أفلام نسوية شابة خلال 14 عاماً من اهتمام "شاشات" بالسينما

أفلام نسوية شابة خلال 14 عاماً من اهتمام "شاشات" بالسينما
رام الله - دنيا الوطن
في فلسطين هناك العديد من مشاريع المجتمع المدني التي تهتم بالديمقراطية ووسائل التواصل الاجتماعي، لكن نادرة هي المشاريع التي تعني بالسينما أو تقوم بإنتاج أفلام، إلا أن مؤسسة "شاشات" لسينما المرأة لم تيأس من هذا الشح في المشاريع التي تدعم الإنتاج البصري، بل على العكس كانت تنظم الأنشطة التي تعنى بالسينما بصورة دائمة حتى لو لم يكن هذا الدعم الدولي متوفراً للسينما، وسينما المرأة بالذات، فلم تنقطع هذه الأنشطة يوماً كإنتاج الأفلام ونقاشها، وتنظيم العروض السينمائية، وتوفير مكتبات الأفلام.

المخرجة والمنتجة د.علياء أرصغلي والتي أسست "شاشات سينما المرأة" قبل أربعة عشر عاماً كان لديها حلم كبير أن تعطي كل فتاة تتمنى أن تصبح مخرجة بأي مكان في فلسطين فرصة، وأن تكون أفلامها مرئية من جمهور فلسطيني يشمل كل قطاعات المجتمع وليس فقط النخبة، وقد حققت جزء كبير مما حلمت به، فقد استطاعت المؤسسة أن تكون الحاضنة لعشرات المخرجات اللواتي صنعن أفلامهن للمرة الأولى أو فيلمهن الثاني الذي أطلقهن إلى فضاء المهرجانات والمنح الدراسية والعمل في مجال تخصصهن، وامتلأت مكتبة الأفلام في مقر المؤسسة بمدينة رام الله، بأفلام لمخرجات من غزة والضفة الغربية والقدس.

حرية الإبداع

وقد حافظت "شاشات" على حرية صانعة الفيلم في اختيار فيلمها وقصته بل أكدت على أهمية لحظة الإبداع، وعملت ضمن خطط وبرامج ومبادئ بعيدا عن وصاية المنظمات والبرامج السياسية والوطنية.

وكانت د. أرصغلي، الحاصلة على دكتوراه في علم اجتماع الثقافة، تخصص سينما وسينما المرأة، طوال سنوات من عمر المؤسسة تؤكد دوماً على ذات المخرجة المتحققة في الفيلم طريقاً للوصول إلى المتلقي، ولم تقع في فخ إرضاء الممول والذي طال حتى المسرح والفن التشكيلي وحوله إلى فن بحسب الطلب، وفرغه من لحظة الإبداع والإلهام الحقيقية للفنان، بل حرصت المؤسسة على استقلالية المخرجة.

ومن النادر أن تجد المخرجة الفلسطينية التي تصنع فيلمها فرصة أن تقدم رؤيتها الكاملة المستقلة للفيلم منذ اختيار الفكرة، وكتابتها أو طريقة العمل عليها وتصويرها، وكذلك في الرسالة التي تريد توجيهها، إلا أن "شاشات" فعلت ذلك، بل حاربت كي تستقل المخرجة وتمتلك لحظة الإلهام والإبداع وحدها، لتقدم لها المؤسسة التدريب والدعم الفني والنصيحة والإشراف الإبداعي.

د. أرصغلي تعتبر من الجيل الأكبر سنا، الذي عمل بشكل حر، وبقي مؤمناً برؤيته، كما صنعت سينما بعيدة عن الاشتراطات والأجندات بل ونقلت خبرتها إلى الجيل الشاب عبر خطط إنتاج وتدريب متخصصة، وخطة إستراتجية في تطوير صناعة الأفلام.

