شاهد: ضمن مهرجان "شاشات الـ11 لسينما المرأة.. حكاية أربع صديقات في فيلم

شاهد: ضمن مهرجان "شاشات الـ11 لسينما المرأة.. حكاية أربع صديقات في فيلم
خاص دنيا الوطن
يبدأ الفيلم بمشهد لصديقتين تتحدثان عبر الهاتف، تتفقان على اللقاء، ثم تلتقيان في محل للملابس؛ تختاران قمصاناً وفساتين، ينتهي الموعد بهما إلى المطعم حيث تمزحان حول نظام التخسيس.

يقطع لقاء الصديقتين مشهد آخر لصديقتهما الثالثة في مكان آخر"ميسولين"التي تنام بين الكتب والروايات، والدتها تسخر منها بأن عزف فرقة موسيقية في غرفتها لن يوقظها، تستيقظ وتصنع القهوة إذ تتحضر للانضمام إلى فرقة المسرح التي تعمل معها بالتمثيل.

وبالنهاية تلتقي جميع الصديقات في طريقهن لعرس زميلة أخرى كانت قد أقسمت أن لا تتزوج بل أن تكمل تعليمها في أميركا، لكن يبدو أن هذا لم يحدث!، وهنا يبدأن بالغناء في التاكسي محتفلات قبل الوصول إلى حفل الزفاف .

بهذه العفوية والبساطة والسلاسة يروي لنا فيلم "يوما ما" حكاية يوم عادي بين أربع صديقات، إلا أن الفارق أنهن يعشن في قطاع غزة، حيث لا يتخيل أحد أن العلاقات الإنسانية تشبه أي علاقة في العالم سواء كانت علاقات صداقة أو حب أو زمالة، ففي غزة من الممكن أن تعرف عن الحرب والشهداء والمصابين والحصار، لكن ليس ذلك النوع من الحياة العادية.

ويعود السبب أن التغطية الصحافية، والإنتاج السينمائي المتعلق بهذه المنطقة يركز على الصراع والألم، لكن ليس الأمر ذاته إذا أردت التحدث عن يوميات أهلها خاصة الفتيات، فهذا نوع من "تابو" مهما كانت تفاصيل هذه الحياة عادية، لكن المخرجة أسماء المصري ابنة غزة وبيئتها أرادت كسر هذا "التابو" وأخرجت فيلما عن يوما ما في حياتها وثلاثة من صديقاتها.

ويتناول الفيلم المواضيع التي تشغل أربع صديقات في الوقت الحالي؛ كالعمل والزواج والسفر والحرية، وتلاحقهم الكاميرا بين السيارة والمطعم والبيت والعمل، في إلقاء للضوء على أحلام جيل صغير، ورغبته في الخروج من غزة، دون أي مبالغة في الحديث عن حقوق نسوية أو وطنية، بل كأحلام وأماني قد تطرحها أي صديقات قد يكن ولدن في البرازيل أو مصر أو أي مكان بالعالم.

وعلى الرغم من أن الفيلم روائي ولكن أصوله وثائقية، إذ أن الشخصيات ظهرت بمِهنها وأسمائها الحقيقية، كذلك ظهرت غزة في كامل جمالها وحيويتها من خلال مشهدين؛ نهاري ومسائي بأسلوب"تايم لابس" وهي تقنية تصوير تختزل الزمن وقد تناولت مرور الوقت في شوارع غزة في النهار والليل دون فواصل زمنية.

وهناك أيضاً مشاهد تصوير الصديقات في الأماكن العامة، والتي تُحسب لصالح المخرجة كون غزة مدينة مليئة بالمحاذير الاجتماعية فيما يخص الفتيات، وهنا بالذات تكمن خصوصية الفيلم وما يجعله مختلفاً عن تصوير أي أربع صديقات في العالم.

والصديقات هن منى وريما وحنين وميسولين؛ إذ تحلم منى بالسفر إلى ألمانيا رغم أنها تعمل في شركة اتصالات مهمة، بينما ريما التي تعبر عن شخصية المخرجة فتعمل على بحث التخرج في قسم الفيزياء بالجامعة، وتستطيع الخروج من غزة متى تريد نظراً لأنها تحمل الهوية الإسرائيلية ولكنها تدافع عن موقفها "عارفة حالي كثير منيح، زي السمكة إلي عايشة بالبحر، لو طلعت منه بعرفش أعيش"، وهذا يتناقض مع الصورة النمطية عن غزة أن الكل يود الخروج منها إذا سنحت له الفرصة. أما حنين الصديقة الثالثة فهي مذيعة في محطة إذاعية، لها برنامج حواري عن الأوضاع السياسية، والصديقة الرابعة "المشاغبة" هي ميسولين أبو سلطان ممثلة مسرحية تسعى للحصول على أدوار البطولة.

