذاتها. في كل ليلة يقتحم رجال الشرطة القرية ويقومون بتفتيش البيوت واعتقال السكان. وحتى الآن من بين الـ 340 معتقل من القرية فقط ضد 5 اشخاص تم تقديم لوائح اتهام بسبب رشق الحجارة – المصدر).

رجال الشرطة وصلوا في الساعة السادسة مساء، وقد جاءوا بقوة معززة، قافلة من الشرطة الزرقاء، وحدة الشرطة الخاصة وحرس الحدود. في البداية تجمعوا في مدخل القرية وبعد ذلك بدأوا لتجول في الشوارع بدون أذى ظاهر للعيان. احدى المجموعات صعدت الى المقبرة التي تقع قرب المسجد ووضعت هناك كمين. مجموعة اخرى سارت في الأزقة. هذا الاقتحام الشرطي الذي حدث أول أمس لم يفاجيء أحد من سكان العيسوية في شرقي القدس. حيث أنه منذ شهرين ونصف هذا هو الامر المعتاد. ايضا الصورة التي مرت هذا المساء لم تكن استثنائية. في مرحلة ما تم رشق حجر على سيارة شرطة. رجال الشرطة بحثوا عمن رشق الحجر ولكن عبثا. بعد ذلك جاء تقرير عن القاء عبوة انبوبية في منطقة اخرى في القرية، وهذه العبوة لم تنفجر وتم اعتقال شخصين بتهمة القائها. شابان انقضا على جيب عسكري مدرع لطوب الكبير، الذي رغم قوة الالقاء لم تتحطم نوافذه المحمية. كما انهما نجحا في الهرب. رجال الشرطة ردوا على ذلك طلاق القنابل الصوتية التي فرقت الجمهور. بعد ذلك غادروا القرية فقط من اجل العودة اليها بعد منتصف الليل من اجل اجراء اعتقالات وتفتيش في البيوت.

هذا يحدث في كل مساء منذ بداية الصيف، في حينه بدأت الشرطة عملية تطبيق للقانون في القرية التي يشارك فيها عشرات رجال الشرطة في كل يوم. ورغم ذلك، من المعطيات التي جمعتها الصحيفة فان الامر لم يشكل نجاح كبير. حتى الآن اعتقلت الشرطة 340 شخص، لكن معظمهم تم اطلاق سراحهم بعد فترة قصيرة دون تقديم لوائح اتهام ضدهم. تقرير "هآرتس" يظهر أنه فقط ضد خمسة اشخاص منهم تم تقديم لوائح اتهام، وآخرون يتوقع تقديمهم للمحاكمة، وجميعهم بتهمة رشق الحجارة والزجاجات الحارقة.

وقد رفضت الشرطة اعطاء بيانات تناقض هذه البيانات. وماذا حول التفتيش في البيوت؟ في أي منها لم يتم العثور على سلاح؟ في حالة واحدة، في بحث في سيارة، تم العثور على زجاجة تحتوي على مواد حارقة. وفي حادثة اخرى تم أخذ بضعة هواتف محمولة، وفي حادثة ثالثة تم العثور على كتب. الشرطة لم تبلغ ايضا عن مصابين في صفوف قواتها طوال فترة العملية باستثناء حالة واحدة اصيب فيها شرطيان بسبب قنبلة صوت أطلقها زميلهما.

لا أحد يستطيع الاشارة الى السبب الذي من اجله بدأت العملية. السكان ينسبون ذلك الى التعذيب في جهاز الشرطة وتولي قائد المنطقة الجديد وظيفته في شهر شباط الماضي. في الشرطة ينفون الادعاءات ويقولون أنهم يعملون من اجل "الحفاظ على النظام العام وتطبيق القانون في أي وقت وأي مكان" بدون صلة بحادثة معينة، لكن عدد من السكان اقتبسوا اقوال أحد الضباط الكبار الذي قال إن العملية ستستمر الى أن نتمكن من "السفر مع كأس قهوة في السيارة بدون سكب ذرة منه". أي، بدون رشق أي حجر على سيارات الشرطة حسب اقوالهم فان الطريقة لتهدئة النفوس هي وقف دخول القوات واستبدال جنود حرس الحدود برجال الشرطة الزرقاء الذين يتعاملون مع احتياجات السكان بدلا من اظهار الحضور.

