هجرة الشباب الفلسطيني.. ما الذي يدفعهم إلى ذلك؟ وما الطرق للحد منها؟

هجرة الشباب الفلسطيني.. ما الذي يدفعهم إلى ذلك؟ وما الطرق للحد منها؟
صورة أرشيفية
خاص دنيا الوطن - أحمد العشي
أسباب كثيرة تدفع الشباب الفلسطينيين، لاتخاذ قرار الهجرة من قطاع غزة، إلى مختلف البلدان الاوروبية، لتوفير العمل وقوتهم وقوت أبنائهم.

سلطات الاحتلال الاسرائيلي استغل الأوضاع الاقتصادية التي يعاني منها الشباب الفلسطيني في قطاع غزة، وشجعتهم على مغادرة القطاع، حيث وصل الامر بها إلى استعدادها لفتح مطارات النقب للتسهيل من هجرتهم.

"دنيا الوطن" رصدت ما جاء في الاعلام الاسرائيلي حول موضوع هجرة الشباب الفلسطيني في قطاع غزة، وردود أفعال الفصائل، والاسباب التي تدفعهم لاتخاذ قرار الهجرة، وخرجت بالتقرير التالي..

إعلام الاحتلال يشجع

نقلت صحيفة (يديعوت أحرونوت) الإسرائيلية عن مصدر سياسي لم تكشف عن اسمه، أن إسرائيل مستعدة لتشجيع السكان الفلسطينيين على مغادرة قطاع غزة، بل إنها مستعدة لترتيب حركة مغادرتهم، وفتح أحد مطارات النقب، وترتيب سفرهم للخارج في حالة وجود دول لاستيعابهم.

وأضافت الصحيفة: "وفقاً لذلك فإن هذه المسألة، طرحت عدة مرات في (كابينت) وبذلت محاولات مع بعض البلدان لإقناعهم باستيعاب الفلسطينيين لكنها لم تنجح".

كشف مسؤول إسرائيلي كبير، مساعي تل أبيب لتشجيع هجرة سكان غزة عبر تمويل رحلات هجرة طوعية، في محاولة منها للتخفيف من تهديد أزمات القطاع، وتجنب الانفجار السكاني الذي يمكن أن يشكل خطرا أمنيا واقتصاديا وسياسيا استراتيجيا عليها. 

بدورها، نقلت هيئة البث الإسرائيلي "مكان"، الثلاثاء، عمن أسمته مصدر سياسي كبير في حاشية رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو، أن إسرائيل سعت لتهجير سكان قطاع غزة من خلال فتح باب الهجرة الطوعية لهم.

وأضاف المصدر أن إسرائيل اقترحت على عدة دول استيعاب فلسطينيين يرغبون في الهجرة طوعا من غزة دون رجعة، لكن هذه المحاولات "لم تنجح".

وأشار أن إسرائيل مستعدة لتمويل رحلات الهجرة على أن تنطلق من مطارات سلاح الجو جنوب البلاد. 

أما صحيفة (يسرائيل هيوم)، فقد نقلت عن المصدر قوله إن ما تسمى "الهيئة للأمن القومي" في مكتب رئيس الحكومة عملت في السنة الأخيرة على السماح لغزيين بالهجرة (دون عودة) من قطاع غزة. وأكد المصدر بدء العمل بالخطة بمصادقة رئيس الحكومة، وعرضت عدة مرات في السنة الأخيرة خلال مداولات المجلس الوزاري المصغر.

وأضاف أن إسرائيل أبدت استعدادا لتمويل عملية الهجرة إلى دولة ثالثة في حال العثور على دولة توافق على استيعابهم؛ وجاء أن "الهيئة للأمن القومي" توجهت إلى دول في الشرق الأوسط، وفحصت ما إذا كانت ستوافق على استيع

من جانبه، أقر وزير الأمن الداخلي الإسرائيلي، غلعاد إردان، بأن الحكومة الإسرائيلية ناقشت تهجير سكان قطاع غزة من خلال تشجيعهم على المغادرة بواسطة رحلات جوية منظمة، مدعيًا أن "المجلس الوزاري المصغر (كابينت)، بحث هذه التفاصيل وناقش المقترحات، لكن النقاشات لم تشر إلى عملية (تهجير) على نطاق واسع".

وأضاف إردان: "إن المساهمة الإسرائيلية في تشجيع الهجرة قد تتم عبر تسهيل نقل الغزيين عبر معابر القطاع وتنظيم رحلات سفر والاتفاق مع دول توافق على استيعابهم"، نافيا أن يكون الأمر يقتصر على مجرد دردشات وأحاديث لأعضاء (كابينت). 

ماذا قالت الفصائل؟

علق عضو المكتب السياسي لحركة حماس، محمود الزهار، على قضية هجرة الشباب الفلسطيني، من قطاع غزة، إلى العالم الخارجي.

