ضمن مهرجان "شاشات الـ11 لسينما المرأة فيلم "أرض ميتة" مرثية المرأة المزارعة لأرضها

ضمن مهرجان "شاشات الـ11 لسينما المرأة فيلم "أرض ميتة" مرثية المرأة المزارعة لأرضها
خاص دنيا الوطن
"عالروزانا عالروزانا كل الهنا فيها، وش عملت الروزانا الله يجازيها،يا رايحين عحلب حبي معاكم راح، يا محملين الألم تحت الألم جراح،كل من حابيبوونا حبيبي راح، يا ربي نسمة هوا تجيب الغالي ليا وارتاح..عالروزانا عالروزانا كل الهنا فيها، وش عملت الروزانا الله يجازيها... لطلع عراس الجبل واخد معي مفتاح، وفتح جنينة حبي واقعد بيها وارتاح، كل من وليفو معو وانا وليفي راح، يا ربي نسمة هوا تجيب الغالي ليا...عالروزانا عالروزانا كل الهنا فيها، وش عملت الروزانا الله يجازيها."

كانت الستينية آمنة ياسين "أم عمر" تغني هذه الكلمات وابنها وأحفادها يرددون خلفها "على الروزانا...على الروزنا"، لكن لا أحد من هؤلاء الصغار يعرف سبب شجن جدتهم وذرفها الدموع وهي تغني، وأي زمن كانت تبكيه قبل أن يبتلع جدار الفصل العنصري أرضها في قرية عانين بمحافظة جنين، ويحرمها من علاقتها معها ومن خيراتها ومن حياتها التي تعرفها.

ولكنها ليست وحدها من قرية عانين التي سلبت منها أرضها ومعها ذكريات حياتها، فكذلك الحاجة فتحية عيسى "ام نزار" فقدت أرضها خلف الجدار وحُرمت من زراعتها، بعد أن صادرها الاحتلال.وهناك طريقة وحيدة تمكن هؤلاء النسوة من زيارة أراضيهن عبر سياج الحاجز العسكري، أو بعد الحصول على تصريح من الجيش الإسرائيلي، وغالباً ما يتم رفضه لأسباب أمنية.

فكل من أم عمر وأم نزار فقدتا أرضهما وأصبحت "ميتة" خلف الجدار إذ لم تعد لديهما القدرة على فلاحتها أو بيعها أو البناء فيها، الأمر الذي تركهما للعوز والمرض، فقد بدأت الحاجة "أم نزار" تصنع الخبز وتبيعه، ومع ذلك هي لا تشتكي من الفقر، بقدر ما تفتقد والدها وأرضها وزيتونها، فهي لا تكف عن تذكر الثلاثة معاً في كل لحظة.

تتذكر الحاجة السبعينية "أم نزار" اعتناء والدها بها في صغرها بعد أن فقدت عينها اليسرى نتيجة مرضها بالحصبة، ما جعله دوما يعطف عليها أكثر من شقيقاتها، تقول " أبوي بقى يعاملني معاملة مميزة عن أهل الدار كلها، يعطيني أشياء أزوَد عن كل خواتي...مثلا في موسم الزيتون يعطيني غالونين زيت زيتون بدل واحد، مواسم يبيع عجول بقرة عنزة اشي يعطيني مثلا اثناء الغنم يعطيني عنزة يعطيني عجل يعطيني اشي، وكله ابيعه . أما لما قلي بدي خصصك بأرض ازود عن خواتي قلت لأ..."

ويبدو الحاضر للسيدتين مؤلم ومأساوي بعد أن عاشتا مجدا ورضا كبيرين في الحياة؛ فقد كانت الأرض وأشجار الزيتون تحتضنهما لكن الآن يبكين ألم البعاد عن كل ما هو عزيز عليهما، فقد توقف كل شيء منذ تلك اللحظة؛ الزرع عن النمو، والزيتون عن القطاف، والأرض لم يعد أحد يسقيها، فقط تراقبان الأفق والأرض من بعيد...أفق أشجار الزيتون والمساحات الخضراء التي كانت يوما ما حياتهما.

وليس هناك أقسى من تعبير "أم نزار" عن علاقتها بأرضها وأشجار زيتونها ، "أنا طلع لي ٣٩ زيتونة وخواتي نفس الاشي، هسا لما راح تسع زيتونات منها بالطريق مع السيارات ضلين ٣٠، راح منها بيجي ١٠ بالشارع، يعني صابني نكبة، وانكب من نكبة."

