تقرير لمركز معا: أفلام وثائقية عن النفايات وتدويرها

تقرير لمركز معا: أفلام وثائقية عن النفايات وتدويرها
رام الله - دنيا الوطن
ناقش تقرير أخير لمجلة آفاق البيئة والتنمية/ مركز معا أهم الأفلام الوثائقية حاصدة الجوائز في مجال البيئة، وتحديداً التغيرات المناخية، هدر الطعام، إعادة التدوير، وهموم العاملين في نبش النفايات وطموحاتهم في فتح مركز إعادة تدوير بأسلوب إبداعي ومثير. في هذا التقرير من إعداد الناشط البيئي عمر عاصي نستعرض أهم تلك الأفلام ودورها في تعزيز الوعي البيئي:

غارقون في القمامة.. 2012! 

مع أن العنوان قد يبدو متطرفًا، إلا أن من يشاهد الدقائق الأولى من هذا الوثائقي سيُدرك أن ورطتنا مع النفايات أكبر بكثير من تصوراتنا، فكثيرًا ما ينتهي تفكيرنا بالنفايات عند مرحلة إلقائها في الحاوية القريبة من منزلنا، وهذا ما حاولت المُخرجة كانديدا برايدي تغييره في فيلمها Trashed الذي يأخذ المشاهد في رحلة حول العالم.

 تبدأ الرحلة من شواطئ لبنان بصحبة الممثل جيريمي آيرونز (مملكة السماء) حيث النفايات تتكدس على شاطئ البحر في صيدا وتُساهم في واحدة من أكبر الكوارث البيئية في الشرق الأوسط، بل وتمتد آثارها إلى اوروبا حيث تنتقل النفايات إلى شواطئ تركيا وقبرص وايطاليا، ثم تمر رحلة "آيرونز" بعدها إلى  محطات مثل الصين حيث لا زال هناك بشر يستحمون بمياه ملوثة بالنفايات، وإلى أوروبا حيث محارق النفايات تلوث الهواء بالديوكسين الذي لا تظهر آثاره إلا بعد 30 عامًا أحيانًا من خلال أمراض السرطان والتشوهات الخلقية، ولكن كل هذه المشاهد والكلمات قد لا تُحرك المشاهد.. فأصعب مشاهد الفيلم هي لحظة الدخول إلى غرفة محتشدة بالمرطبانات في أحد مختبرات فيتنام، وقد حُفِظَت فيها جثث أطفال ولدوا مشوهين، وكأننا على حد قول أوزغي كالافاتو: أمام متحف لآثام البشر بحق البيئة.

ينتهي الفيلم بعرض لبعض الحلول مثل إنتاج البيوغاز من بقايا الطعام ومثل المتاجر الخالية من المُغلفات وحقائق تبعث الأمل من جديد مثل حكاية مدينة سان فرانسيسكو التي استطاعت أن تصل إلى تدوير 75% من نفاياتها! 

في هذا الفيلم ننتقل إلى مرحلة أكثر تخصصًا.. فالحكاية هنا لا تدور عن كُل ما نعرفه من نفايات حولنا ولكنها حكاية واحدة عن أهم أصناف النفايات وهي نفايات الطعام، ولعل أهمية هكذا وثائقي بالنسبة للمشاهد العربي تكمن في أن بلادنا وثقافتنا على امتداد التاريخ كانت ترفض أي شكل من أشكال هدر الطعام، واليوم بتنا نجد دول عربية مثل السعوديّة تحصل على المرتبة الأولى عالميًا في هدر الطعام. 

الأكيد أن هذه المُشكلة ليست عربية، ولكنها مشكلة عالمية، وهو ما يتم تسليط الضوء عليه خلال هذا الفيلم وهو يُحكي لنا كيف ينتهي الأمر بنحو 40% من الطعام في الولايات المتحدة الأمريكية إلى تلال القمامة، وفي المعدل؛ تقوم العائلة الأمريكية بهدر كميات من الطعام بمعدل 1500$ سنويًا، بينما هناك العديد والعديد ممن يعانون من الجوع في كل مكان، فضلا عن التأثيرات البيئية السلبية لإنتاج وإهدار الطعام.

