"حماس" وسؤال دخول المنظمة

"حماس" وسؤال دخول المنظمة
«حماس» وسؤال دخول المنظمة

مهند عبد الحميد

2019-08-06

جميع القوى الفلسطينية رفضت سياسياً صفقة القرن التي تقدمها إدارة ترامب كحل للصراع الفلسطيني الإسرائيلي من وجهة نظر معسكر اليمين الديني القومي الإسرائيلي المتطرف. الرفض السياسي ليس من طبيعة واحدة. هناك رفض سياسي للصفقة في الوقت الذي يتم فيه التعاطي مع بعض أخطر مخرجاتها، كتكريس كيان في قطاع غزة منفصل عن الضفة في إطار سياسة تفكيك المكونات الفلسطينية والمتهم الرئيسي في هذا المُخرَج الماضي بالتشكل هو حركة حماس. وهناك رفض سياسي (قيادة المنظمة والسلطة ) يحاول ان يرتقي بموقفه عبر التوجه لوقف العمل بالاتفاقات المبرمة مع إسرائيل. وهنا ثمة فرق بين وقف العمل بالاتفاقات بهدف ممارسة ضغط ضد الحكومة الإسرائيلية وإدارة ترامب. وبين وقف العمل كجزء من سياسة الخروج من مسار أوسلو والدخول في مسار جديد ومستقل، والذي يتطلب بناء مقومات صمود وتغيير أساسي في البنية والإدارة والأولويات الفلسطينية.

وجود موقف سياسي واحد من مشروع تصفية القضية الفلسطينية يشكل نقطة التقاء في غاية الأهمية لبناء استراتيجية صمود فلسطينية تستند الى الحد الأدنى من الوحدة الوطنية. وهذا يطرح دور الفئات والعناصر والقوى الأكثر انسجاماً في معارضة الصفقة، فالموقف الفلسطيني الفاعل والمؤثر يكون بمشاركة قطاعات واسعة من الشعب الفلسطيني في مقاومة الصفقة وتطبيقاتها الاستباقية واللاحقة. بناء وتفعيل المقاومة والاحتجاج الشعبي الفلسطيني يشكل الضمانة الكبيرة لاضفاء التماسك والانسجام على الموقف الفلسطيني ولمنع التقاطعات مع الصفقة القائمة والمحتملة.

في كل المراحل كان الشعب الفلسطيني بحاجة للوحدة الوطنية، لكنه اليوم بحاجة للوحدة أكثر من أي وقت مضى. وإذا كانت الوحدة تلتقي مع مصالح السواد الاعظم من الشعب، سابقاً والآن، لكن قوى سياسية وشرائح من طبقات اجتماعية وفعاليات اقتصادية قد تنحاز الى مصالحها الضيقة دون اكتراث بمصالح السواد الأعظم. وعندما نكون إزاء تفكك سياسي، فمن الطبيعي ان ننظر الى التعارض والتناقض بين المصلحة المشتركة العامة والمصلحة الخاصة، والى دور الأيديولوجيا وشبكة العلاقات الداخلية والخارجية في قطع الطريق على الوحدة. ومن المفيد محاولة التعرف على الأسباب المعلنة وغير المعلنة التي تفعل فعلها في زيادة التفكك، من اجل تجاوزها. 

