جودة التعليم الجامعي، ملاحظات

جودة التعليم الجامعي، ملاحظات
جودة التعليم الجامعي، ملاحظات

د. رياض عبدالكريم عواد

بلغ عدد الجامعات والكليات التعليمية في قطاع غزة 30 مؤسسة، منها 9 جامعات، 8 كليات جامعية، 10 كليات مجتمع متوسطة، 2 كليتة بوليتكنك، 1 أكاديمية دراسات عليا. فيما عدد المؤسسات في الضفة الغربية 35 مؤسسة ما بين جامعات وكليات، وفي الأردن هناك 50 مؤسسة تعليمية جامعية.

يدرس في جامعات وكليات قطاع غزة حوالي 100 -85 ألف طالب، يتخرج منهم 24 ألف خريج سنويا.

قبل أن أتكلم عن موضوع جودة التعليم وماهي أسباب تدني هذه الجودة ساسرد عليكم، من شخص غير متخصص، قصتين:

الاولى من الجزائر، من خلال متابعتي لدراسة الطب في الجزائر لاحظت اريعة ملاحظات:

1. أن حوالي 20% من الطلاب تتساقط خلال سنوات الدراسة ولا تتخرج

2. كل طالب يرسب سنتين حتى غير متتاليتين يفصل من الكلية ويتم إلغاء شهادة الثانوية العامة (في بعض الولايات) ويضطر إلى دخول الدراسة الثانوية من جديد للحصول على شهادة الثانوية مرة أخرى اذا أراد دراسة طب أو صيدلة أو يجبر أن يغير إلى تخصص ادنى

3. أن أعلى العلامات في الغالب لا تتجاوز 14/20

4. في دراسة التخصص اذا رسب الطالب مرتين، حتى غير متتاليات خلال الاربع سنوات دراسية، يقصى من التخصص.

القصة الثانية من بلادنا، صديقي طبيب تخرج من كلية الطب منذ اكثر من 30 عاما اذا تحدثت معه في مشكلة طبية تخص العين يخرج ورقة ويرسم لك تشريح العين ويوضح كل اجزاء العين التشريحية، يرسم تشريح اليد ان كان النقاش بخصوص اليد، يناقش فسيولوجي وباثولجي ويربط بين السبب والنتيجة.

حاولت أن استفز عددا من طلاب الطب في سنوات متقدمة يدرسون قي دول مختلفة ودخلت معهم في رهان أن يجاروا صديقي الطبيب القديم في رسمة أو في معلومة لها علاقة بالفسيولوجي أو بالثولوجي، ففشل أي منهم أن يكون على مستوى المنافسة.

أعتقد أن الجدية في التعليم وتهديد الطالب بانه معرض للرسوب اذا لم يجتهد، وان النجاح والترفيع ليس مضمونا في الجيب، وان العلامات تنال بالتعب وشق الأنفس وليس بالكيل والمغرفة هو المدخل الحقيقي لتعليم جاد.

لقد حولت جامعات الاحزاب والبزنس التعليم من تنافس ونجاح بالقطارة إلى نجاح مضمون وترفيع من صف لصف أشبه بترفيع طلاب المرحلة الابتدائية بسبب ضيق الامكنة. ان الجامعات تخلت عن نسبة الرسوب خوفا من أن تفقد الطالب ورسوم الطالب.

لا يمكن إعادة الهيبة للتعليم الجامعي في ظل سياسة البزنس التي تعتمدها الجامعات خوفا على مصدر رزقها وحصتها من رسوم الطلاب.

أن انتقاء الكادر التعليمي لا يمكن أن يخضع لمزاج الطلاب ومجالس الطلبة ولجان الشبيبة الحزبية التي تبحث عن الأستاذ السهل الذي يقدم المعلومة السهلة والامتحان السهل وعنده كرم حاتمي في كيل العلامات، هو دافع حاجة من جيبته، المهم أن نرضي الطلاب حتى يرضوا عنا، خاصة اذا كان كادر غير مثبت ويحصل على ساعات عمل في الكلية غير ثابتة، هنا يكون إرضاء الطلاب هو الهدف بعيدا عن محتوى أو جودة العملية التعليمية.

بعيدا عن الازمة الاقتصادية التي اثرت على جميع مناحي الحياة في قطاع غزة، بما فيها التعليم الجامعي، فان تكدس عدد العاملين في الجامعات والخلل في نسبة الإداريين والعمال، الذين تم تعيين كثيرا منهم لأسباب ليس لها علاقة بحاجة الجامعة انما بسبب حاجة الحزب والواسطات المختلفة، إلى نسبة الأكاديميين أدى إلى إرهاق ميزانية الجامعة وأضطرارها إلى تخفيض مرتبات العاملين، بما فيهم الأكاديميين وهذا يؤثر على الاستقرار النفسي للأساتذة وعلى نوعية العلم الذي يقدمونه. طبعا هناك كثير من الأكاديميين قد تم تعينهم ايضا بناء على رغبة الحزب والواسطات بعيدا عن المنافسة والمستوى الأكاديمي.

أن المركز الفلسطيني للإحصاء قد حدد ثلاثة من أسباب تدني جودة التعليم في فلسطين بسبب افتقار فترة الدراسة الجامعية إلى:

*التدريب في مجالات يحتاجها سوق العمل ضمن التخصصات التي يتم تدريسها،

*سعي الجامعات الى الربح المادي، خصوصا عبر التعليم الموازي، والذي يتيح لفئات ذات مستوى تعليمي منخفض الالتحاق بتخصصات ذات مستوى تعليمي مرتفع، 

*انتشار (مراكز الابحاث) التي يلجأ اليها الطلاب لإعداد الدراسات والابحاث ومشاريع التخرج.

في اعتقادي أن المركز الفلسطيني للاحصاء لم يتطرق إلى الأسئلة الأساسية، وما علاقة هذا التدني بما يلي:

1. معدلات النجاح المرتفعة وكذلك العلامات المرتفعة في شهادة الثانوية العامة، هل هذا يمثل الواقع ام هو سبب رئيسي في المشكلة

2. فقدان الامل وتدني فرص العمل

3. عدد الجامعات والكليات في البلاد وتكرار نفس التخصصات في هذه الجامعات

4. التركيز على الدراسة النظرية

5. مستوى المدرسين، الأكاديمي والعملي

6. تحول التعليم إلى تجارة تسيطر عليها الأحزاب وقريبا العائلات

7. عدم الجدية واتباع سياسة التنجيح والترفيع.

أن واقع التعليم الجامعي بكل مكوناته، الادارية والأكاديمية والطالب والعملية التعليمية، بحاجة إلى إعادة نظر جادة بواسطة طبيب يحمل في يده مبضع جراح، ولا يراعي إلا مصلحة المريض.

يجب إعادة النظر في عدد الجامعات والكليات، ومنع تكرار التخصص في اكثر من جامعة، وتقليل عدد الكادر الجامعي غير المثبت، والتحول من الدراسات النظرية إلى الدارسة العملية.

أن الطلاب هم عماد المجتمع وثروته القومية، والتعليم هو المدخل الرئيسي للنهوض بالمجتمع أو الوسيلة لتدمير هذا المجتمع، مستقبلا وحاضرا وماضيا.

التعليقات