وطن ليس للبيع!

وطن ليس للبيع!
مهند عبد الحميد

تحدثت خطة ترامب الاقتصادية عن صندوق مال "سيكون بداخله" نظرياً 50 مليار دولار. يوزع المبلغ على الشكل التالي: 28 مليار دولار للأراضي الفلسطينية (الضفة والقطاع). 9 مليارات حصة مصر، 7 مليارات حصة الأردن و6 مليارات حصة لبنان. وفي التفاصيل تتحدث الخطة عن 179 مشروعاً، بينها إقامة طريق يربط قطاع غزة بالضفة الغربية بقيمة 5 مليارات دولار. كل هذه الأمور تناقشها ورشة المنامة يومي 25، 26 حزيران الجاري. الإعلان والدعاية وأحاديث كوشنير وفريقه عن النعيم والرفاه الاقتصادي والمعيشي "النظري" الذي سيجلبونه لجزء من الشعب الفلسطيني له ثمن يعد من أعلى وأضخم وأندر الأثمان المطلوب من فلسطين تقديمها، والتي لا يوجد لها مثيل في العالمين القديم والحديث. الثمن المطلوب: تنازل الشعب الفلسطيني عن وطنه وحقوقه المشروعة - التي عرفتها الأمم المتحدة بأنها غير قابلة للتصرف، مقابل شيكات بمليارات الدولارات دون رصيد، ووعود بحل الأزمة والضائقة الاقتصادية التي صنعها الاحتلال.

السؤال: من يقبل بمقايضة من هذا النوع؟ أي شعب وأي دولة تقبل مقايضة وطن وحق تقرير مصير وكرامة وطنية وإنسانية ومعها الشرعية والقانون الدوليين المعبر عنهما بمئات القرارات التي تعترف بالحقوق الفلسطينية؟ من يقبل التنازل عن كل هذا مقابل ازدهار اقتصادي مزعوم أو مقابل الخروج من حالة الاختناق الاقتصادي الذي صنعه الاحتلال وإدارة ترامب؟

ولا يغيّر من هذا العرض المتغطرس، الحديث الأميركي عن جزء سياسي مودع في شنطة كوشنير سيتم الإعلان عنه بعد انتخابات الكنيست الإسرائيلية في تشرين الثاني المقبل. واقع الحال لقد بدأ ترامب بالجزء السياسي المشوق لنتنياهو وأمثاله المستوطنين، منذ اعترافه بالقدس عاصمة موحدة لإسرائيل ونقل سفارته إليها، وأتبعه بشطب قضية اللاجئين ومعها الأونروا، مروراً بإشاعة الاستيطان وإجازة ضم المستوطنات والجزء الأكبر من الضفة الغربية لدولة الاحتلال، وانتهاء بتجاهل إقامة دولة فلسطينية. إذا وضعنا البنود السابقة وهي جوهر الحل السياسي جانباً، فلا يبقى شيء آخر يمكن توقعه أو انتظاره في الجزء السياسي من الصفقة. ولا قيمة للورقة السياسية المزمع الإعلان عنها لاحقاً؛ لأنها فارغة المضمون، ولا يوجد أي مبرر حتى من الصنف التكتيكي لانتظار فلسطيني لما تخبئه الصفقة من تفاصيل ورتوش عديمة الفائدة. ولا يغير من طبيعة الحل الأميركي المتداول سراً وعلناً، كلام كوشنير وفريقه حول وجود جزء سياسي يتكامل مع الجزء الاقتصادي، فالجزء السياسي معلن ولا ينقصه سوى تفاصيل ورتوش ومساحيق ما زالت في جعبة كوشنير. جزءان سياسي واقتصادي منسجمان من وجهة نظر المستعمرين ويقودان إلى شطب وطن وحقوق شعب. نتيجة بديهية لا تحتاج إلى برهان أو انتظار، فالقتل السياسي للقضية الفلسطينية بدأ ويسير على قدم وساق.

نتنياهو الذي يحمل في جيبه قرارات ضم القدس وشطب اللاجئين وإشاعة الاستيطان والسيادة الإسرائيلية الكاملة، وشطب الدولة الفلسطينية، هذا الرجل، "يستغرب" الرفض الفلسطيني لصفقة ترامب قبل الاطلاع عليها! وفي المقابل، فإنه يعد بدراستها كي يتسنى له اتخاذ موقف، وقد يجد داخل معسكره القومي الديني العنصري من يرفض الرتوش والوعود التي تقدم للطرف الفلسطيني، لهذا السبب فهو يحتاج إلى مزيد من الوقت؛ كي يقبل أو يرفض الرتوش والوعود الخاصة بالفلسطينيين!