الإشكالية الكبيرة التي واجهت الحركة الوطنية تاريخياً هي العمل المشترك مع قوى الإسلام السياسي، التي لم تدخل في إطار المنظمة كجبهة متحدة ضمت معظم أطياف اللون السياسي معظم الفترة الزمنية، وبقيت قوى الإسلام السياسي تعمل بشكل مواز بأجندة غلبت العمل على تغيير المجتمع والتمكن من السيطرة عليه، على التحرر الوطني وتقرير المصير السياسي، ورغم ان النتيجة كانت في غير مصلحة الإسلام السياسي. لم يحدث تبديل او تغيير من طرفه، في الوقت الذي كان الاتجاه الوطني المركزي يفتح له ابواب المنظمة دون استجابة تذكر. وعندما اتخذت حركة حماس قراراً بالمشاركة في انتخابات المجلس التشريعي وفازت بأكثرية المقاعد، قبلت بالشراكة ولم تأخذ بالاعتبار ان السلطة المقيدة باتفاق أوسلو هي جزء من المنظمة المعرفة بالممثل الشرعي الوحيد ومرجعيتها السياسية والنظامية. ولم تقترن المشاركة بالسلطة المشاركة بالمنظمة. فكان من الأهم  دخول حركة حماس في المنظمة وفقاً للوائحها بالتزامن مع  دخول المجلس التشريعي والحكومة. الموقف من المنظمة والانضواء في مؤسساتها هو كعب أخيل الإسلام السياسي وحركة حماس على وجه الخصوص، وما لم تحل قضية المشاركة في التمثيل والمشاركة في مصدر القرار فإن الافتراق سيبقى ويتكرس. المشكلة تتلخص في وضع قوى الإسلام السياسي شروطا مسبقة للدخول في المنظمة، في الوقت الذي يحتاج تحقيق الشروط الى نضال ديمقراطي مشترك قد يطول او يقصر بحسب الاستجابات وموازين القوى الداخلية. وفي الوقت الذي قدمت فيه حركة حماس نموذجاً متناقضاً مع الديمقراطية بحسم سيطرتها بالقوة وفرض سلطة قمعية. فلا يعقل ان تطالب «حماس» بالديمقراطية وهي تمارس التفرد والقمع، ولا يعقل ان يعترف العالم بالمنظمة كممثل شرعي وحيد ولا تعترف قوى الإسلام السياسي بها إلا بشروط قد تؤدي الى فرط الاعتراف العالمي والعربي بالمنظمة وبدولة فلسطين العضو المراقب في الأمم المتحدة. لقد تشكل ممثل الشعب الفلسطيني (منظمة التحرير) في سياق تاريخي لا يمكن القطع معه وفقاً لأيديولوجيا دينية. لم يكن ميثاق المنظمة حصيلة تفاهمات فلسطينية معزولة عن أبعادها العربية والعالمية وعن منظومة القوانين والمعاهدات الدولية. الميثاق يتيح التعدد ويسمح لأي تنظيم سياسي اعتماد برنامجه الخاص والدعاية له، وفي نفس الوقت المشاركة في البرنامج المشترك الذي يسمح بعضوية المجتمع الدولي وبدعم الشعوب والقوى المؤيدة لحق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره. هذه القضية مطلوب من قوى الإسلام السياسي تقديم إجابات حولها. وثمة استحقاقات أُخرى كأولوية الانتماء للوطنية الفلسطينية وتغليبها على المرجعيات الأخرى. فبحسب الوثيقة الأخيرة تعرف حركة حماس نفسها بأنها حركة تحرر فلسطيني، وتقطع  مع حركة الإخوان المسلمين. اذا لم يأت هذا الموقف لاعتبارات براغماتية وتكتيكية، فإنه يساعد في انتقال «حماس» من مرجعية الإخوان المسلمين الى مرجعية المجلس الوطني الفلسطيني. 

حركة حماس وقوى الإسلام السياسي مطالبة بالإجابة على سؤال المنظمة وموقعها ودورها فيها، وما هو الممكن وغير الممكن في الشراكة. أصبح العمل الموازي نقطة ضعف الشرعية الفلسطينية، ولا يمكن ان يبقى مفتوحاً الى ما لا نهاية، واصبح العمل الموازي يعرض القوى التي تمارسه الى الاستهداف والتعامل معها كجزء من الإرهاب الدولي، او استخدامها في خدمة أجندات متعارضة إقليمياً. لا يمكن لحركة حماس انتظار تفسخ الشرعية الفلسطينية ومؤسساتها، وما قد يترتب عليه من انتقال الإسلام السياسي الى السيطرة ولكن على الأنقاض. واذا كان اعتقاد «حماس» بنقل السيطرة ممكناً إبان صعود الإسلام السياسي وتبوئه الحكم في مصر وتونس وليبيا واليمن واستيلائه على المعارضة في سورية، فإن هذه الإمكانية تلاشت بعد هزيمة الإخوان المسلمين وتراجعهم في معظم البلدان، وبعد تقديم نموذج الدولة الإسلامية المرعب لشعوب ودول العالم (داعش والنصرة وجيش الإسلام ومن لف لفها). لقد اصبح خيار الإسلام السياسي مأزوماً ومتعذراً. المرحلة الآن هي مرحلة التشارك على أسس وطنية وديمقراطية. بقي القول إن إشراك الإسلام السياسي لا يخص استجابة قواه وحدها، هناك مواقف الشركاء التي تحتاج إلى إعادة نظر. 

[email protected]   

التعليقات