ضمن مهرجان "شاشات الـ11 لسينما المرأة " "صبايا كليمنجارو" من جدار الفصل إلى القمة

ضمن مهرجان "شاشات الـ11 لسينما المرأة " "صبايا كليمنجارو" من جدار الفصل إلى القمة
رام الله - دنيا الوطن
قدمت المخرجة ميساء الشاعر فكرة خارجة عن المألوف حين شاركت في مشروع مؤسسة "شاشات" "يلا نشوف فيلم"، وذلك عبر حكاية فيلمها "صبايا كليمنجارو" فقد كانت لا تنظر على الإطلاق إلى أي قضية محلية، بل تطلعت إلى خارج حدود فلسطين وخارج حدود الدول العربية، وتحديداً إلى قمة جبال كليمنجارو، حين قدمت فكرة فيلم عن رحلة صعود ثلاث فتيات فلسطينيات إلى قمة جبل كليمنجارو في تنزانيا.

وقامت المخرجة الشابة بكتابة سيناريو الفيلم مع أروى صلاح، إحدى صبايا كليمنجارو الثلاثة، التي تروي بصوتها قصة رحلتها متجاوزة جدار الفصل الشاهق الذي يخنق منطقة الرام جغرافياً واقتصادياً حيث تعيش.

يبدأ الفيلم بمشاهد تمثيلية مفترضة قبل الرحلة، يتناول خلالها حيرة الصديقتين أروى وآلاء في كيفية تجاوز الحدود العائلية والجغرافية وعوائق السفروالحصول على الفيزا للخروج من الضفة الغربية خلال جلسات نقاش تمتاز بالتلقائية والسلاسة، وأحيانا هزلية خاصة حين تتحدثان عن جمع المال المناسب للسفر.

ويتضمن الفيلم رسائل كثيرة دون أن يبوح بها كشعارات، فهو يتحدث عن استقلالية قرار الفتاة في فلسطين، وبحثها عن المغامرة، وتحدّيها للسياسة والحدود والمجتمع، وبالفعل تسافر كلَ من آلاء وأروى وتنضم إليهما لاحقاً صديقة ثالثة عُلا، إلى تنزانيا.

تصل الصديقات إلى جبل كليمنجارو عقب السفر عن طريق الأردن إلى تنزانيا، وهناك يتجهن إلى الجبل حيث يلتقين بفريق مكّون من المرشدين والحمالين التنزانيين، وبعض المشاركين من محبي الرحلات من الأردن.

وتبدأ رحلة الصعود التي تستمر خمسة أيام، فيجدن أنفسهن أمام تفاصيل يومية صعبة ومليئة بالتحديات والمخاطر، وعند الاقتراب من القمة، تهب عاصفة ثلجية، ليبدأ الصراع؛ فهل يكملن الطريق أم يعدن؟، ويكتشفن مع هذه المصاعب والتحديات الكثير من جمال الطبيعة وقسوتها، كما يتعرفن إلى صفات جديدة داخل ذواتهن، فالاستكشاف خلال هذه الرحلة كان داخلياً وخارجياً.

تصنع المخرجة فيلمها بتورط كامل في التفاصيل الإنسانية منذ التخطيط للرحلة إلى التعب ثم الوقوع بحب الطبيعة، ومشاركة الإنجاز مع بقية الرحالة، وأحياناً اليأس من تبعات هذه المغامرة، ما يجعل الفيلم حميماً وقريباً من المُشاهد.

تقول الشاعر عن فيلمها "تم تصوير الرحلة قبل اختيار الفكرة وتحويلها إلى فيلم، وكنت تواصلت مع المتسلقات، واستمعت إلى القصة منهن، وبعد اطلاعي على الأرشيف الذي صوره الرحالة الفلسطيني معتصم عليوي للرحلة، وجدته جميلا، وكنت قد تقدمت إلى مسابقة "أنا فلسطينية" وتم تطوير الفكرة، وبالفعل جاءت الموافقة، وحصلنا على الأرشيف، وصورنا مشاهد تمثيلية حول التحضير للسفر وكيف بدأت القصة، وحتى الوصول إلى الجسر، وقمت بترتيب الأرشيف واختيار الأفضل منه ليأتي هذا الفيلم كما تخيلته تماماً حيث عملت على المونتاج مع مديرة المشروع والمنتجة علياء ارصغلي والمونتيرة ربى عواد."