إن تقرير مصير شعب ووطن من قبل رجل أعمال مبتدئ اسمه كوشنير يبدو أنه لا يعرف شيئاً عن الشعب الفلسطيني، يساعده في ذلك مستوطِنان عنصريان، هما: السفير فريدمان، ومبعوث ترامب غرينبلات، ودوائر اتخاذ القرار التي تتعامل مع السياسة من باب جمع الأموال والربح والنهب والهيمنة، والمدعمة بأيديولوجيا دينية عصابية، ورئيس غريب الأطوار والأوصاف يمتاز باتخاذ مواقف متعاكسة في زمن قياسي جل ما يميزها أنها ضد القانون الدولي، رئيس لا يعترف بالمواثيق والمعاهدات والاتفاقات والقرارات التي كانت على الدوام محط قبول والتزام عالمي، إلا ما ندر وشذ عن القاعدة، كدولة إسرائيل. ما يفعله ترامب وفريقه بالقضية الفلسطينية يشكل استهتاراً وتحدياً للشعب الفلسطيني ولكل الشعوب العربية، فضلاً عن ظلمه الفاقع وغطرسته التي تنشر الكراهية وتؤجج الصراع، وتهدد الاستقرار.

إن سياسة الإملاءات والضغوط والعقاب الأميركية، لا تقتصر على الشعب الفلسطيني، بل تمتد إلى بلدان أخرى كالأردن الذي تحاول إدارة ترامب "تقليصه من دولة وشعب إلى مجرد حيز جغرافي لحراسة القلعة الإسرائيلية وحمايتها، وعندما يترافق ذلك مع إلغاء حقوق الشعب الفلسطيني، فإن ذلك يشكل خطراً إستراتيجياً على الدولة الأردنية". كما تقول الزميلة لميس أندوني في مقالتها بعنوان: "الأردن دولة وليس برج حماية لإسرائيل/ صحيفة العربي الجديد. كذلك فإن سعي إدارة ترامب إلى إذابة قطاع غزة في النطاق المصري، وإذابة اللاجئين الفلسطينيين في الأردن أساساً، وفي لبنان وسورية بمستوى أقل، سيترتب عليه تغييرات جيوسياسية مصطنعة ومقحمة على التطور الطبيعي لشعوب المنطقة. وعندما يقترن ذلك بتحقيق أطماع استعمارية إسرائيلية، وبفرض شكل جديد من الهيمنة السافرة المتناقضة مع مصالح شعوب المنطقة، فإن من شأن ذلك إما إشاعة حالة من الفوضى، أو توحد شعوب المنطقة في مواجهة هذا الخطر الداهم.

ويبقى وجه الغرابة في المشروع الأميركي الاقتصادي، أنه يعتمد على المال العربي الرسمي والخاص بنسبة كبيرة، والأنكى أنه يضع المال العربي في خدمة سياسة ضم القدس وشطب اللاجئين والدولة، وضم الأجزاء الحيوية من الضفة الغربية، وفرض السيادة الإسرائيلية عليها. وما يعنيه ذلك من تصفية الحقوق الفلسطينية. أين المصلحة العربية في ذلك؟ وإذا تعاملنا بلغة الرياضيات وكنا أمام مثلث ضلعه الأول إنعاش الشعب الفلسطيني اقتصادياً، وضلعه الثاني تصفية حقوقه الوطنية المشروعة، وضلعه الثالث المال العربي، نجد التنافر بين أضلاعه الثلاثة التي رسمها كوشنير وفريقه بعقلية المستعمرين القدماء. وهنا لا يمكن تحقيق الانسجام بين أضلاع المثلث. تاريخياً كان المال العربي يدعم فلسطين في مواجهة القطب الإسرائيلي. الآن يريد ترامب وضع المال العربي للقضاء على حقوق الشعب الفلسطيني المشروعة.

لأن التنافر واللامعقول والغطرسة والادعاء والظلم والجشع والجنون وغير ذلك من أوصاف متوفرة بكثرة في مهزلة القرن.. لأن الوطن الفلسطيني ليس للبيع.. لأنها تملك كل أسباب الفشل.. لأن بوادر الرفض الشعبي العربي بدأ في فلسطين والأردن والمغرب وتونس، فإن حظ المهزلة من النجاح يقترب من الصفر.

[email protected]

التعليقات