ماذا تريد الإدارة الأمريكية من الاستعراض البهلواني في ورشة البحرين؟

ماذا تريد الإدارة الأمريكية من الاستعراض البهلواني في ورشة البحرين؟
ماذا تريد الإدارة الأمريكية من الاستعراض البهلوانى في ورشة البحرين؟

د. عبير عبد الرحمن ثابت

انتهت ورشة البحرين الاقتصادية وسكت الجميع بعدما رصد ما يقارب 28 مليار دولار على هيئة مشاريع تنموية فى الأراضي الفلسطينية المحتلة على مدار العقد القادم؛ فيما خصص قرابة 20 مليار لنفس الغرض فى كل من مصر والأردن ولبنان، وتمثل الخطة مشروع ضخما بمقدوره تغيير وجه المنطقة الاقتصادى إذا أصبحت تلك المشاريع واقعا ملموسا على الأرض؛ ولكن هذه المشاريع تتطلب منطقة آمنة ومستقرة سياسيا وكلا الشرطين لا يتوفران فى المنطقة؛ وخاصة الأراضي الفلسطينية التى ما انفكت وزارة الخارجية الأمريكية تحذر رعاياها من السفر لها مع كل جولات التصعيد التى تندلع بين الفينة والأخرى، وهذا ما يطرح علامات استفهام كبرى على جدية تلك المشاريع من حيث إمكانية تطبيقها فى ظل المناخ السياسى الحالي فى الأراضي الفلسطينية خاصة مع الرفض الحاسم الذى تبديه القيادة الفلسطينية من الورشة ومن صفقة القرن والذى يستند إلى دعم فصائلي وشعبي عريض.  

والسؤال ماذا تريد الادارة الأمريكية من كل هذا الاستعراض البهلواني الاقتصادى فى البحرين

للإجابة على هذا السؤال علينا أن نضع نصب أعيننا بعض الحقائق التى لن نستطيع إداركها الا بنظرة بانورامية استشرافية فى الجغرافيا السياسية الدولية الحالية لندرك كيف تفكر دوائر صنع القرار السياسي فى الولايات المتحدة؛ وما هو الموقع الذى تحتله منطقة الشرق الأوسط والقضية الفلسطينية فى أولويات تلك الدوائر؛ وغني عن التذكير أن منطقة الشرق الأوسط  كانت خلال العقود السبع الماضية درة تاج النفوذ الامبراطورى الأمريكي فى العالم؛ لكن هذا النفوذ بدأ يواجه خلال العقدين الماضيين تحديات خطيرة من قوى امبراطورية كروسيا التى استطاعت استعادة مناطق نفوذ تاريخية لها فى الشرق الأوسط عبر الأزمة السورية؛ ولكن الخطر الحقيقي يتمثل فى التنين الصين الذى يمتلك كل الميكانزمات الحديثة لتشكيل النفوذ الامبرطوري الذى لم يعد أهم مقوماته القوة العسكرية بقدر ما أصبح امتلاك القدرة التكنولوجية والعلمية فى كافة المجالات  وكذلك القدرة على غزو الأسواق العالمية والمنافسة بغرض الاستحواذ، وكل تلك المقومات هي فى الحقيقة فى متناول الصينيين.

ومن هذا المنطلق تدرك دوائر صنع القرار فى الولايات المتحدة الأمريكية أن التحدى الحقيقي لها خلال هذا القرن هو الصين؛ وبالتالي فإن منطقة الشرق الأوسط  وخاصة منطقة الخليج تمثل اليوم حجر الزاوية فى الاستراتيجية الأمريكية لكبح جماح التنين الصيني كونها تمثل أحد أهم مناطق مصادر الطاقة التى تعتمد عليها الصين بشكل أساسي فى إدارة عجلة الصناعة الصينية؛ وعليه كان التحول الدرامتيكي المفاجئ فى السياسة الأمريكية فى الشرق الأوسط على يد إدارة ترامب؛ والتى هي انعكاس لرغبات لوبيات سياسية فى الولايات المتحدة الأمريكية تمثل شركاتها أعمدة الاقتصاد الأمريكي؛ وأولئك هم فى الحقيقة أول الخاسرين من فقدان الولايات المتحدة لهيمنتها الاقتصادية على العالم؛ وهم من يصنعون القرار السياسي الأمريكي لأنهم أصحاب القرار فيمن يصل إلى سدة البيت الأبيض وهم من قرروا أن يصل أحد بارونات الاقتصاد الأمريكي إليه برغم كل المحاذير الأخلاقية التى مثلها وصول رجل كترامب على منظومة الأخلاقيات للولايات المتحدة الامريكية .