ولعلّ أكثر ما يميز الفيلم هو تركيزه على الحلول العملية، فنجده يصحبنا لنرى كيف يتم إعداد طعام للحيوانات (الخنازير) من مخلفات الطعام بعد هرسها ومعالجتها حراريًا لضمان سلامة الحيوانات، ثم يصحبنا لنرى كيف يُمكن إعداد البيرة من بقايا الخبز، أو حتى سماع حكاية الطاهي أنتوني بوردين وهو يخبرنا بكل فخر كيف تعلم أن يستخدم في الطهي كل المتاح من المكونات، دون إهدار أي شيء.

ولأن موضوع هدر الطعام من أكثر المواضيع التي تُثار في الآونة الأخيرة بشكل مكثف، فـ %7 من الغازات التي تساهم في الاحتباس الحراري تعود إلى نفايات الطعام (مثل غاز الميثان) وكذلك فإن ما لا يقل عن ثُلث الطعام المنتج عالميًا يُهدر دون استخدام .. هذا غير وجود بعض الإجراءات التي تفرضها الحكومات والتي تساهم في زيادة كميات نفايات الطعام، مثل "تاريخ انتهاء الصلاحية"! 

في هذا الفيلم النرويجي يسافر ثلّة من الشباب النرويجيين لأكثر من 3000 كم بالدرجات الهوائية عبر النرويج ليبحثوا في أسرار وحكايات هدر الطعام، والأهم أنهم لا يكتفون بذلك بل يقومون طول الرحلة بتناول الطعام الذي يجدونه في نفايات المتاجر (السوبرماركت) وذلك للتأكيد على أن الكثير مما يُلقى في النفايات صالح للاستهلاك الآدمي، وموضوع "تاريخ الانتهاء" هو مجرد "خرافة" في الكثير من الأحيان! 

ففي رحلتهم نراهم يلتقون بأحد المزارعين ممن يطعم أبقاره من مخلفات الخضار والفواكه التي ترميها المتاجر ثم نرى صدمتهم وهم يتأملون كميات الخبز التي تلقى في القمامة ويحسبون قيمة الخسارة الاقتصادية الحاصلة، وكل ذلك من خلال أحاديث تدور بينهم وبين العاملين في المتاجر أو مع نشطاء آخرين وهو ما يجعل الفيلم سلسًا ومُسليًا أكثر من كونه رص لمعلومات وحقائق يطرحها خبراء.. ولعل أهم نقطة في الفيلم هي طرحهم لمسائل مهمة مثل الفرق بين جملة "يُفضل الاستخدام قبل" و"للاستخدام حتى" أو هل نحن بحاجة إلى الالتزام بتاريخ انتهاء الصلاحية على المنتجات المعلبة! 

هذا الفيلم يستغرق 51 دقيقة وهو متاح بالنسخة الانجليزية على صفحة المخرج  Kieran Kolle على اليوتيوب وهو حائز على جائزة Ektopofilm  2018.




من المهد إلى المهد Cradle to Cradle

بعد مشاهدة Trashed و Wasted و EXPIRED ووثائقيات أخرى مثل "المال من النفايات" لنشيونال جيوغرافيك وهو وثائقي قصير (20 دقيقة) ومتاح بالعربية ويتناول قضايا مثيرة مثل كيفية صناعة السماد من نفايات عضوية مثل براز البشر ( كل إنسان يُنتج 350 غرام يوميًا !!) أو حتى صناعة بيوت من اطارات السيارات واستيراد الصين للنفايات الأمريكية.. فإن الوثائقي الألماني Cradle to Cradle سيقدم له عالم مُختلف تمامًا من الأفكار التي تسعى لخلق عالم بلا نفايات.. وبأسلوب مُبتكر! 

