النكبة تمثل مرحلة جديدة للتأريخ الفلسطيني

النكبة تمثل مرحلة جديدة للتأريخ الفلسطيني
النكبة تمثل مرحلة جديدة للتأريخ الفلسطيني 

بقلم : د. علي الأعور*

اعتادت الشعوب والأمم على تأريخ حياتها وحضارتها وثقافتها ومجتمعاتها  والتغيرات التي تحدث في تلك المجتمعات بفعل او حدث يسبب تغيير كامل في المجتمع وطبيعة العلاقات الاجتماعية والاقتصادية بما فيها التشرد والقتل والنفي والانتقال الى حياة جديدة  بكل ما تحمله من حياة قاسية  وحرمان  وذكريات تبقى مع الوطن الام.

وفي عام 1948  تعرض الشعب الفلسطيني الى اكبر مؤامرة عرفها التاريخ الحديث والمعاصر عندما تأمرت بريطانيا  والمجتمع الأوروبي واعلنوا عن وعدهم وتأييدهم لاقامة وطن قومي لليهود في فلسطين وكانت النكبة التي عاشها الشعب الفلسطيني  ودمر المجتمع الفلسطيني بكامله اكثر من 418 قرية ومدينة فلسطينية تم تدميرها  وتم تشريد اكثر من 750 الف لاجيء فلسطيني خارج ديارهم ووطنهم  واصبح غالبية الشعب الفلسطيني يعيش حياة اجتماعية واقتصادية جديدة وتم انشاء الانروا وهي منظمة دولية لإغاثة وتشغيل اللاجئيين الفلسطينيين حتى يعود الى وطنه .

واعتبر الشعب الفلسطيني ان النكبة هي مرحلة جديدة للتأريخ الفلسطيني  تسجل فيها وما بعدها وما قبلها من تاريخ وحضارة وثقافة انتجها الشعب الفلسطيني قبل وبعد النكبة  وهذا يعني ان النكبة لن تختفي ولن ننسى  وستبقى رمزا للتاريخ والهوية الفلسطينية.

وقد قمت بالعديد من الدراسات والمقابلات لتوثيق جزء من تاريخ النكبة اسوة بزملائي الباحثيين والمؤرخيين الفلسطينيين وقمت باجراء المقابلات  لاشخاص كبار في السن رجال ونساء  من قرية دير ياسين حيث روى لي احد المقاتلين " أبو محمود الياسيني " ما تعرضت له قرية دير ياسين من قتل ونهب  وكانت تمثل ابشع  مجزرة في التاريخ الفلسطيني  وكذلك مدينة اللد حيث قابلت المرحوم " الشافعي " وتحدث لي عن مجزرة مسجد دهمش  وكذلك قابلت " احد سكان بيت جبرين  العزة " وحدثني عن الية تشريدهم وطردهم من قريتهم.

وفي نهاية الأسبوع الماضي 5-7-2019  قدمت صحيفة هأرتس " باللغة العبرية " وثيقة صادمة موثقة  – كشفت عن مجزرة جديدة في قرية الصفصاف عام 1948.. 52 رجلا مقيدين  ببعضهم  البعض والقوا بهم في حفرة واطلقوا النار عليهم، منهم 6 رجال كبار في السن .. ثلاث حالات  اغتصاب وفتاة عمرها 14 عاما اطلق النار عليها وبلغ عدد ممن قتلوا في المجزرة 61 فلسطينيا من رجال ونساء وفتيات ولكن الأهم فيما كشفته صحيفة هأرتس "قبل اربع سنوات حاول عدد من رجال الامن في وزارة الدفاع الإسرائيلية  السيطرة على وثائق من النكبة وتزويرها " 

وهنا اود ان ارد على كل من يحاول تزوير او إخفاء احداث وتاريخ النكبة فانه فاشل لان النكبة مدونة  ومسجلة بشهادات الفلسطينيين الذين عاشوا النكبة بأحداثها ومأساتها ومسجلة أيضا بشهادات الجنود الإسرائيليين الذين قادوا العمليات العسكرية في القرى الفلسطينية من اجل طرد وقتل الفلسطينيين وخصوصا ممن شاركوا في تنفي الخطة ( د)  المعروفة بأهدافها تدمير كل مكونات المجتمع الفلسطيني من قرى وطرد جميع سكانها منها. تلك المحاولات لم تكن الأولى " فقد كانت دائما الأجهزة الأمنية الإسرائيلية تمنع فتح الأرشيف العسكري والارشيف المدني امام الباحثين  والجمهور من اجل إخفاء حقائق ما تعرض له الشعب الفلسطيني في النكبة عام 1948.

ومهما استمرت عمليات إخفاء الوثائق والشهادات  والصور  فإنها لن تلغي حقيقة واضحة ما تعرض له الشعب الفلسطيني عام 1948 من مذابح ومجازر وفي مقدمتها مجزرة الطنطورة ودير ياسين واللد وبلد الشيخ واليوم تم الكشف عن مجزرة الصفصاف وبالتالي ستبقى النكبة رمزا لتاريخ قيام إسرائيل على دماء ومكونات المجتمع الفلسطيني كله، وفي دراسة موثقة ومشتركة مع باحثة إسرائيلية قمنا بأعدادها من خلال الأرشيف الفلسطيني والإسرائيلي  تمكنا من التوصل الى ان ما حصل في قرية دير ياسين يمثل مجزرة وجريمة حرب.

وكنت دائما اقدم للطلاب اليهود في برنامج الدكتوراه في الجامعة العبرية  " مقابلات بالفيديو مع فلسطينيين عاشوا النكبة واحداثها وما تعرض له الفلسطينيون من قتل وتشريد  وكانت تسجل تحولا كبيرا في فكر  الطلاب اليهود لانهم لم يتعلموا في المدارس الا " لحن و موسيقى – العرب رفضوا قرار التقسيم عام 1947" " الفلسطينيون هم من تركوا ارضهم وقراهم" حتى المناهج الإسرائيلية لا تقدم الرواية التاريخية  الحقيقة للطلاب اليهود حول ما حدث عام 1948 ودائما كان هناك عنوان للطلاب اليهود " حرب الاستقلال بدلا من النكبة " ولكن اليوم اعتقد ان الصورة مختلفة تماما فهناك العديد من المؤرخين الإسرائيليين مثل " الان بابيه"  والاعلام الإسرائيلي مثل صحيفة " هأرتس " يقدمون  ولو جزء من الحقيقة ما حصل عام 1948 ولكنها تسجل بداية طيبة لتعليم الجمهور الإسرائيلي والطلاب اليهود " القصة الحقيقة عام 1948 – النكبة"

 *باحث ومختص في المجتمع الإسرائيلي 

التعليقات