وقال الزهار لـ"دنيا الوطن": إن الشعب الفلسطيني يُهاجر منذ العام 1948، وهذه القضية ليست جديدة، لكن نتيجة الظروف الحالية وإغلاق الجامعات وفتح مجالات بدول أخرى كـ "تركيا"، وما يحدث الآن هو هجرة طبيعية، وكل الدول تُهاجر.

وأوضح الزهار، أن الإنسان الفلسطيني لا يُهاجر خوفًا من مواجهة الاحتلال، وانما تثبيتًا لأسرته على الأرض المحتلة، معتبر إعلان بعض وسائل الإعلام الإسرائيلية، بأن حكومة نتنياهو تُفكر بفتح مطاراتها لخروج أهالي قطاع غزة، بأنها خطوة تهدف إلى اصطياد المقاومين.


بدوره، أكد أحمد المدلل القيادي في حركة الجهاد الاسلامي، أن الوضع المأساوي الذي يعشه الشعب الفلسطيني، هو ناتج عن استمرار الاحتلال والحصار المطبق على قطاع غزة، كما أن استمرار الانقسام له تأثير على الوضع النفسي على الشباب الفلسطيني.

وقال: "إن استمرار الاحتلال والحصار والانقسام، أغلقت كل الآفاق أمام الشباب الفلسطيني الذين هم عماد المجتمع، فلا عمل لهم، ولا هم قادرون على تحرير شهاداتهم الجامعية، وغير قادرون على السفر بسبب إغلاق المعابر حتى يجدوا وظائف في الدول الخارجية".

وأضاف المدلل: "الاحتلال الاسرائيلي يريد تهجير العقول الفلسطينية والشباب الفلسطيني، لذلك يجب الا نعطي الاحتلال الفرصة، لأن يدفع الشباب للهجرة، وبالتالي يجب ان تكون هناك هجرة ممنهجة، بعد ان يكون هناك الوحدة الفلسطينية، لانها القادرة على وضع استراتيجية للشباب، ووضع اماكن معيشة لهم".

وفي السياق، شدد على ضرورة العمل على تهيئة الظروف المعيشية للشباب الفلسطيني لكي يبقون على أرضهم، لافتا إلى أن ذلك لا يأتي الا من خلال مصالحة فلسطينية على الأرض.

من جانبه، أكد أحمد الطناني، عضو اللجنة المركزية للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، أن الحصار المفروض على قطاع غزة، ينعكس على كل أوجه الحياة في قطاع غزة، والتي أدت الى تفاقم الاوضاع الاقتصادية وتراجع الامل لدى الشباب في القطاع.

وقال: "كما أن حالة الانقسام المستمرة بين حماس وفتح، لا توفر حياة عادلة لدى الشباب الفلسطيني الذين ينظرون أنه لا افق لهم سوى الانضمام لجيش البطالة، لان الانقسام يعطل كل مناحي الحياة، حتى من كان له وظيفة في الحكومة، فإن اليوم يتقاضى نصف راتب او اقل، وبالتالي ليس لديه القدرة على فتح مشاريع صغيرة".

وأضاف: "لا وجود لبارقة أمل في الذهاب الى مصالحة قريبة، او لإنهاء الحصار الذي يحاصر أبناءنا، والذي يمنع لإقامة المشاريع او مصانع كبيرة تستوعب العدد الكبير من جيوش البطالة في قطاع غزة، بالاضافة الى الدعاية المحرضة التي يطلقها الاحتلال، والتي تدعو الى تسهيل هجرة الشباب من قطاع غزة، في مخطط لإعادة مشروع (الترانسفير)".

وأشار الطناني، إلى أن هذه الاسباب تستدعي من الحركات الوطنية، للوقوف امام المسؤوليات، وقرع جدران الخزان، لمعالجة هذه الحالة، ووضع آليات وطنية تضع الجميع امام مسؤولياته، بأن الشباب الفلسطينيين لن ينتظروا طويلا لحل القضية الانسانية التي تتفاقم بغزة، مطالبا طرفي الانقسا بتغليب المصلحة الوطنية العليا، ومصلحة الالاف من الشباب، والتركيز على القضية الوطنية الفلسطينية، وتوفير الحياة الكريمة.

من جانبه، أكد وليد العوض عضو المكتب السياسي لحزب الشعب الفلسطيني، أن هجرة الشباب الفلسطيني من قطاع، موضوع معقد، ويندرج في إطار الحالة الصعبة التي يعيشها الشعب الفلسطيني في غزة بشكل عام، وما تتعرض له فئة الشباب بشكل خاص، لافتا إلى أن هناك الالاف من الطلبة الذين تركوا مقاعد الدراسة، ولم يجدوا فرصة عمل.

وقال العوض: "هناك المئات من الشباب عاطلين عن العمل، وبالتالي يمكن رد الاسباب المباشرة للهجرة، هي تردي الاوضاع الاقتصادية في قطاع غزة، والتي ضحيتها بشكل أساسي هم الشباب الذين لم يجدوا أي فرصة أمامهم، بالاضافة الى الاوضاع السياسية وما خلفها الانقسام من انتهاكات متعددة، ومست الحياة الديمقراطية".