تقول المخرجة أفنان القطراوي التي أنتجت مع المؤسسة فيلم "الكوفية" خلال العام الحالي:

"شاشات كانت تعطينا مساحة عالية للنقاش وتبادل الآراء، وكانت د. علياء على الدوام تؤكد أننا أصحاب القرار في سير الفيلم، وما هو جيد أن شاشات كانت تعرف كيف تريد لأفلامها أن تكون في شكلها النهائي، ولم يتم إملاء شيء علينا سواء خلال الكتابة أو إخراج الفكرة، بل اكتفت بمتابعة التفاصيل، والتأكد من حضور روح المشروع التي تركز على هوية الفلسطينية وعدم التشتت بالفكرة خلال كتابة وصناعة الفيلم أيضا".
مشروع "يلا نشوف فيلم"

وفيلم " الكوفية" للمخرجة الشابة أفنان سيعرض مع عشرة أفلام أخرى تم إنتاجها هذا العام ضمن مشروع "يلا نشوف فيلم" الذي يستمر ثلاثة أعوام، خلال مهرجان شاشات الحادي عشر لسينما المرأة الذي يحمل عنوان "أنا فلسطينية"، وسينطلق خلال الأسبوع الجاري.

والأفلام من صناعة مُخرجات فلسطينيات شابات من الضفة الغربية، القدس وقطاع غزة، وقد أشرفت "شاشات" على هذه الأفلام ووفرت الإمكانيات اللازمة لنجاحها، والنصيحة والاستشارة الفنية والسينمائية.

وتبحث هذه الأفلام في البعد الذاتي للانتماء والهوية، كما تركز على تعبيرات متشعبة عن حَيَوات المرأة الفلسطينية المتعددة التي تعطي عمقاً إبداعياً وذاتياً لتصورات سينمائية حول العلاقة مع الأشخاص، الأشياء، المشاعر، الأماكن، الحكايات والعلاقات.

وتسلط الأفلام الضوء على إعطاء عمق شخصي لكيفية تعزيز المواطنة بأبعادها المكانية والزمانية وفضاءات احتمالاتها، ومشروع "يلاّ نشوف فيلم!" الذي تنفذه المؤسسة؛ مشروع ثقافي ومجتمعي ممتد على ثلاث سنوات بتمويل رئيسي من الاتحاد الأوروبي وتمويل مساعد من مؤسسة CFD السويسرية وممثلية جمهورية بولندا في فلسطين، ويستهدف جمهور واسع وفئات مجتمعية مختلفة في سعيه إلى تطوير قدرة الفئات المجتمعية المختلفة على النقاش والتفاعل المتبادل، وذلك بهدف تعزيز المواطنة وحرية التعبير والتسامح والسلم والمسؤولية المجتمعية وتماسك النسيج الاجتماعي.

ماهية المشروع

بدأ المشروع يخرج إلى العلن بواسطة دعوة للمشاركة في المشروع تم نشرها في وسائل التواصل الاجتماعي والصحف والمواقع المختلفة، متوجهة إلى المخرجات الشابات في كافة أنحاء مدن الضفة والقدس وقطاع غزة، ولم يكن إعلاناً جافاً عادياً بل ملهماً على الشكل التالي؛ "تُعرفين نفسك آلاف المرات على أنك فلسطينية، ولكن كيف تشعرين بهذا التعريف؟ هل من خلال الرموز كالعلم أو الكوفية؟ ما الذي يمنح هذه الكلمات؛ أنا فلسطينية بعداً شخصياً في العلاقة مع أشخاص، أشياء، مشاعر، أماكن، حكايات وعلاقات تجعل منك فلسطينية؟ ما هو البعد الذاتي لهذا الانتماء وتلك الهوية؟ هل هي رائحة البرتقال؟، هل هي حديقة؟، طريقك إلى المدرسة أو الجامعة أو العمل؟ هل هو منزل قديم؟ هل هو معلم تاريخي؟ هل هي أغنية؟ إذا تم سؤالك أن تعبري عن نفسك كفلسطينية فما هو الفيلم الذي تودين أن تصنعيه لتروي هذه الكلمات؟، إذن تقدمي بمشروع لعمل فيلم قصير!".

وبالفعل تم تقديم مشاريع أفلام مكتوبة من قبل حوالي عشرين مُخرجة إلى عنوان المؤسسة بناء على هذه الدعوة، وكانت أغلب هذه المشاريع مكتوبة بكثير من التميز والفرادة في محاولة من المخرجات لإعادة تعريف الذات وتصورها عبر قصة فيلم مُتخيلة ترغب كل مخرجة في تحويلها إلى فيلم.