من هنا يمكننا إدراك أن التحول فى السياسة الأمريكية هو نهج جديد سيستمر لعقود قادمة وأن ادارة ترامب إنما تضع أسسه وقواعده؛ وأهم تلك القواعد والأسس ترسى دعائمها اليوم فى الشرق الأوسط عبر ما يعرف بصفقة القرن؛ والتى سيستغرق تنفيذها عقد من الزمن لترسيخ النفوذ الأمريكي ومنع اقتراب النفوذ الصينى إلى الشرق الأوسط علاوة على استخدام تلك الهيمنة على المنطقة لإضعاف ذلك النفوذ عالميا.

وصفقة القرن فى الحقيقة هي تجميد للصراع الفلسطينى الاسرائيلي لعقد أو عقدين من الزمن ليتسنى للإدارة الأمريكية إدارة تحالف عربي اسرائيلي قوى وفاعل يكون بمقدوره مواجهة أى نفوذ امبراطورى منافس حالي أو مستقبلي فى المنطقة؛ والمواجهة الأمريكية الايرانية فى الخليج هى أول تلك المواجهات الحيوية، لذلك فان صفقة القرن هي صفقة اقتصادية تستعد الادارة الامريكية لتنفيذها اقتصاديا خلال العقد القادم؛ أما الشق السياسي فقد نفذ بالفعل عبر حسم أهم ملفات قضايا الحل النهائي فى الصراع الفلسطيني الاسرائيلي فى كل من قضايا القدس واللاجئين وما تبقي لتعلنه الادارة الامريكية من الشق السياسي لا يعدو كونه القشور المتبقية من قضايا الصراع.

والولايات المتحدة الأمريكية اليوم ليست معنية بحل الصراع بقدر ما هي معنية بتجميده عند الواقع القائم حاليا على الأرض على الأقل خلال العقد القادم؛ وهو ما يعنى ببساطة أن الإدارة الأمريكية تراهن على عامل الزمن والواقع الذى ستفرضه على الأرض فى اعادة صياغة مرجعيات الحل السياسي النهائي المستقبلي للقضية الفلسطينية؛ وهى فى هذا الصدد تقامر ب50 مليار دولار من أموال عرب الخليج وهى لن تكلف الخزانة الأمريكية دولارا واحدا فى تلك المقامرة التى تراهن من خلالها على إبقاء الفلسطينيين هادئين ومن ورائهم شعوب المنطقة، بينما تمرر الولايات المتحدة مخططها الاستراتيجي الامبراطورى.

وبذلك فإن الموافقة السياسية الفلسطينية من عدمها على ما يجري من ترتيبات سياسية واقتصادية على الأرض لن تكون ذات تأثير واقعي على تلك الاستراتيجية الأمريكية طالما بقيت الأوضاع هادئة فى الأراضي الفلسطينية ومنطقة الشرق الأوسط وتسير على نفس المنوال القائم منذ ما يزيد على عقد من الزمن؛ وطالما بقي الفلسطينيون مشتتين بين المحاور السياسية الاقليمية والدولية وغير قادرين على استشراف خرائط  الجغرافيا السياسية الدولية والاقليمية فلن يجدوا لأنفسهم موطئ قدم فيها.

أستاذ علوم سياسية

[email protected]

التعليقات