انتقلت الكاميرا إلى "أم عمر" حيث كانت تطبخ الخبيزة التي قطفتها مما تبقى لها من أرض، وقالت " تذكرني هذه الطبخة بأيام السعادة، قبل ما يتم وضع الجدار والحاجز، والآن حالتنا على الله".

وتؤرخ لحفيدها وهي تنظر إلى أرضها عبر سياج الحاجز العسكري " بقينا يا ستي نعتمد على الموسم من السنة للسنة، واليوم ما في أي شيء، ولا مسموح نزرعها...شايف يا ستي هاي أحوالنا".

وعن فكرة الفيلم تقول المخرجة الشابة أمجاد هب الريح أنها اختارت فكرة الفيلم لأنها شعرت أن كثير من الأفكار تم استهلاكها عن الجدار، لكن لم يتم طرح تعلق المرأة المزارعة بأرضها ومدى تأثرها بفقدانها جراء حرمانها منها من قبل الاحتلال الإسرائيلي.

وحول كون الفيلم يركز على حكايات شخصية وليس معلومات وأرقام تبين مصادرة الاحتلال لهذه الأراضي تقول المخرجة "باعتقادي لو طرحت فكرة الإحصاءات والحقائق ستتشابه القصص والأفلام، أما إذا عبرت عن مصادرة الأراضي من خلال حنين مزارعتين لأرضهن المسلوبة، فأكون قد تعمقت في جوهر معنى سلب الأرض من قبل الاحتلال".

وحول تركيزها على ثلاثية الأب والأرض والزيتون، تلفت بقولها أن هذه الثلاثية تاريخية بالنسبة لكل فلسطيني؛ فعلاقة الحنان تتمثل بالأب، كذلك هناك الحنين الأبدي إلى الأرض، أما الزيتون فهو التجذر بهذا الحنين.

وفيما يتعلق بتجربتها مع مؤسسة شاشات تقول "يقولون أن مشوار الألف ميل يبدأ بخطوة، تجربتي مع شاشات هي الخطوة التي أتمنى أن انطلق منها في إخراج الأفلام لأن شاشات هي منظومة كاملة من الاحترافية لصناعة الأفلام وداعم أساسي للمخرجات الفلسطينيات. "

وتشرح أبرز الصعوبات التي واجهتها خلال تحويل رؤيتها إلى واقع وفيلم هو تناول فكرة كالجدار تم التطرق إليها مئات المرات من قبل، ثم محاولة وضعها في قالب مختلف يلامس مشاعر من يشاهد الفيلم عبر هاتين المرأتين.

وهذا الفيلم واحد من عشرة أفلام من إخراج مخرجات فلسطينيات شابات من الضفة الغربية، القدس وقطاع غزة، قامت مؤسسة "شاشات سينما المرأة" بإنتاجها والإشراف عليها، وتوفير الإمكانيات اللازمة لنجاحها، وسيتم إطلاقها في "مهرجان شاشات الحادي عشر لسينما المرأة" الذي يحمل عنوان "أنا فلسطينية". وتبحث هذه الأفلام في البعد الذاتي للانتماء والهوية، كما تركز على تعبيرات متشعبة عن حَيَوات المرأة الفلسطينية المتعددة التي تعطي عمقاً إبداعياً وذاتياً لتصورات سينمائية حول العلاقة مع الأشخاص، الأشياء، المشاعر، الأماكن، الحكايات والعلاقات.

وتسلط الأفلام الضوء على إعطاء عمق شخصي لكيفية تعزيز المواطنة بأبعادها المكانية والزمانية وفضاءات احتمالاتها، إذ تشكل أفلام "أنا فلسطينية" جزء من مشروع "يلاّ نشوف فيلم!" الذي تنفذه مؤسسة "شاشات سينما المرأة"، وهو مشروع ثقافي-مجتمعي ممتد على ثلاث سنوات بتمويل رئيسي من الاتحاد الأوروبي وتمويل مساعد من مؤسسة CFD السويسرية وممثلية جمهورية بولندا في فلسطين، ويستهدف جمهور واسع وفئات مجتمعية مختلفة في سعيه إلى تطوير قدرة الفئات المجتمعية المختلفة على النقاش والتفاعل المتبادل، وذلك بهدف تعزيز المواطنة وحرية التعبير والتسامح والسلم والمسؤولية المجتمعية وتماسك النسيج الاجتماعي.

وبذلك تكون المخرجة الشابة أمجاد هب الريح من جنين قد ربطت ثيمة المشروع " أنا فلسطينية" بالفيلم من خلال إعادة سرد هوية المرأة في قصتين تظهران العلاقة التاريخية بين المرأة والأرض.


التعليقات