على سبيل المثال تقول المخرجة فداء نصر في مقدمة مشروع فيلمها "يا ريتني مش فلسطينية" الذي قدمته لمسابقة المؤسسة " أنا فلسطينية يعني أنني أريد أن أعيش رغما عن أنف من يرغبون بالعكس، يعني أنني أحب الحياة وتفاصيلها، أنا فلسطينية يعني أنني طموحة، أفكر بالمستقبل الأفضل، رغم الموت في كل النواحي، أفكر بالحب والحياة".

كما كتبت المخرجة دينا أمين في مقدمة مشروع فيلمها "ورق دوالي" عن هويتها التي يسألها عنها كثيرون "أﻧﺎ من القدس، ولدت في القدس، وكبرت ورُبيت في ضواحيها، والأهم من ذلك أنا فلسطينية، لماذا تسألني عن أصولي؟ لماذا تعتقد الأصل موضوع مهم؟ لماذا عليك التأكد من أصلي؟ قلت وأكرر أنا من القدس!".

وقد انتمت المُخرجات اللواتي تقدمن للمسابقة جغرافياً إلى أغلبية مدن فلسطين؛ فهناك من جنين، عرابة، نابلس، كفر نعمة، القدس، بيت حانون، النصيرات، خان يونس، مدينة غزة، وهذا بحد ذاته عالم متعدد من الحكايات البصرية التي تلتقط الذات وسط المحليات المختلفة.

وتفاعلت المشاريع المتقدمة مع ثيمة المشروع "أنا فلسطينية"، ووجدت المخرجات فهمهن الخاص للهوية من خلال حياتهن المعاشة اليومية مع صديقاتهن ومواضيع حولهن؛ كالتراث الجمعي الفلسطيني والانقسام السياسي، وألم المُزارعات على فقدان أرضهن، وهاجس الهروب من الحرب وحصار غزة، وجدار الفصل والتضييق على مدينة القدس، وهي مواضيع تماهت مع ثيمة المشروع وفي ذات الوقت عبرت عن خصوصية هوية المخرجة.

كما تنوعت المنطلقات السينمائية في السرد الدرامي؛ إم بالتمثيل، الرسومات المتحركة، التابلوهات الراقصة، والمؤثرات الصوتية، وأنواع مختلفة من الموسيقى، واللقاءات التسجيلية، والتصوير البانورامي أو الـ"تايم لابس" أي تصوير مرور الوقت دون فاصل زمني.

تقول د. أرصغلي عن ثيمة المشروع " حاولنا كمؤسسة سينمائية نسوية مهنية إعطاء عمق شخصي وذاتي لكيفية تعزيز المواطنة بأبعادها المكانية والزمانية، وتعميق التصورات حول الهوية الفلسطينية وليس تقليصها وتسطيحها من خلال شعارات مستهلكة".

ولفتت إلى أنهم أرادوا إعادة إحياء المواطنة في الذات، والبحث في البعد الشخصي للانتماء والهوية وما الذي يمنح هذه الكلمات "أنا فلسطينية" بعداً في العلاقة مع أشخاص، أشياء، مشاعر، أماكن، حكايات وعلاقات.

صعوبات، وغزة الأزمة الأكبر

بعد تلقي المشاريع، واختيار عشرة من بينها من قبل لجنة خاصة ضمت نقاد ومخرجات وأكاديميين على عدة مراحل واجتماعات، تحولت أروقة مؤسسة "شاشات" في رام الله إلى خلية للنحل منذ مارس الماضي ضمن فرق عمل متخصصة شملت المسؤول الفني لشاشات عيسى طوطح الذي أشرف على المتابعة لأفلام الضفة والقدس، كما تابعت سير هذه الأفلام في شقيّ الوطن؛ الضفة الغربية وقطاع غزة ومراحل كتابتها وتطوير هذه الأفلام العشرة بوجود المُخرجات وفي حضور استشاريين وعاملين في السينما من داخل وخارج فلسطين إلى أن أصبحت جاهزة بمستوى عالٍ يليق بالمؤسسة والمُخرجات معاً.

وربما الأمر يبدو سهلاً في عبارات قصيرة خلال هذا المقال، لكن على أرض الواقع واجهت المؤسسة كثير من الصعوبات في كل المراحل؛ وأول هذه الصعوبات أن المخرجة والمصورة البولندية آنيا هاتلس التي جاءت لدعم المشروع من قبل مكتب الممثلية البولندية الداعم الجزئي للمشروع، تم منعها من الدخول واحتجازها في مطار بن غوريون ورُحِلت إلى بولندا.

