غزة تحت الحصار والفقر والبطالة

غزة تحت الحصار والفقر والبطالة
غزة تحت الحصار والفقر والبطالة

بقلم : د. علي الأعور*

بعد رحلة عذاب من معبر قلنديا الى معبر بيت حانون " ايرز"  الى مدينتي دير البلح في وسط قطاع غزة  حيث جذوري التاريخية المرتبطة بجذور أشجار النخيل فيها وعائلتي ،  تمكنت من الحصول على التصريح اللازم من الجهات الإسرائيلية المختصة لزيارة اخي المريض في حالة سيئة جدا وقد يفارق الحياة في كل لحظة وكنت قد اخبرت اهلي والأصدقاء بوصولي في ذلك اليوم الى دير البلح ، ولحظة وصولي الى بيتي واذا بسيدة  تزيد على الخمسين عاما من عمرها تجلس على كرسي متحرك للمعاقين يقودها زوجها تطرق الباب وفتحت لها الباب ومنحتها كوبا من الماء واذا بها تجهش في البكاء وبعد 10 دقائق تمكنت من تهدئتها لكي اعرف سبب بكائها فقالت واسترسلت في الحديث"  قطعوا راتب ابني الشهيد الذي استشهد في قصف إسرائيلي على منزلي في حرب 2014 على دير البلح ولا املك ثمن الدواء ولا املك ثمن رغيف الخبز ولا اجرة السيارة التي نقلتني شفقة وصدقة الى منزلك" فأجبتها على الفور " انا موظف مدني في السلطة الوطنية الفلسطينية ولا علاقة لي بتلك الملفات وحضرت لزيارة اخي المريض فقط " وسلمتني كتاب من تنظيم حركة فتح في منطقة دير البلح بانها مع القيادة الشرعية الفلسطينية برئاسة الرئيس أبو مازن"

وهنا يبرز السؤال المركزي:

من الذي ارسل تقريرا يتعلق بهذه السيدة المعاقة حركيا وهي ام شهيد بوقف راتب ابنها الشهيد؟ وفي نفس الوقت ارسل تنظيم فتح توصية بإعادة صرف راتب ابنها الشهيد كونها مع الشرعية والرئيس أبو مازن. أي تناقض هذا؟ اما ان الأوان للتدقيق في التقارير التي تصل من غزة بوقف رواتب عائلات الشهداء لاسباب مختلفة ؟ ومن هذا المنبر الحر فانني أتوجه الى الرئيس أبو مازن بمساعدة عائلات الشهداء التي تم وقف راتب ابنائها لأنه هو  من صرح وندعم موقفه وتصريحه " ان رواتب الاسرى وعائلات الشهداء مقدسة"

اما رحلتي من معبر بيت حانون الى دير البلح فكانت المفاجأة وكانت المأساة الكبرى .. الشوارع فارغة من السيارات وفارغة من الناس ذلك الشارع الذي  يقطع قطاع غزة من بين حانون وصولا الى حدود  رفح وجمهورية مصر العربية في الجنوب كان يمثل عصب الحياة الاقتصادية لقطاع غزة ، ورش الصناعة ومحلات مواد البناء ومحطات البنزين والسولار ومحلات المواد الغذائية.. اين ذهبت ؟ وأين اختفت تلك التجارة والاقتصاد والحياة الاجتماعية بين الناس والحلقات في الشارع التي كانت تجمع الناس لتبادل الحديث والابتسامات بين الاحبة والأصدقاء ؟  و اين اختفت صفقات البيع والشراء بين التجار ؟ اختفت وكان بحر غزة قد ابتلعها.. ووصلت الى منطقة الشجاعية وهي مفترق طرق الى كل مناطق قطاع غزة .. الحزن والاسى في عيون الناس .. المتسولون يملؤون الشوارع والشباب يجلسون في تلك الحديقة التي تتوسطها أشجار النخيل ويصطفون على جوانبها بدون عمل ، وسألت احد الشباب الجالسين لماذا انت هنا؟ فاجابني : " ما في شغل" وأضاف اكثر من مائة الف خريج جامعي عاطل عن العمل"

  وبعد ان اجتمعت العائلة وجلست الى جانب اخي المريض وحل الظلام فطلبت من أولاد اخي المريض اشعال الكهرباء فقالوا لي " الكهرباء مقطوعة وبرنامج إعادة  الكهرباء في دير البلح في تمام الساعة السادسة صباحا  فكانت الصاعقة الكبرى ، حيث اعمل محررا صحفيا في الاعلام وانا بحاجة الى الكهرباء وشبكة الانترنت ولكن بدون جدوى .. فقلت لنفسي " يجب ان أعيش حياة اهل غزة ويجب ان امارس عملي الساعة السادسة صباحا وانت بعيد عن العالم وكانك تعيش في عالم اخر.

