البُعد الوطني في الوثيقة السياسية للجهاد الإسلامي

البُعد الوطني في الوثيقة السياسية للجهاد الإسلامي
البُعد الوطني في الوثيقة السياسية للجهاد الإسلامي

بقلم د. وليد القططي 

أصدرت حركة الجهاد الإسلامي في فلسطين فبراير 2018 وثيقة سياسية تضمنت مُقدمة وأربعة محاور، حددت فيها تعريفها وهويتها وموقعها من فلسطين والأمة العربية والإسلامية، والوضع الدولي. والوثيقة مدخل واطار فكري لمعرفة الفكر السياسي للحركة، ودراسة الفكر السياسي للحركة الإسلامية الفلسطينية، وهذه الوثيقة إضافة لوثيقة حركة حماس السياسية الصادرة عام 2017 تعتبران تطوراً مهماً وتعبران عن اتجاه البُعد الوطني للحركة الإسلامية الفلسطينية، خاصة في ظل الاتهامات المتكررة لها بأنها حركات (غير وطنية) مرتبطة بأجندات خارجية كالإخوان المسلمين وإيران. والحقيقة أن هذا الاتهام ينطلق من أرضية فكرية إقصائية تحتكر مفهوم الوطنية وفق خلفيتها السياسية. وهذا لا ينفي ضبابية المفهوم الوطني وضعف البُعد الوطني في أدبيات الحركة الإسلامية في الماضي، فمقارنة ميثاق حماس عام 1988 مع الوثيقة السياسية لحماس عام 2017 سنجد فرقاً واضحاً لصالح البُعد الوطني في الوثيقة في معظم بنودها ابتداءً من التعريف والهدف وحتى لغة الخطاب السياسي. 

لم يكن البُعد الوطني غائباً عن أدبيات حركة الجهاد الإسلامي منذ البداية، رغم تأثر الحركة بالفكر السياسي الإسلامي التقليدي باعتبارها حركة إسلامية تأثرت بالإخوان المسلمين، فقد جمعت  الحركة بين الإسلام كمنطلق ومرجعية، وفلسطين كقضية وهدف، والجهاد والمقاومة كوسيلة ونهج، وحلت التناقض الوهمي بين الانتماء الوطني لفلسطين، والقومي للوطن العربي، والديني للأمة الإسلامية. وأنهت الفصام النكد بين الإسلاميين والوطنيين، كما وضح ذلك مؤسس الحركة وأمينها العام الأول الشهيد فتحي الشقاقي عندما أجاب على سؤال عن مبررات نشأة الحركة فقال: "وجود نقاط ضعف في المشروع الوطني الفلسطيني تتركز حول الأيديولوجية السياسية الوطنية نفسها التي استبعدت الإسلام من محتواها الفكري، في الوقت نفسه إشكالية الحركة الإسلامية التقليدية التي كانت غائبة عن المسألة الفلسطينية... فمن يحملون الإسلام لا يتوجهون إلى فلسطين، ومن يتوجهون إلى فلسطين (التيار الوطني) يستبعدون الإسلام من محتواهم الفكري والنضالي، أما نحن فقد اكتشفنا أن فلسطين تقع في قلب القرآن، وأن فلسطين آية من الكتاب، وأدركنا بهذا الفهم مركزية القضية الفلسطينية بالنسبة للحركة الإسلامية والأمة العربية والإسلامية. ". 

وفي هذا السياق من الفهم يوضح الأمين العام الثاني لحركة الجهاد الإسلامي الدكتور المجاهد رمضان شلح مفهوم الوطنية والمواطنة في كتاب (الأسس والمفاهيم الإسلامية) البند رقم (18) بالنص التالي : "الترابط بين الإسلام وبين الوطنية ترابط وثيق راسخ، فحب الوطن من الإيمان، والدفاع عنه أوجب وأعلى فرائض الدين، والمواطنة في الدولة المسلمة تسع المسلمين بإسلامهم وولائهم لجماعة المسلمين، وغير المسلمين بولائهم للدولة، والجميع يشكلون معاً مجتمعاً إسلامياً، والناس فيه سواء، إلا ما اقتضاه التميز الديني ". وهذه نظرة متميزة لمفهوم الوطنية بالعقيدة والواجب الشرعي تجعل الدفاع عن الوطن واجباً شرعياً على كل مُسلم ومسلمة، والجهاد لتحرير الوطن إذا أُحتل فرض عين على كل رجل وامرأة، وأن إخراج المسلمين من ديارهم من أهم أسباب الجهاد في سبيل الله حتى العودة، وهي رؤية متقدمة لمفهوم المواطنة تنسجم مع (وثيقة المدينة) التي أعطى فيها الرسول – صلى الله عليه وسلم – حقوقاً وواجبات تعاقدية متساوية لكل مواطني الدولة كشركاء في نظام سياسي واحد أطلق عليهم الأستاذ راشد الغنوشي اسم (أمة المواطنة) التي تربطها الحياة المشتركة وتساوي الحقوق والواجبات في بقعة جغرافية واحدة هي (الوطن). 

