هل جبهة الثقافة بخير؟

هل جبهة الثقافة بخير؟
هل جبهة الثقافة بخير؟

مهند عبد الحميد

2019-07-02

صدر العدد 119 من مجلة الدراسات الفلسطينية متضمناً ملف (فلسطين في مرايا الثقافة العربية) الذي استحوذ على أغلب صفحاته. ويبدو أن هيئة تحرير المجلة أرادت الاستقواء بالثقافة لحظة انهيار النظام السياسي العربي، ودعت الى إعادة بناء العلاقة الفلسطينية العربية على أسس جديدة. هذا ما تشير اليه مقدمة الملف لرئيس التحرير الياس خوري حين قال: أردنا في مجلة الدراسات الفلسطينية كسر الحصار الرسمي العربي الخانق على فلسطين عبر نصوص تكتبها مثقفات ومثقفون عرب – ناهز عددهم الـ 39 –  وطرح خوري أسئلة في غاية الأهمية من نوع، كيف نقاوم تشاؤم العقل بتفاؤل الإرادة والقلب؟ وهل تستطيع الثقافة العربية المهددة بالقمع والمنع والرقابة أن تنقذ نفسها عبر استعادة نبضها الفلسطيني؟ وهل فلسطين قضية حرية قادرة على استعادة مكانتها كجزء ملهم في معركة حرية العرب ومقاومتهم لزمن الانحطاط المحمول على قرن صفقة ليست إلا الاسم الآخر للنهاية؟ شهادات كوكبات المثقفات والمثقفين المتنوعة والصريحة  والنقدية في ملف مجلة الدراسات تفتح ثغرات في الحصار، وتشرع في ترميم المعنويات التي وصلت الحضيض على جبهة السياسة والسياسيين.  

 «فلسطين ومستقبل العرب، بحثا عن معنى الحرف « و» ، مقالة كتبها إدوارد سعيد حول واقع انفكاك النظام العربي عن القضية الفلسطينية في العام 1987، أعاد فيها تعريف العلاقة بالقول: فكرة فلسطين موجودة بالضبط ليس فقط بقدر ما نؤمن بها، بل بقدر ما نكافح من أجلها ونجعلها فاعلة ونمنحها تأثيراً وقوة». انها الصلة التي نخلقها وننتجها ونصممها بين فلسطين ومستقبل العرب، منتقداً بذلك سطحية الخطاب الذي يتحدث عن «مؤامرة» و»موت العروبة». وكعادته أحال سعيد إعادة إنتاج العلاقة للثقافة، مستذكراً ومتسائلاً: مَن منا يشك في أن شعراءنا وروائيينا هم من أبقوا لغة فلسطين حية، وأنهم هم من سلطوا الضوء على وقائع الحياة العربية وأشاروا الى مستقبل جماعي، واجبنا الأول ان نترجمه ثم نعيشه بأمانة». وجاءت شهادة خالد صاغية لتعزز مكانة الثقافة حين قال: في كل مرة كانت الثقافة الفلسطينية تكسر الحصار وتعيد اختراع فلسطين بمعنى ما، كأدب غسان كنفاني المقاوم، وولادة الفدائي المخلص عند جبرا ابراهيم جبرا، ورفض الهزيمة وتحرير الفلسطيني من صورة الضحية عند محمود درويش. ويضيف صاغية: «تبدو الساحة الفلسطينية ملأى بأسماء تعيد اختراع فلسطين مرة جديدة في الادب والسينما والفن المعاصر، ويدعو الى تحرير الثقافة الحية من ثقافة التحنيط وتحرير العيش تحت الاحتلال من التستر على علاقات القمع الاخرى كالاستبداد والذكورية والاضطهاد. ويستعين صاغية بتلخيص علاء حليحل لدور الأدب «بإعادة الثقة والحياة الى الفلسطيني بدلاً من إدمان السلبية والاتكالية وبكائيات النكبة».   

ايجاد رابط جديد بين فلسطين والعالم العربي الذي دعا إليه سعيد، يتطلب «إعادة تشكيل حركة وطنية فلسطينية جديدة وفاعلة» كما قال «نوبار هوفسبيان». ولا شك ان هذه المهمة وثيقة الصلة بإعادة تشكيل قوى المعارضة العربية أيضا. فبمثل ما نجح النظام العربي في استئناس الحركة الوطنية الفلسطينية وتحويل منظمة التحرير الى جزء من النظام العربي، نجح اكثر في قمع وترويض قوى المعارضة الى المستوى الذي باتت فيه منعزلة عن قواعدها الشعبية والتنظيمية. وكان من نتائج ذلك انفصال وهامشية قوى المعارضة عن الانتفاضات الشعبية الكبرى وعجزها عن مواكبتها وقيادتها، ما جعلها عرضة للتدخلات الخارجية، ولبطش العسكر، وسرقة قوى الإسلام السياسي لها.  

