الثوب الفلاحي.. لماذا يختلف زي المجدلاوية عن الغزاوية واليافاوية والضفاوية؟

الثوب الفلاحي.. لماذا يختلف زي المجدلاوية عن الغزاوية واليافاوية والضفاوية؟
 خاص دنيا الوطن- أروى صلاح
منذ سنوات قليلة، كان ارتداء الزي الفلسطيني التقليدي حكراً على كبار السن فقط، حيث كانوا يرتدونه في الحياة العامة، وليس في المناسبات فقط، وبات الأمر يغيب شيئاً فشيئاً حتى خاف البعض أن يندثر هذا التراث، غير أن أمراً ما جعل الثوب يعود إلى حياتنا من جديد من خلال تمسك الفتيات به أكثر، وتحاول كل منهن اقتناء ثوب بألوان زاهية عصرية.

لم يكن في يوم من الأيام الثوب الفلسطيني غريباً، فهو يتواجد في الأعراس وحفلات الحناء، وتختلف طرق التطريز في ثوب الفتاة عن ثوب المرأة والعروس، وعن ثوب العمل وثوب المناسبات والأفراح والأحزان، كما تتميز كل قرية بشكل رسمة ولون معين تختلف عن القرية الأخرى، بغض النظر عن أشكالها، لتؤكد على وحدة الأراضي الفلسطينية، التي قسمتها حواجز وجدران الاحتلال الإسرائيلي.

إذًا لماذا يختلف شكل الثوب الفلسطيني من منطقة لأخرى؛ فنرى شكل ثوب السيدة اليافاوية، يختلف عن الغزاوية، والمجدلاوية، والنابلسية، فلكل منطقة شكل معين؟.

عند النظر إلى الحاجة أم محمد (72 عاماً)، وهي ترتدي الثوب الفلسطيني التقليدي، ترى أن عيونها تبرق لوطنها فتبدأ بسرد تفاصيل الزي الفلسطيني وتقول: منذ الصغر وأنا ارتدي اللباس المطرز في جميع المناسبات والأفراح، وحتى أثناء عملي في الأرض، ومازلت مستمرة في لباسه، حتى عودتنا إلى أراضينا التي طردنا منها عام 1948.

وتكمل أم محمد، وهي ترتدي ثوبها المطرز بالألوان المتناسقة التي تعود جذورها إلى بلدة المجدل، فتذكر الفروقات التي تميز كل منطقة عن الأخرى في ثوبها فمن بينهم، الثوب المجدلاوي الذي يحمل خمسة أسماء: (الجلجلي، جنة ونار، وجنار، والبلتاجي) والذي يتم شغله على النول، وليس بالتطريز اليدوي، والمتميز بلونه الأزرق المخطط على ياقة مثلث شكل رقم سبعة، ليتباهى به نساء أهالي بلدة المسمية، وبيت دراس، وحمامة، وهربيا.

ومن بين الذكريات الطويلة التي عاشتها لفتت إلى أن أهالي شمال فلسطين، والقدس، ورام الله، ونابلس، وحيفا، ويافا يتميزون بالثوب الفلاحي ذي اللونين، الأبيض ليدلون على أنهم ميسورو الحال، بينما أهل غزة وضواحيها يكون لباسهم باللون الأسود ذي الخيط الأحمر لاشتهارهم بالحصاد، والزراعة، ودلالتها على لون الدم المسال في المعارك.

في كل زاوية يمر بها حسام أبو دية في متجره مركز تراث غزة والقدس (للمشغولات اليدوية و المطرزات الفلسطينية) بين المطرزات، والأثواب فلسطينية الزهدية بألوان عصريه يقول: إن الثوب الفلسطيني ذو تكلفة وقيمة مادية عالية، ولكن نحاول قدر الإمكان تخفيض الأسعار حتى يستطيع الجميع ارتداءه، خاصة في السنوات الأخيرة الذي زاد الطلب على الثوب المطرز من قبل الفتيات في قطاع غزة.

 وأكمل أبو دية، أن كل عروس أصبحت اليوم لديها الإصرار على جعل الثوب المطرز الفلسطيني، جزء من تجهيزات فرحتها المنتظره.

وتابع: لم يكن يقتصر تصديرها إلى الضفه المحتله فقط، بل أصبحنا اليوم نصدره إلى جميع الفلسطينيين في دول العالم في مدة أقصاها سبعة أيام، لافتاً إلى أن بضاعة متجره هي من صنع نحو 120 سيدة فلسطينية، متواجدة في قطاع غزه، يعملن بكل حب، وشغف لإبراز جمال فلسطين بأيديهم. 