وهنا توضح د. أرصغلي "عملت هاتلس مع بعض المخرجات عبر سكايب على تطوير المعالجة السينمائية لأفلامهن، كذلك كانت هناك المخرجة والمونتيرة ادرينانا كوستليانوس، التي انضمت إلينا من خلال التعاون مع الممثلية البولندية أيضاً، وكان مقرراً إقامتها وإشرافها على بناء الخط السردي والفني لبعض الأفلام، إلا أنها مرضت عند مجيئها وبالكاد كانت تستطيع أن تنهي يوم عمل كامل، واضطرت إلى المغادرة في اليوم السابع بعد أن ساءت صحتها".

كما أن الصعوبات ظهرت وقت تنفيذ الأفلام فكانت هناك مضايقات من الجيش الإسرائيلي والمستوطنين خلال التصوير في أماكن مختلفة من الضفة، مما سبب تأخير العمل وسط التوتر والخوف على سلامة الطواقم والأجهزة.

أما في قطاع غزة، فالوضع لم يكن يختلف كثيراً بسبب عدم الاستقرار الأمني، كما كان القصف الإسرائيلي زائراً ثقيلاً في غالب الأحيان، تقول الممثلة نيرة صالح التي مثلت دور البطولة في فيلم "الكوفية" " التصوير كان يستغرق وقتاً طويلاً في ظل ظروف حساسة للغاية في غزة؛ كالإجراءات الأمنية، والقصف إسرائيلي، مضيفة " ما يجعل هناك ضغط نفسي كي يتم تصوير الفيلم في الوقت المحدد وإعادة المشاهد لتكون بالجودة المطلوبة".

وكذلك تصف مساعدة مديرة المشروع في غزة وداد الصوراني من جمعية الخريجات الجامعيات وهي إحدى الجمعيات الشريكة لمؤسسة "شاشات" في مشروع "يلاّ نشوف فيلم!" وشاركت في لجنة تحكيم اختيار الأفلام، عملية صناعة أفلام مخرجات غزة بالصعبة نتيجة الأوضاع الخاصة للقطاع، مستدركة " إلا أن العملية في النهاية تمت بنجاح وإبداع، وخرجت من غزة أفلام مميزة مثل الغول والكوفية وخيوط من حرير"

وما يجعل غزة مدينة شاقة على صناعة الأفلام هي "أذونات" التصوير المطلوبة من الجهات المعنية في حكومة غزة للبدء في تصوير الأفلام، والاشتباه بأي كاميرا نظراً للوضع الأمني، ما جعل ممثلة مؤسسة "شاشات" في غزة آثار الجديلي تبذل جهوداً كبيرة لإتمام العمل والانتهاء من التصوير في أفلام مُخرجات غزة الأربعة.

ولا يمكن تجاهل عائق أخير صادف المؤسسة في قطاع غزة وربما يكون الأكبر، وهذا العائق أدى إلى تأخير كبير في إنهاء الأفلام وبالتالي تأجيل موعد المهرجان الذي كان مفترض أن يكون نهاية العام الماضي، ويتمثل في القدرة على إخراج المادة المصورة والتي تم منتجتها بشكل أولي هناك عبر حدود القطاع إلى مقر "شاشات" برام الله، إذ أنه ممنوع على شركات البريد السريع إدخال أو إخراج أي "هارد ديسك" من غزة، كما أنه ممنوع على المسافرين الفلسطينيين كأفراد.

تقول د. أرصغلي عن هذه الأزمة " حاولنا مع أفراد أجانب يعملون في مؤسسات دولية، ومسموح لهم بحمل أجهزة الحاسوب الخاصة بهم وبالتالي حمل أي "هارد ديسك"، كي يخرجوا لنا مادة الأفلام، لكن لم نجد أحد مستعد فقد خافوا في حال تم فحص الجهاز أن يكتشفوا أن محتوياته تعود لشخص آخر، وهذا قد يعرضهم إلى فقد تصاريح دخولهم وخروجهم من القطاع ما سيؤثر على عملهم".