وهنا لا بد من السؤال الأهم : من يتحمل المسؤولية التاريخية والأخلاقية والسياسية والقانونية  لكل ما يحدث في قطاع غزة من فقر مدقع وحصار حاقد وبطالة لا حدود لها؟؟؟؟

إسرائيل .. الاحتلال الإسرائيلي .. الحكومة الإسرائيلية تتحكم في كل منافذ قطاع غزة .. الحكومة الإسرائيلية تسمح وتمنع وفقا لاستراتيجيتها السياسية والأمنية  بفتح المعابر لادخال الغاز وتوليد الطاقة.. الحكومة الإسرائيلية تسمح وتمنع دخول مواد البناء .. وتسمح وتمنع دخول المواد الغذائية ؟  حصار فرضته الحكومة الإسرائيلية على حركة حماس بعد فوزها في انتخابات 2006 وإسرائيل تعلم ان الحصار على شعب واهل غزة،  اما القيادات فلا تتأثر بالحصار . ما هي فلسفة نتنياهو في فرض الحصار على غزة ؟ تجويع اهل غزة .. عقاب جماعي لأهل غزة.. مزيدا من الفقر ومزيدا من البطالة يخلق الثورة والحقد والكراهية ويوفر ارض خصبة للأفكار المتطرفة أيديولوجيا في تنظيم وكسب مزيدا من الأعضاء للترويج الى فكر تدمير إسرائيل ورفض العملية السياسية للتوصل الى حل سلمي ينهي الصراع الفلسطيني الإسرائيلي الذي طال اكثر من سبعين عاما. وهنا أوجه سؤالا الى الحكومة الإسرائيلية : اين تذهب حقائب ملايين الدولارات القطرية؟ كيف يتم توزيع ملايين الدولارات القطرية؟ من الذي تصله المائة دولار التي لا تكفي لشراء ملابس المدرسة او تعبئة انبوبة غاز او شراء الادوية ؟ كفى حصار وكفي تجويع وكفي عقاب جماعي لأهل غزة ، وعلى إسرائيل ان تعيد حساباتها وتعيد النظر في سياستها وفك الحصار وفتح المعابر وإدخال كل ما يحتاجه المواطن في قطاع غزة من اجل إعادة بناء قطاع غزة وفتح سوق العمل ومنح الشباب فرصة حقيقية للعمل في البناء والتطوير والتنمية ومنح اهل غزة حياة كريمة تليق بهم مثل بقية شعوب الأرض.

اما حركة حماس  فهي تتحمل المسؤولية  فيما حل بقطاع غزة من الفقر والبطالة  والجوع وعليها تغيير سياستها تجاه اهل غزة وإعادة التنسيق والحوار مع حركة فتح على أرضية " فلسطين أولا" الشعب الفلسطيني أولا " والتخلي عن سياسة الحزبية ومنح الحرية في التعبير وممارسة الديموقراطية لأهل غزة في التعبير عن رايهم بحرية تامة .

واما السلطة الفلسطينية فعليها ان تمنح الأولوية الى قطاع غزة لان غزة جزء لا يتجزأ من الوطن الام فلسطين  ولان غزة تمثل الرقم الصعب في معادلة الشرق الأوسط وفي الصراع الفلسطيني الإسرائيلي.

انني اعتقد ان المرحلة التي يمر بها الشعب الفلسطيني هي مرحلة حاسمة وتاريخية وتستوجب انهاء الانقسام . إسرائيل تحتجز أموال المقاصة والضرائب التي تجبيها من الفلسطينيين وهي أموال فلسطينية وهناك أصوات واضحة من الحكومة الإسرائيلية ترفض حل الدولتين .  والأنظمة العربية اخذت اصواتها ترتفع وتطالب بتوفير الامن لدولة إسرائيل .. واصوات أخرى تقول ان إسرائيل دولة من دول المنطقة واحدى دول منظومة الشرق الأوسط .. وانظمة عربية تستقبل نتنياهو في عواصمها وكأنه لا يوجد احتلال ولا توجد مستوطنات ولا يوجد هدم للبيوت والمنازل ، الأنظمة العربية أصبحت لا تعرف ان هناك احتلال لفلسطين واحتلال للقدس الشرقية واحتلال للضفة الغربية وقطاع غزة  . فلا يوجد رهان سوى الشعب الفلسطيني  وإرادة الشعب الفلسطيني وايمانه بعدالة قضيته ورغبته في انهاء الاحتلال وبناء دولة فلسطينية ديموقراطية .. دولة مؤسسات وقانون وهذا لن يتم الا بإنهاء الانقسام الفلسطيني .

وأخيرا .. الى جميع فصائل منظمة التحرير الفلسطينية وحركة حماس  " ارحموا عزيز قوم ذل " الانتخابات وصناديق الاقتراع هي الفيصل بين الجميع لإنهاء الانقسام.

*عضو منتدى التفكير الإقليمي

التعليقات