وللمصادفة فإن الفتيات المُغامرات محجبات، ما يجعلك تشعر بكون هؤلاء الفتيات كسرن الصورة النمطية عن الفتاة المحجبة، ويشجع أي فتاة أن تفعل مثلهن يوما ما، وقد يدفع أي رجل بشقيقته أو ابنته لخوض الرحلات والمغامرات، إلا أن الفيلم في ذات الوقت لا يمكن تحميله أكثر مما يحتمل، فهو لا يناقش أجندة فكرية بعينها أو يطرح أي ايدولوجيا بل على العكس فإن قصته تدل على بساطته وأنه ابن بيئته، وتتحدث عن فتيات عاديات مقبلات على الحرية والاستقلالية بحماسة.

هذه الحرية تشبه كثيراً حرية الكاميرا التي تابعتهن في صعودهن ونزولهن وتعبهن وعطشهن وفي البرد وتحت الشمس النهارية، ودون أن يتجاوز ما يقدمه الفيلم من مَشاهد حدود الدقائق المسموح بها كفيلم قصير، بل يعرض أقصى ما يستطيع بأقل وقت.

وتتابع حول صناعة الفيلم أن تجربة صنع فيلم من أرشيف لها صعوبتها وسهولتها أيضاً؛ فالجزء الأصعب أن هناك مادة كبيرة جدا وجميلة ويجب اختصارها كثيرا والتخلي عن بعض اللقطات الجميلة، ولهذا أخذ المونتاج وقت طويل، لافتة بقولها " اعتقد أنني اختصرت لقطات ومشاهد جميلة ولكن القصة تستطيع أن تصل للمشاهد بدونه في ذات الوقت، فلم أكن أريده أن يكون ترفيهياً أو سياحياً"، واصفة فيلمها بأنه عاطفي وحالم، مليء بالمشاعر والمغامرات النفسية إذ يؤكد على أهمية تحقيق الغايات والأهداف.

وهذا الفيلم واحد من عشرة أفلام من إخراج مخرجات فلسطينيات شابات من الضفة الغربية، القدس وقطاع غزة، قامت مؤسسة "شاشات سينما المرأة" بإنتاجها والإشراف عليها، وتوفير الإمكانيات اللازمة لنجاحها، وسيتم إطلاقها في "مهرجان شاشات الحادي عشر لسينما المرأة" الذي يحمل عنوان "أنا َفلسطينية". وتشكل أفلام "أنا فلسطينية" جزء من مشروع "يلاّ نشوف فيلم!" الذي تنفذه المؤسسة، وهو مشروع ثقافي-مجتمعي ممتد على ثلاث سنوات بتمويل رئيسي من الاتحاد الأوروبي وتمويل مساعد من مؤسسة CFD السويسرية وممثلية جمهورية بولندا في فلسطين.

وعن علاقة الفيلم بثيمة المشروع "أنا فلسطينية" تقول الشاعر "من المهم إظهار أن الفتاة الفلسطينية تتميز بقوتها وإصرارها وإرادتها، وهنا جاءت الصبايا الثلاث ليخضن هذه المغامرة الصعبة بكل إصرار، وتحدّين المجتمع والحدود والاحتلال وقيود الفيزا والسفر، ليحققن هذا الحلم".

وإذا كان الفيلم بدأ من الحدود التي يفرضها جدار الفصل العنصري، ومشاكل تقييد الحركة وحق الحصول على الفيزا للجواز الفلسطيني، إلا أنه انتهى عند لحظة الحرية واللاحدود على واحدة من أِشهر قمم العالم ليصبحن "صبايا كليمنجارو" وهو ما اختارته المخرجة الشابة ليكون اسم الفيلم!.

التعليقات