في هذه الاثناء هذا الحضور واضح جدا. وهو يشمل حواجز تقيمها الشرطة بين الحين والآخر على مخارج القرية، فحوصات متشددة تقوم بها للسيارات، تأخير المارين وتوزيع غرامات ومخالفات. كل ما ذكر أعلاه مع عمليات الاعتقال الليلية تشوش بشكل كبير على روتين حياة السكان في القرية، الى جانب حقيقة أن المصالح التجارية تتحدث عن انخفاض يقدر بنسبة عشرات في المئة في المداخيل. وآباء خائفون من السماح لاولادهم في التجول وحتى الكثيرون يمتنعون عن الخروج من البيت. الخوف كبير الى درجة أنه مؤخرا قررت لجنة الآباء في القرية عدم فتح السنة الدراسية في الاسبوع القادم واغلاق جميع المدارس حتى انتهاء عمليات الشرطة: "أنا لا يمكنني تحمل المسؤولية عن فقدان أحد الاطفال لعينه أو قدمه بسبب التعليم"، قال عمر عطيه، رئيس لجنة الآباء في القرية.

الهدوء الذي ساد في السابق

 العيسوية تعتبر قرية سياسية جدا. وخلال سنوات اسمها ارتبط اكثر من مرة مع العنف والاحتجاج. يوجد فيها حضور قوي للجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين، والكثير من السكان قضوا فترات سجن مختلفة. وفي السنوات الاخيرة كان السكان مسؤولون عن رشق الحجارة على شارع القدس – معاليه ادوميم، والقاء الزجاجات الحارقة على الشارع المحيط لجامعة العبرية. العيسوية تعتبر قرية فلسطينية من قرى القدس التي فيها كانت المواجهات الاقوى بين المتظاهرين ورجال الشرطة في زمن التوتر، مثلا بعد قتل الفتى محمد ابو خضير في 2014 وبعد المواجهات في الحرم في 2015 و2016.

ولكن حسب اقوال سكان القرية فان الفترة التي سبقت عملية الشرطة كانت هادئة جدا. من فحص اجراه الباحث في "رابطة الشعوب"، افيف تترسكي، يتبين أنه بالضبط في هذه الاشهر لم تكن هناك تقارير عن احداث استثنائية في قرية العيسوية وحتى لم يتم الابلاغ عن اسرائيليين أو عن رجال شرطة اصيبوا في القرية أو في محيطها. الى أي درجة كان الهدوء؟ حتى في موقع اليمين "الصوت اليهودي" الذي يرافق الاحداث الارهابية يوميا، لم يتم ذكر رشق حجارة أو القاء زجاجات حارقة على شارع معاليه ادوميم أو شارع الجامعة في السنوات الاخيرة. ايضا في مجموعات واتس آب للمستوطنين الذين يبلغون عن اعمال رشق حجارة لم يتم ذكر اسم قرية العيسوية.

ما الذي تغير اذا؟ اذا قمنا بسؤال السكان فان الجواب هو جواب قاطع: دخول رجال الشرطة الى القرية هو العامل الوحيد للعنف. وعندما تحولت هذه الزيارات الى زيارات ثابتة، ايضا العنف مستقر. صحيح أنه يظهر أن شباب القرية يحرصون على عدم مرور أي سيارة للشرطة بدون أن يتم رشق الحجارة عليها ولو حجر واحد على الاقل. الشباب يعرفون أن احتمالية اصابة رجال الشرطة هي ضئيلة، حيث أن رجال الشرطة انفسهم وسياراتهم محصنة جيدا. وهم يعرفون أن هذا لا يفعل شيء، ولكن الحجر هو من اجل أن يقولوا "غير مقبول علي وجودكم هنا، أنتم محتلون وهكذا يتم استقبال المحتلين"، قال أحد السكان في العيسوية. "كل شاب يرشق الحجارة  البالغون يقولون إنه سنحت لهم الفرصة فهم سيرشقون الحجارة. ولكن اذا لم يكن يوجد هنا رجال شرطة لديهم فلن يحدث أي شيء".