وكان البديل أن تعمل د. أرصغلي بصحبة المونتيرة ربى عوّاد التي منتجت أفلام الضفة والقدس الستة على التواصل مع المونتير أحمد الوحيدي في غزة للإشراف الفني على الأفلام هناك، وكان يتم إرسال الملاحظات بالثانية والكادر (يوجد 25 كادر في كل ثانية!) للاطلاع على التعديلات، وإرسال ملاحظات عليها من قبل المخرجة وصولاً إلى مرحلتيّ الترجمة والموسيقى.

وقد كانت هذه الآلية متعبة وبطيئة لكنها أفضل الحلول في ظل ظروف لا يمكن التحكم بها إذ كان من المهم لدى "شاشات" أن تشرف المخرجة على المونتاج في مراحله الأولى والثانية والثالثة حتى تضع بصمتها ويصبح جاهزاً.

وهنا يقول أحمد الوحيدي أحد أفراد الطاقم الفني من غزة أن الإشكالية كانت في صعوبة تطبيق وتنفيذ بعض أفكار الأفلام؛ كفيلم الغول فقد كان من الصعب تخيل المشهد الذي تقصده المخرجة، كذلك التواصل لم يكن واحداً مع جميع المُخرجات، فهناك من تتقبل التغيير وهناك من ترفضه بالمطلق، لافتاً إلى أغلبية الأفلام كانت ذات أفكار جيدة.

أخيرا في أوائل شهر فبراير(شباط) 2019، تم إخراج أفلام غزة إلى الضفة الغربية، وبعدها بدأ الانتهاء من المونتاج ثم "تفنيش" الأفلام مباشرة على الانترنت بالتعاون مع خبير المونتاج يوسف عطوة، وشملت التعديلات النهائية؛ تعديلات قطع من أجل سلاسة المونتاج، ضبط توقيت الترجمة، ومراجعة الموسيقى والمكس والمؤثرات الصوتية، وتعديل الألوان للوصول إلى نسخة متطورة ومهنية إلى أعلى درجة بالفيلم.

تقول ربى عواد المونيتورة من رام الله "رغم كل الصعوبات فهو مشروع ناجح جدا، ويتميز بحيويته وأنه يضج بالنقاش والتعلم لتأتي الأفلام بمستوى عالي، وهذا بالتأكيد بعد تعب كبير وملاحظات دقيقة كثيرة خاصة في حال أفلام غزة وسط صعوبة التواصل".

مهرجان وتواصل

وهنا تحدد موعد مهرجان شاشات للسنة الحادي عشر في الثالث والعشرين من يوليو (تموز) الجاري، وسط محافظة المؤسسة على مستوى أفلامها على مر الأعوام، وتدريب المخرجات ضمن جهود كبيرة وحالة تشبيك مهنية مع المؤسسات والمخرجين والمخرجات والصحافيين وشركات الإنتاج في الضفة الغربية وقطاع غزة، وبقائها على إيمانها بأهمية دور المرأة في السينما، وما تستطيع أن تفعله بالكاميرا.

وقد كان متاحاً لهذه الأفلام في العام الحالي ميزانيات أعلى من الميزانيات التي كانت متاحة سابقاً في مشاريع إنتاجية أخرى لمهرجانات "شاشات" العشرة الماضية، كما أن عدد الأفلام أكبر، وجميعها تبحث في التعبير السينمائي عن مواضيع مجتمعية من منظور نسوي شاب.

وعن دور شاشات في مساندة المخرجات الشابات تقول د. أرصغلي " دورنا أن نمسك بأيديهن في رحلة طريقهن إلى المهنية، وتحقيق رؤيتهن بأفضل الأساليب السينمائية، ولذلك نتابع تفاصيل كل الفيلم في حوار وارشاد حول ما هو أفضل من ناحية تطوير الفكرة وتعميقها، ومعالجتها سينمائياً، ونتابع متطلبات التصوير، ونحاول قدر الإمكان تأمين أقصى ما يحتجن له بناء على تصور واقعي لميزانية كل فيلم، كما نتابع رحلة التصوير الشاقة، ومراحل المونتاج".