في الشق الثاني من الوطن، لم يكن الأمر مختلفاً، فتقول زها حمدان (أم سوسن للتطريز والمطرزات) بمدينة رام الله، أن إقبال الفتيات على اقتناء الثوب الفلسطيني في الآونه الأخيرة بشكل كبير، زاد من إصرار الشعب الفلسطيني، وقدرته على مواجهة الصعوبات، والتهويد الذي تمارسه إسرائيل، محاولة طمس القضية.

 وأوضحت زها، أن الثوب الفلسطيني القديم، هو ثوب أصلي مميز نقشته القديمة التي يجب الاعتزاز بها، ولكن اليوم مع مواكبة التطور، والحداثة أضفنا اللمسات العصرية، والألوان الزاهية مع المحافظة على الشكل الأصلي من خلال الدمج بين الحاضر والماضي لجعل الفتيات، يتمسكن به أكثر.

 وتابعت أنها في الخامس والعشرين تموز/ يوليو سنُحيي يوم الزي الفلسطيني، للعام الخامس على التوالي، من خلال ارتداء اللباس التقليدي، وإحياء التراث الشعبي من الزفة، والدبكة الشعبية، والدحية في كل قرى، ومناطق فلسطين المحتلة.

"يوم الزي الفلسطيني" مبادرة شبابية انطلقت عام 2015 حملت على عاتقها مسؤولية الحفاظ على  التراث الفلسطيني من السرقة، والتزوير من خلال تنظيم فعالياتها في الخامس والعشرين من تموز/ يوليو من كل عام في مناطق وقرى فلسطين.

وأكدت منسقة مبادرة يوم الزي الفلسطيني، لانا حجازي، إن تمسكنا بتراث أجدادنا سيكون الرسالة لحملة التغيير، من أجل المحافظة عليها، وإيصال رسالة المقاومة على هذه الأرض بطرق مختلفة من خلال، إحياء التراث الفلسطيني.

وأوضحت حجازى، أن شعار "البس زيّك مين زيَّك" يرفعه الفلسطينيون في يوم الزي الفلسطيني، من كل عام ليؤكّد على أنَّ عهد الفلسطيني مع تراثه لا يتغير أو يتبدل رغم توالي الأيام، والأحداث ومحاولات الاحتلال في طمس هويّته وسرقة تراثه.

بدوره، بيّن الخبير بالتراث الفلسطيني الدكتور ناصر اليافاوي، أن الزي الفلسطيني له علاقة بطبيعة البيئة الفلسطينية، التي ينشأ بها الإنسان فمن بينهم ثوب المرأة الساحلية، ويافا، أسدود، والمجدل الذي امتاز بالبساطة الشديدة، كما هو الحال لدى الفلاحين وأهل حليقات، وكوكبا، وكان العكس لدى أهالي منطقة بئر السبع، والخليل، ورام الله الذي امتاز ثوبهم بكثافة التطريز بسبب توفر الوقت لنساء المدينة، وهذا ما قاله المثل الفلسطيني:"قلة الشغل بتعلم التطريز".

وأكد اليافاوي، أنه بعد احتكاكها بالاسواق العربية والأجنبية، انتقل الزي الفلسطيني إلى الحضارات التي جعلت إسرائيل، تحاول سرقته من خلال تعريضه للاندثار، محاولة طمس القضية الفلسطينية.

وشدد على أهمية الحفاظ على التراث الفلسطيني، والتمسك به كونه أداة قوية لمواجهة إسرائيل، وتدمير طموحاتهم بهدم التراث الفلسطيني العريق.

وكانت قد  ظهرت الملكة رانيا بارتدائها الزي الفلسطيني في مناسبات وطنية، إلى جانب العديد من الإعلاميات الفلسطينيات في مناسبات عديدة ومنهن الإعلامية الأردنية علا الفارس "من أصول فلسطينية" التي ارتدته برفقة أمها وجدتها، لتؤكد على بقاء الثوب الفلسطيني النسائي ما بقيت فلسطين، تقاتل فكرة "أن الكبار يموتون، والصغار ينسون" التي يسعى الاحتلال إلى ترسيخها جاهداً.

ويعتبر تداول هذا الزي على مر الأجيال نجاحًا ساحقًا لجميع الضغوط التي تعرضت لها الثقافة الفلسطينية، وسعت للحد من وجودها وتوسعها، فهو أفضل الشواهد على عادات وتقاليد المدن والبلدات المهجرة التي فقدت حقها بالوجود بسبب استبداد سياسات دولة الاحتلال.

التعليقات