وأضاف: "كل التحركات الشبابية التي حدثت خلال السنوات الماضية، جوبهت بالقمع الشديد، وتعرض الشباب للاعتقال غير القانوني والاهانة في الكثير من الاحيان، وبالتالي إن الكثير ممن هاجروا فان معظمهم من هذه الفئة التي حاولت ان تتحرك من اجل تغيير الوضع القائم في قطاع غزة باتجاه الوحدة وانهاء الانقسام".

وبين أن من الاسباب، يتمثل في حالة الحصار والعدوان المتواصل على الشعب الفلسطيني في القطاع، من قبل الاحتلال الاسرائيلي، بالاضافة الى حملة دعاية مكثفة حول ما ينتظره الشباب بشكل مزيف بتوفير حياة كريمة ورغد العيش في البلدان التي يذهبون اليها.

وفي السياق، أشار العوض إلى أن المعالجة لهذه الظاهرة، تتطلب الخروج من حالة الانقسام واستعادة الوحدة الوطنية، وتوفير الحياة الديمقراطية للناس، وتوفير فرص العمل للشباب الفلسطيني، وفتح طاقة امل امامهم، معتبرا أن كل ما يتم طرحه لا يمكن تحقيقه الا في سياق الوحدة الوطنية.

عصام أبو دقة، عضو اللجنة المركزية للجبهة الديقراطية لتحرير فلسطين، أوضح أن هجرة الشباب القسرية، بسبب الاوضاع المأساوية التي يعيشونها في قطاع غزة، فيما يتعلق باستمرار الحصار والانقسام، وغياب الافق لمعالجات جذرية لتخفيف من حدة البطالة، ولغياب الحريات العامة والديمقراطية، وحالة القمع التي يعيشها الشباب، بالاضافة الى غياب المشاريع الاقتصادية والتنموية التي تعزز من صمودهم.

وقال أبو دقة: "إن المعالجة الحقيقية لكل قضايا الشعب الفلسطيني، هو انهاء الانقسام واسعادة الوحدة، لنكون أمام حكومة وحدة وطنية، تعمل على تحمل مسؤولياتها في شطري الوطن، ومعالجة كل الملفات التي يحتاجها الشباب لتحقيق آمالهم وطموحاتهم، وتوفير فرص العمل، وإشراكهم في الحياة السياسية، من خلال اطلاق حملة انتخابية عامة، وصولا الى المجلس الوطني والتشريعي والرئاسي".

وأضاف: "امام غياب السياسية القمعية، ومعالجة طموحات الشباب، والعملية الديمقراطية، والاقتصاد واستمرار حالة البطالة، فأعتقد ان الشباب أصبحوا مجبورين على البحث عن الامن والامان".

وبين أبو دقة، أن ذلك يضع الحكومة الفلسطينية الرسمية، والتي في قطاع غزة بتحمل مسؤولياتهم، لتعزيز صمود أبناء الشعب الفلسطيني، وإعادة النظر في الموازنة العامة لانشاء مشاريع تنموية لاستيعاب الشباب، وفتح فرص عمل لهم، رغم ان الجميع يدرك أن الاحتلال هو المسؤول الاول والاخير على كل الام الشعب الفسطيني.

الهجرة اقتصاديا

المختص في الشأن الاقتصادي، أمين ابو عيشة، أوضح بدوره، أنه الهجرات التي تحدث في غالبيتها هي هجرات اقتصادية، لافتا إلى أنه في الآونة الأخيرة، نتيجة لسوء الاوضاع الاقتصادية والمعيشية، والازمات التي يتعرض لها قطاع غزة، بالاضافة الى ازمة الرواتب، وقلة الدخل.

وقال أبو عيشة: "بسبب الاوضاع الاقتصادية الصعبة، فإن الشباب يرون أن الهجرة والاوضاع في الخارج أفضل بكثير، وأنها تشكل عامل دافئ للشباب والكفاءات العلمية"، مضيفا: "من الاسباب التي تدفع الشباب للهجرة، الاسباب السياسية، المتمثلة في انعدام العملية الديمقراطية".

وشدد أبو عيشة على ضرورة العمل وتظافر الجهود للحد من هجرة الشباب، مؤكدا أنه يجب علاج المشكلة من خلال ايجاد الرفاهية في العيش، منوها إلى أن ذلك كله لا يأتي الا من خلال انهاء الانقسام بالدرجة الاساسية، والتركيز على الهم الاقتصادي والتخفيف من معدلات البطالة.

وأشار المحلل الاقتصادي، إلى أن الشباب الفلسطيني، توصلوا الى قناعة بأن الحكم في قطاع غزة لن يوجد لهم الحياة الكريمة وبناء الحياة الأسرة، وبالتالي هم رافضون لهذا الواقع، وسنتهي به المطاف الى أنه سيواجه هذا النظام.

التعليقات