في حين أنه لم يكن هناك في اوساط الشرطة أي مصابين فان عشرات السكان أصيبوا في المواجهات، بالاساس بسبب اطلاق الرصاص المطاطي. هكذا مثلا في المواجهة مساء أمس أطلق رجال شرطة الوحدات السرية رصاصة مغلفة بالمطاط على فذة سيارة كانت فيها احدى سكان القرية واولادها. المرأة اصيبت بالشظا وتم نقلها لتلقي العلاج (وألسنة اللهب ارتفعت مرة اخرى)، وكانت ايضا نتائج اكثر صعوبة. في حالة من الحالات في نهاية حزيران أطلق رجال الشرطة النار على محمد عبيد الذي كان يحمل علبة للالعاب النارية من اجل اطلاقها وقتل. وقد أدى موت عبيد وجنازته الى ازدياد العنف في القرية.

رجال شرطة أو مواطنين اسرائيليين لم يصابوا في اعقاب ذلك، لكن أحد المباني دفع الثمن – المركز الجماهيري في القرية الذي يقع في مركز القرية. خلال السنوات الاخيرة وقع هذا المبنى الذي يتكون من ثلاثة طوابق المرة تلو الاخرى ضحية لغضب السكان، الذي يعتبره السكان أحد رموز الاحتلال. في بداية شهر تموز وبعد قتل عبيد تم احراق المركز مرة اخرى للمرة الخامسة. منذ ذلك الحين وما ما يزال محروق بالكامل. البلدية، يبدو أنها يئست من اعادة ترميمه وأصدرت أمر لهدمه.

تحرر سريع

ليس بعيدا عن المركز الجماهيري احتفل قبل ثلاث سنوات سكان العيسوية بانتهاء بناء مسجد الاربعين، الذي يعتبر فخر القرية، من مأذنته البيضاء الاكثر ارتفاعا في القدس يمكن مشاهدة كل القرية. في الاسفل يوجد فسحة صغيرة فيها في كل مساء يفتح أحد ما بسطة لشي الكباب. وهناك ايضا يتجمع كل مساء شباب القرية وعدد من نشطاء اليسار الاسرائيلي بانتظار رجال الشرطة الذين سيأتون. عندما أتي رجال الشرطة ويبدأون بالتجول في الأزقة ينضم اليهم رجال اليسار من منظمة "فري جيروزاليم"، يتابعوم ويوثقون نشاطام والاعتقالات التي يجرونها.

الرقم الاخير وصل الى 340 شخص، كما قلنا، هذا حسب تسجيل نشطاء في القرية، معظمهم اعتقلوا في بيوتهم اثناء التفتيش في الليل. المحامي مفيد الحاج الذي مثل الكثير من المعتقلين قدر أنه على الاقل نصف المعتقلين كانوا قاصرين تحت جيل 18 سنة.

ولكن كما قلنا، فقط ضد 8 اشخاص منهم ما زالوا يحاكمون. في حالات يوجد فيها للشرطة أدلة ثابتة، مثل توثيق الكاميرات، لا تتردد في تقديم لوائح اتهام والمطالبة باجراء الاعتقال حتى انتهاء المحاكمة. ولكن يبدو أنه في حالة قرية العيسوية ورغم الطائرة المسيرة للشرطة التي تصور كل مساء ما يجري في القرية من اعلى، لم يتم العثور على أي أدلة ضد المتهمين. لذلك، معظمهم تم اطلاق سراحهم بعد 24 – 48 ساعة. على الاغلب حتى لم يتم عرضهم على قاض. وبدلا من ذلك هم بشكل عام يتم اطلاق سراحهم شريطة الاقامة الجبرية في البيت أو الابعاد عن البيت لبضعة ايام، أو يطلب منهم دفع غرامات تبلغ آلاف الشواقل تعاد اليهم بعد ستة أشهر.

هم يريدون الاثبات بأنهم يطبقون القانون، لكن هذا لا يعتبر سبب للاعتقالات الجماعية"، قال المحامي الحاج، "اذا أصيب شرطي بسبب رشق حجر في تل ابيب لا يقومون باعتقال نصف سكان تل ابيب. هذا عقاب جماعي والسكان يعرفون ذلك". اقوال بهذه الروحية قالها ايضا المحامي محمد محمود: "هذه اعتقالات عقابية استهدفت الاثبات بان الشرطة توجد في القرية". "هآرتس" طلبت الحصول من الشرطة على بيانات عن الاعتقالات ولوائح الاتهام التي توجد لديها. لكنهم في الشرطة اختاروا عدم تقديمها.