وعن التواصل مع مخرجات غزة وسط صعوبة اللقاء والعمل ضمن فريق واحد توضح أن الاختلاف الجذري بسبب بعد مخرجات غزة عن مكتب عمل "شاشات" في رام الله، على عكس التواصل مع مُخرجات الضفة، واصفة ذلك بقولها "إذ مهما حاولنا فإن الإيميل وسكايب لا يغنيان عن التفاعل الشخصي الذي كان متاحاً لمخرجات الضفة، فقد كن يأتين ويذهبن وقتما أردن إلى المكتب مستفيدات منا، ويناقشن أفلامهن بأريحية، كما أن الأجهزة كانت متاحة بشكل شبه متواصل".

ومع ذلك تؤكد د.أرصغلي أهمية إنتاج أفلام في غزة مهما بدا ذلك مستحيلاً، لتعبّر المخرجات الشابات عن أصوات وصور وحكايات من هناك، فلا يمكن إهمال هذا الشق من الوطن على مستوى الإبداع السينمائي.

وعما تتركه المؤسسة في هؤلاء المخرجات تقول المخرجة الشابة ولاء سعادة " كانت فرصة للتطوير واكتساب مهارات مع فريق عمل مهني، يساعدك على تكوين رؤيتك الخاصة، ففي تجربة شاشات هناك بعض الأمور لم أمر فيها من قبل؛ كالأمور المالية والموازنة والإنتاج ما انعكس إيجابا وجعلني أفضل في قدرتي على إدارة أي فيلم قادم لي، كذلك أكثر نضجاً، ووعياً بمكونات السينما والهوية البصرية، والأهم الخروج من أسوار الحصار في غزة والقيود الأخرى التي تجرم السينما كأداة للثقافة والتغيير والوعي وتجعلها في أخر قائمة الأنشطة الترفيهية !".بدورها تقول المخرجة الشابة فداء نصر التي أنتجت لها "شاشات" فيلم "يا ريتني مش فلسطينية" هذا العام "كنت في حالة سيئة بسبب فقداني لعملي وصدمتي بمن حولي، فاخترت أن أتحدث عن ذلك من خلال السينما، لكني كنت مشتتة داخليا، وكان سؤالي كيف سأوصل كل ما في داخلي سينمائيا وفنيا". إلا أنها الآن راضية عن الطريقة والمعالجة السينمائية للفيلم، بفضل توجيه فريق شاشات وبالأخص د. أرصغلي التي تفهمت فكرة الفيلم كثيرا وساعدتها في التعبير عنها أكثر مهنيا وسينمائيا _بحسب وصف نصر_.

وفي ذات السياق تقول د. أرصغلي "كنت أود أن يكون هناك مرحلة تدريب ما بعد الأفلام، إذ اكتشفت من خلال نقاشات كثيرة مع المخرجات، وفي الاجتماع التقييمي بعد صناعة الأفلام، المواضيع التي يردن أن يتطورن فيها أكثر؛ ككتابة السيناريو، أو استعمال الرسوم المتحركة، أو تطوير المعالجة السينمائية عملياً من خلال تمارين، ولكن للأسف لم نستطع توفير تمويل لها".

الأفلام

وأخيراً ستظهر هذه الأفلام إلى العلن وسط حملة إعلامية كبيرة، وذلك خلال الأسبوع الجاري في مهرجان شاشات وهي؛ "الغول" للمخرجة الشابة آلاء الدسوقي ويتحدث عن مشاعر الأمومة خلال الحرب على غزة، وفيلم "خيوط من حرير" للمخرجة الشابة ولاء سعادة ويتحدث عن التطريز الفلسطيني وحكايات الغُرزة على القماش.

وفي وصف لعلاقة المرأة بالأرض جاء فيلم "أرض ميتة" للمخرجة الشابة أمجاد هب الريح ويتناول حكاية مزارعتين فقدتا أرضهما في الضفة الغربية بعد بناء الاحتلال لجدار الفصل العنصري، وفيلم "الراعية" للمخرجة فداء عطايا يتناول مأساة وادي المالح في الضفة الغربية بمقاربة فيها كثير من الخيال والتعبير السينمائي المغاير، وفيلم " يا ريتني مش فلسطينية" للمخرجة فداء نصر وهو فيلم ذاتي يتناول حالة العزلة التي عاشتها المخرجة بعد أن أغلق الاحتلال مكان عملها الصحافي، وأصبحت محاطة بانتقادات المجتمع.