يبرز البعُد الوطني للجهاد الإسلامي في الوثيقة السياسية لحركة الجهاد الإسلامي بدءاً بالتعريف وفي محاور وبنود الوثيقة، فالوثيقة تُعرف الحركة بـ "حركة الجهاد الإسلامي في فلسطين، هي حركة مقاومة فلسطينية، الإسلام مرجعها، وتحرير فلسطين من الكيان الصهيوني هدفها، والجهاد سبيلها" ، وتحديد مجال عمل وجهاد الحركة (في فلسطين) ككيان وطني فلسطيني، واعتبار الحركة (حركة مقاومة فلسطينية) كجزء من حركات المقاومة الفلسطينية الوطنية، وتحديد هدفها (تحرير فلسطين) هو هدف وطني ينسجم ومرحلة التحرر الوطني. وتحت عنوان الهوية والانتماء يحضر البُعد الوطني في كل بنوده المؤكدة على: إعلاء قيمة الانتماء للوطن وللأمة، والتأكيد على المسؤولية الوطنية لواجب التحرير، وتحديد أولوية الحركة ومهمتها الرئيسة في تحرير فلسطين، وتكرار تثبيت هوية الحركة كحركة تحرير وطنية، ورؤيتها لنفسها كجزء من التيار الإسلامي العام في العالم دون تناقض مع القيام بواجب الجهاد والمقاومة في فلسطين، في إطار التكامل بين التزامها الإسلامي، واعتزازها بالهوية العربية والإسلامية، وبين انتمائها الراسخ للوطن واعتزازها بالهوية الوطنية. 

وفي محور فلسطيني يتضح البُعد الوطني لحركة الجهاد الإسلامي في محور (فلسطين) وذلك  من خلال تأكيد الوثيقة على وحدة الأرض الفلسطينية بحدودها التاريخية زمن الاحتلال البريطاني، ووحدة الشعب الفلسطيني وقضيته الوطنية بكل مكوناته العقيدية، وتياراته الفكرية، وقواه السياسية والنضالية... كجزء لا يتجزأ من الشعب الفلسطيني وكشركاء في الوطن والنضال الوطني. إلى جانب إخوانهم المسلمين الفلسطينيين. وتؤكد الوثيقة على وجود الشخصية الوطنية للشعب الفلسطيني المستمدة من عقيدة الشعب وتاريخه وتراثه وثباته في الأرض المباركة وكفاحه من أجل تحريرها. باعتبارها هوية متكاملة بمقوماتها الوطنية والعربية والإسلامية والإنسانية. وبناءً على وحدة الشعب الفلسطيني كشخصية وطنية متميزة فقد جاء في البند السادس تحت عنوان فلسطين الشعب "أية مشاريع أو برامج سياسية، تقوم على تجزئة الشعب الفلسطيني أو استبعاد أي جزء منه، أو المساس بمقومات شخصيته وهويته الوطنية، تُعد فاقدة للشرعية، ولا تمثل الشعب الفلسطيني، ولا تعبر عن إراداته.". 

إن البُعد الوطني في الوثيقة السياسية لحركة الجهاد الإسلامي وأدبياتها الفكرية والسياسية هو جانب واحد  فقط من الفكر السياسي للحركة، فقضية فلسطين – كما جاءت في الوثيقة – بما لها من قداسة في الدين، وعمق في التاريخ، وأهمية وإستراتيجية وحضارية ليست قضية الشعب الفلسطيني وحده، أو قضية العرب وحدهم، بل هي القضية المركزية للأمة العربية والإسلامية جمعاء... وترتبط بكل قضايا العرب والمسلمين، ولن يتحرر العرب والمسلمون من واقع التجزئة والتخلف والتبعية، وكل مشاكلهم، ما لم تتحرر فلسطين، فتغيير حال الأمة وتحرير فلسطين أمران متكاملان، يهيئ أحدهما تحقيق الآخر، فنهضة الأمة واستقلالها وتوحدها هو طريق تحرير فلسطين، والعمل على تحرير فلسطين هو السبيل إلى النهضة والوحدة. 

التعليقات