عدم فهم معنى كلمة

 احدى الحالات التي وصلت الى المحكمة هي حالة محمد ابو الحمص، من النشطاء البارزين في العيسوية. في يوم الاحد الماضي اعتقل بذريعة أنه قام بتحريض سائقة على دهس شرطي. الشرطة قدمت في المحكمة فيلم قصير ظهر فيه أبو الحمص وهو يطلب من السائقة، المترددة في السفر في الشارع بسبب وجود الشرطة، مواصلة طريقها. المحامي محمود قال إن أبو الحمص لم يطلب من السائقة تنفيذ عملية دهس، بل طلب منها الدعس على دواسة البنزين والانطلاق. القاضي في محكمة الصلح، اورن سلبرمان، وافق على هذا التفسير ورفض طلب الشرطة تمديد اعتقالها.

هذا لم يكن النهاية، الشرطة استأنفت للمحكمة المركزية وهناك قال ممثلها إن أبو الحمص حرض على العنف، والدليل على ذلك هو أن نشطاء يسار اسرائيليين تظاهروا خارج المحكمة اثناء النقاش في قضيته. المحكمة المركزية مددت اعتقاله ليوم واحد، ولكن أمس تم اطلاق سراحه مع أمر بابعاده عن البيت حتى 15 ايلول. وفي المساء عاد الى الشارع الذي يؤدي الى القرية. اصدقاء يهود كثيرون عرضوا استضافته، لكنه يفكر في هذه الاثناء بالسكن في خيمة على مدخل القرية الى أن يتم السماح له بالعودة. "

اعتقال أبو الحمص هو أمر مثير بشكل خاص لأن من يعرف القرية يعرفه كشخص مسؤول ومعتدل"، قالت العضوة في بلدية القدس، ممثلة ميرتس، لورا فيرتون. "المس به كقائد محلي فقط سيزيد الفوضى، والتأجيج الذي تقوم به الشرطة".

حسب اقوال فيرتون "يبدو أنهم بحثوا عن ذريعة لزيادة تضييق الخناق القائم، أو ربما الانتقام بسبب الكشف عن مخالفات في الشرطة حول اعداد المسلسل التلفزيوني "لواء القدس"، الذي من اجله تم زرع سلاح في أحد البيوت". بنظرة اوسع قالت فيرتون "في المحكمة لم يتم عرض أي دليل يربطه بنشاط سري معادي أو عنيف، مثلما حدث مع عشرات القاصرين الذين تم اعتقالهم وأطلق سراحهم. المادة الوحيدة التي تطرقوا اليها هي فيلم قصير في الفيس بوك. والاتهام ارتكز على عدم فهم كلمة واحدة عربية".

في هذه الاثناء، في محاولة للنظر الى الامام، يجد رئيس لجنة الآباء صعوبة في الحفاظ على التفاؤل. "الوضع يسير نحو الاسوأ. لقد قاموا باغلاق كل شيء. الناس يرون فقط الظلام والشرطة لا تفهم ذلك". قال وأضاف "لقد  دمرتم عطلة الاولاد ودمرتم العيد ودمرتم التعليم. ما الذي بقي؟ لقد صنعتم منا غزة. أس لا يرون أي بصيص في اية النفق".

وقد جاء رجا على ذلك من الشرطة بأنها "تنفذ طوال الوقت عمليات تطبيق للقانون من اجل منع الجريمة والاخلال لنظام في جميع شوارع مدينة القدس وفي احيائها وايضا في العيسوية".

بطبيعة الحال، الشرطة تركز نشاطاتها في اماكن مختلفة يوجد فيها تزايد للمخالفات والحوادث الاجرامية والاخلال بالنظام. بفضل نشاط الشرطة في المنطقة خلال الاشهر الاخيرة حدث انخفاض حاد في عدد عمليات رشق الحجارة والقاء الزجاجات الحارقة ومخالفات اخرى ضد مواطنين ابرياء ومن يسافرون على الطريق. للاسف على الاغلب يكون هناك مخالفون للقانون في المنطقة ويحاولون المس برجال الشرطة والتشويش على نشاطاتهم من اجل السكان العاديين، ضمون امور اخرى، رشق الحجارة والقاء الزجاجات الحارقة واطلاق المفرقعات على قوات الامن. الشرطة ستواصل العمل من اجل الدفاع عن سلامة الجمهور وأمنه والحفاظ على النظام العام وتطبيق القانون، في العيسوية وفي أي مكان آخر".