 حرية فلسطين جزء لا يتجزأ من حرية الشعوب العربية، كانت ملتبسة بوجود أنظمة عربية تؤيد حرية فلسطين وتفصلها عن حرية الشعوب العربية، وأنظمة تدعم حرية فلسطين في سياق دعم التحويل الذي قاد الى الهاوية. ديمة ونوس أوضحت الالتباس بالقول: فلسطين ليست مجرد قضية مقدسة، القضية هي ناسها وشعبها من بشر وزعماء ورموز  وشعراء ومناضلين. لقد غُيب الكائن الفلسطيني وصارت فلسطين هي المكان الذي يسكنه الإسرائيلي وليس الفلسطيني. فلسطين قضية وليست شعباً. هنا تضع ونوس اصبعها على الجرح،  فعندما يتم تقديس القضية ويتم تهميش وأحياناً إذلال وخنق وقمع شعبها، تنفصل القضية عن شعبها، وتنفصل فلسطين عن العرب، ويتحول مشروع التحرر والمقاومة  الى ورقة للاستخدام. وتضيف ونوس: كانت فلسطين قضية الزعماء والصالونات والكلمات الافتتاحية في المهرجانات، صارت فلسطين قضية شعوب - لطالما كانت قضايا التحرر الفلسطيني والعربي واحدة-  «في زمن الانتفاضات العربية» – رغم ما أصابها من إخفاق نتيجة القمع الدموي ودعم الثورات المضادة والتدخلات الخارجية -. 

أصبحت فلسطين جزءاً في دائرة النضال من اجل الحرية والديمقراطية والعدالة الاجتماعية، هذا ما يقوله جلبير الاشقر، الذي يرهن التحرر الفلسطيني بتقدم التحرر العربي، بمعنى أن مصير التحرر الفلسطيني رهن بمصير التغيير الثوري العربي، إذ إن موازين القوى لا تتيح للشعب الفلسطيني من التغلب على الدولة المحتلة منفرداً. وفي هذا الصدد يطلق الشعب الجزائري الرائد في التحرر مبادرته في ربط التحررين. يقول واسيني الأعرج : يرفع الجزائري البسيط اليوم العلم الفلسطيني في كل حراكه الضخم ليثبت للعالم ان فلسطين قضيته الاولى. وعلى جبهة الثقافة يتساءل الاعرج، هل المثقف لم يعد قادرا على ابداع فلسطين الأخرى، كيف يمكن تخيل زمن آخر أكثر قابلية للحياة؟ ويجيب، على المثقف تفكيك اليقينيات التي لا تقبل بالهزيمة وتحولها إلى انتصارات وهمية، كما فعل ايميل زولا الذي وجه رسالة مشهورة إلى رئيس الجمهورية الفرنسية حملت عنوان «إني اتهم». فليس أمام المنهزم إلا إعادة قراءة تاريخه بشكل نقدي صحيح والحفر في اللحظة المؤسسة للهزيمة لتجاوزها وتخطيها كما فعلت في «سوناتا لأشباح القدس» و»رماد الشرق». ويختم الأعرج بالقول، كم نحن في حاجة عربياً إلى عمل أدبي ملحمي كبير. 

«علي أومليل» يبحث في العوامل الخارجية بمستوى من التفاؤل حين يقول : القرن 21 من المتوقع أن يكون آسيوياً، ومن المعروف أن الأمم الآسيوية لا تحمل عقدة الهولوكوست ولا تشترك في اي شيء مع ذاكرة العهد القديم، وستكون مقاربتها للقضية الفلسطينية مقاربة مصالح اقتصادية وجيوسياسية فقط. وهي غير معنية بالتكفير عن الهولوكوست ولا مثقلة بالذاكرة التوراتية كما فعل الغرب الذي تعاطى مع التوراة كوثيقة ملكية عقارية يدلي بها في الشهر العقاري. - منذ وعد بلفور، وصك الانتداب، وما بعد المحرقة- . .... يتبع 

[email protected]

التعليقات