ومن غزة فيلم "الكوفية" للمخرجة الشابة أفنان القطراوي يتحدث عن الاقتتال والانقسام في قطاع غزة ما منع صديقتين من إخراج فيلمهما عن التراث والآثار، وفيلم "يوما ما" أيضاً لمخرجة من غزة اسمها أسماء المصري يتناول حكاية أربع صديقات وأحلامهن وعلاقتهن داخل هذه المدينة المحاصرة، وهناك فيلم "ورق دوالي" وهو فيلم أخرجته دينا أمين من القدس عن حكاية جدتها السورية التي عاشت في القدس، وذكرياتها عن الماضي، وافتقادها لسوريا، وفيلم "سرد" للمخرجة الشابة زينة رمضان صنعته من رسائل صديقتها المخرجة رهام الغزالي التي كانت تحاول الخروج من قطاع غزة المحاصر كي تلتحق بمنحتها الدراسية، وقد أرسلت خلال تلك الفترة مجموعة من الرسائل الصوتية عبر"الفيسبوك" لزينة تخبرها فيها بتطورات محاولاتها سفرها تلك، ويأسها في غالب الأحيان.

وأخيرا كان فيلم "صبايا كليمنجارو" للمخرجة الشابة ميساء الشاعر والذي يتناول رحلة ثلاثة فتيات من الضفة الغربية إلى جبال كليمنجارو وصعوبة السفر عبر جسر الأردن والحصول على فيزا، ثم بعد تحقق الحلم كانت صعوبة الوصول للقمة في خمسة أيام وسط عاصفة ثلجية.

وعن أقرب هذه الأفلام إليها، تقول د. أرصغلي أنه فيلم المخرجة الشابة فداء نصر "يا ريتني مش فلسطينية" فهي واكبت تجربة المخرجة الشخصية القاسية التي عبرت عنها في الفيلم، كذلك فيلم "الغول" الذي أخرجته آلاء الدسوقي فقد كانت على الدوام تطمئن عليها خلال الحرب على غزة، وتحثها أنها يجب أن تعبر في فيلم عما يحدث حولها وبالفعل كان "الغول".

وتلفت بقولها " كمنتجة أستطيع القول أن كل الأفلام تخطت حدود السرد التقليدية، والأساليب السينمائية وفتحت آفاق معرفية جديدة، وسط إشراف ومتابعة من المؤسسة، فقد كانت المُخرجات على قناعة أننا ننصحهن بإخلاص من أجل إعلاء جودة الفيلم فنياً وتعميق مضمونه، إذ هذا يضيف إلى رصيد شاشات، فالنجاح مشترك بيننا".

وعن سبب تفاوت مستوى الأفلام تقول "المخرجات من خلفيات مختلفة وبدايات مختلفة في مشوارهن الإخراجي، وكان دورنا هو دعم المخرجة في تطوير فكرة فيلمها، وتم العمل معهن سواسية ".

وحول مصير هذه الأفلام تقول أنه بعد انطلاقة الأفلام في المهرجان الحادي عشر لسينما المرأة في فلسطين، ستكون هناك جولة للأفلام في مدن وبلدات وقرى وجامعات ومخيمات الضفة الغربية، والقدس وضواحيها ومحافظات قطاع غزة، وسيتم تنظيم عروض ونقاشات لهذه الأفلام تشارك فيها المُخرجات.

ولفتت إلى أن هذه الأفلام ستدخل كذلك في مسابقات ومهرجانات دولية وعربية، وستوزع على مؤسسات وجامعات في أوروبا حيث يوجد لـ"شاشات" شبكة مع عدد من المؤسسات هناك تترجم الأفلام إلى الفرنسية والإسبانية، وتنظم جولات عروض لها.

ومن المتوقع أن تستطع هؤلاء المُخرجات الشابات التنافس في منح إنتاجية فلسطينية وعربية ودولية، كما فعلت مُخرجات سابقات صنعن فيلمهن الأول في "شاشات"، من أجل متابعة مشوارهن الإخراجي في السينما التي تعتبر حبهن الأول كما كانت على الدوام هي طريق مؤسسة "شاشات" لنشر هذا الحب في ضواحي البلاد.

التعليقات