هذا الفيلم هو مُقدمة لا بُد منها لمن يشعر أن هناك خللاً في ادارة النفايات وتدويرها على مستوى العالم، بما في ذلك الدول المتقدمة مثل ألمانيا والتي تعتبر الأولى عالميًا في مجال اعادة التدوير، علمًا بأن جزءاً كبيراً من نفاياتها يتم حرقه في معامل حرق النفايات. ولهذا فإن الكيميائي الألماني قام بتطوير مبدأ من المهد إلى المهد مُحاولًا القيام بثورة صناعية جديدة تضمن اختفاء النفايات إلى الأبد!

فعليًا.. فإن الفكرة مجنونة حقًا ولذلك فإن طريق هذا الكيميائي ليست سهلة ولم يلق قبولًا في بلده، بينما وجد قبولًا في هولندا، حيث يقوم مع ثلة من الخبراء بنشر هذا الفكر الجديد و"الثوري" فيقدمون الاستشارات لأصحاب الشركات مثل كيف يُمكن صناعة ملابس يمكنها أن تتحلل وتصبح سمادًا أو حتى كيف يُمكن صناعة كرسي يمكن تفكيكه والاستفادة من أجزائه بدلًا من إلقاءه في القمامة. 

هذا غير أفكار مثل تأجير شبابيك المنازل لـ 25 عامًا بدلا من أن يُهدر ما فيها من مواد لاحقًا.. وغير ذلك من أفكار ليست تقليدية أبدًا، إلا أن تطبيقها لا زال يُشكل الكثير من التحديات أمام العلماء والمهندسين ويتطلب منهم نظرة مختلفة جدًا للأمور من حولهم.. تختلف عمّا تعودوا عليه في التصميم والصناعة! 

الفيلم متاح على اليوتيوب ويمكن مشاهدته مترجمًا بالعربية من خلال الترجمة التلقائية لمن لا يجيد اللغة الألمانية. 

أرض النفايات WASTE LAND 2010

أرض النفايات.. لا يشبه ما سبقه من أفلام، فلا هو يُعنى بحقائق وأرقام مذهلة عن التلوث ولا حكايات الخبراء عن الجدوى الاقتصادية لمشاريع إعادة التدوير.. هذا الفيلم يكشفنا على عالم العاملين في نبش النفايات في أكبر مكب للنفايات في ريو دي جانيرو البرازيليّة، من خلال تجربة فريدة للفنان البرازيلي المشهور "فيك مونيز".

في مطلع الفيلم يكشف لنا "مونيز" سر شهرته حيث أصيب وهو صغير بطلق نارى فى قدمه من صبي ثري، وكتعويض دفع له الصبى مبلغاً كان كافياً لأن يشترى به تذكرة إلى أمريكا منحته الفرصة لأن يكون مشهوراً بفنه الذى يدور حول تحويل القمامة إلى منشآت عملاقة يعرضها ويصورها.

وبما أن فن "مونيز" يتقاطع مع منقبي القمامة في "ريو دي جانيرو"، يقرر مونيز أن يزور المكب ليلتقي بثلة من "النباشين" أو كما يسمون أنفسهم "مُنقبين عن مواد قابلة لإعادة التدوير" وهناك تبدأ قصة عاطفية غريبة معهم.. لا يُمكن سرد تفاصيلها بسهولة.. فملامح النباشين وهم يتحدثون عن مشاعرهم لا يُمكن تدوينها، كحكاية حُب بين إحدى العاملات في المكب وبين سائق شاحنة قمامة انتهت بخيبة أمل أو مشاعر الحماسة التي تتملك أحد العاملين وهو يتحدث عن طموحه بتأسيس مركز إعادة تدوير نفايات.

ثم مشاعر النباشين جميعًا وهم يرون اللوحات الفنية التي أعدها "مونيز" وتم عرضها في أحد أشهر معارض الفنون في البرازيل.. أو حتى الفرحة والبكاء ببيع لوحة من اللوحات بـ 50000 دولار في مزاد في لندن! 

يعتبر هذا الفيلم الوثائقي من أفضل الأفلام الوثائقية العالمية وكان مرشحًا لجائزة الاوسكار كأحسن فيلم وثائقي فى عام 2010!