وهذا الفيلم واحد من عشرة أفلام من إخراج مخرجات فلسطينيات شابات من الضفة الغربية، القدس وقطاع غزة، قامت مؤسسة "شاشات سينما المرأة" بإنتاجها والإشراف عليها، وتوفير الإمكانيات اللازمة لنجاحها، وسيتم إطلاقها في "مهرجان شاشات الحادي عشر لسينما المرأة" الذي يحمل عنوان "أنا فلسطينية". وتبحث هذه الأفلام في البعد الذاتي للانتماء والهوية، كما تركز على تعبيرات متشعبة عن حيوات المرأة الفلسطينية المتعددة التي تعطي عمقاً إبداعياً وذاتياً لتصورات سينمائية حول العلاقة مع الأشخاص، الأشياء، المشاعر، الأماكن، الحكايات والعلاقات.

وتسلط الأفلام الضوء على إعطاء عمق شخصي لكيفية تعزيز المواطنة بأبعادها المكانية والزمانية وفضاءات احتمالاتها، إذ تشكل أفلام "أنا فلسطينية" جزء من مشروع "يلاّ نشوف فيلم!" الذي تنفذه مؤسسة "شاشات سينما المرأة"، وهو مشروع ثقافي-مجتمعي ممتد على ثلاث سنوات بتمويل رئيسي من الاتحاد الأوروبي وتمويل مساعد من مؤسسة CFD السويسرية وممثلية جمهورية بولندا في فلسطين، ويستهدف جمهور واسع وفئات مجتمعية مختلفة في سعيه إلى تطوير قدرة الفئات المجتمعية المختلفة على النقاش والتفاعل المتبادل، وذلك بهدف تعزيز المواطنة وحرية التعبير والتسامح والسلم والمسؤولية المجتمعية وتماسك النسيج الاجتماعي.

وتقول المخرجة أسماء المصري عن الفيلم "ما يميز الفيلم أن القصة تدور ليس فقط عن يوم في حياة أربع فتيات، ولكن هو يتحدث أيضاً عن أربعة أساليب حياة مختلفة، تشترك بمكان العيش وحدود المدينة التي يتطور فيها كل شيء بإيقاع بطيء".

وتضيف حول علاقة الفيلم بثيمة المشروع "أنا فلسطينية" بأن الفيلم يتناول شكل الحياة الحقيقية لفتيات غزِيات، وطموحهن وأهدافهن، وبحثهن عن الهوية ولو بشكل غير مباشر، متابعة "ويُلَاحظ ذلك من خلال النقاش بين الصديقات فيما يتعلق بفرصتهن في الهجرة والسفر والتعلم والتميز".

وتلفت المخرجة أن رسالتها المباشرة في الفيلم تتمحور حول حرية المرأة بأن تقول ما تريد وقتما تريد طالما أنها تؤمن بذلك، قائلة " لا أحد يستطيع أن يوقفها وحتى الوضع السياسي والاجتماعي يمكن أن يتم تجاوزه عندما تكون رؤية المستقبل واضحة". إذ تقول حنين لصديقاتها في المقهى عند مناقشة عمل المرأة

"لا شوفي لو بدك توخدي انطباع عن الأنثى انو الها شغل محدد وهاد بنفع وهاد بنفعش بتكوني غلطانة صحبيتي، لأنه الفكرة مش بنوعية المجال بل مقدار انتمائك انتِ لهذا المجال.."

وحول الصعوبات التي واجهتها خلال صناعة الفيلم أضافت "لم تواجهني صعوبات أثناء التنفيذ، وذلك لان الفريق الذي عمل معي في الميدان كان احترافيا من الدرجة الأولى، وتوزيع المهام والواجبات المحددة كان واضحاً بشكل كافي، وربما تكون الصعوبة الوحيدة خلال فترة التركيب والمونتاج وذلك لان العمل اخذ حيزا كبيرا من وقتي ومن طاقة الفيلم نفسه".

ومن المهم الإشارة أن صديقات المخرجة في الفيلم هن صديقاتها في الواقع، ومع ذلك أدين أدوارهن دون ارتباك أو مبالغة بل كن في غاية السلاسة مع الكاميرا خلال العمل وفي السيارة والمطعم، وهذا جعل الفيلم ذكياً، فخصوصية مدينة كغزة لم تطغَ عليه.

وقد بقي الفيلم تلقائياً بسيطاً حتى نهايته، كما قال رسالته دون شعارات، وبيّن أن الفتاة في غزة تحلم كما أي فتاة في العالم بالسفر والتميز في العمل والحب، يسمعن الأغاني، ويجربن مطاعم جديدة، فهن يفعلن كل شيء عادي في مدينة غير عادية.

إنه فيلم يتراوح بين الوثائقي والروائي؛ ويعبر عن غزة الواقعية في اللحظة الحالية، وغزة كما يمكن أن تكون وتُعاش في عيون وأحلام هؤلاء الفتيات، ولعل رسالة الفيلم الجوهرية أن غزة تعيش وليست في حالة موت متقطع.

 

التعليقات