"الدولة والإخوان" من جديد

"الدولة والإخوان" من جديد
كتب عريب الرنتاوي

واكب القضاء مسارات التقارب الأخيرة بين جماعة الإخوان المسلمين والدولة الأردنية... الشهر الفائت، أصدرت محكمة الجنايات حكماً ببراءة 24 قيادياً إخوانياً من تهم بالفساد واستغلال جمعية الأصل إنها اجتماعية خيرية، لأغراض سياسية وحزبية، بعد أكثر من عقد من الزمان من الأخذ والرد ... وأمس، أصدرت محكمة التمييز، قراراً أسقط عن "جمعية الجماعة" المنشقة عن الجماعة الأم، صفقة "الوريث الشرعي" للجماعة وممتلكاتها وإرثها، رغم أنه في المقابل، قضى بأن الجماعة الأم في حكم المنحلة منذ العام 1953، وهذا من أغرب الأحكام القضائية، إذ يعلن عن جميعة بأنها غير موجودة قانونياً، منذ 66 عاماً، خاضت خلالها انتخابات برلمانية وبلدية، وتقلدت حقائب وزارية وشاركت في حكومات وأدارت جامعات ومواقع مرموقة في الدولة، وأجرت محادثات مع عشرات الحكومات وملكين تعاقبا على حكم البلاد.

سياسياً، لا يخفى على أحد، أن ريحاً جديدة تهب على العلاقة بين الدولة والإخوان، معلومات عن لقاءات خارج الأضواء وأخرى تحتها، ولقاء مثير الاهتمام بين كتلة الإصلاح وجلالة الملك، ومبادرة "تصالحية" تصدرها الجماعة تعكس رغبتها في فتح صفحة جديدة، تأتي متوازية مع انسحاب الجماعة من الشارع وتركه للحراكات الشبابية، التي سيظل تأثيرها متواضعاً، مهما تضخم.

للدولة مصلحة في "ضبضبة" ملف الإخوان، إخراجهم من الشارع فيه مصلحة كبيرة في هذا الظرف بالذات، حيث تشتد الضائقة الاقتصادية – الاجتماعية من جهة، وتشتد معها تحديات الداخل والخارج من جهة ثانية ... لقد أعطى هذا "التكتيك" أكله، فالحراك منذ عام تقريباً، وهو يدور في حلقة مفرغة، وقد تحول إلى "طقس اجتماعي" متكرر ومكرور، بدل أن يكون عامل ضغط وحامل تغيير.

والدولة أدركت بعد لأي، أن رهاناتها على جماعات بديلة وموازية ومنشقة، هو رهان في غير محله ... لقد طاشت هذه التقديرات، بعد أن أظهرت الجماعة وحزبها، أنهما "الوريث الشرعي الوحيد" للجماعة الأم، وإرثها الممتد لما يقرب من ثلاثة أرباع قرن، ولقواعدها الجماهيرية الضاربة في البنية الاجتماعية الأردنية.

وللإخوان مصلحة في التهدئة، فـ"الموجة" التي تستهدفهم عالية جداً، والوقوف في وجهها يعني المقامرة بكل شيء دفعة واحدة، ولا بد من انحناءة أمام العاصفة ... لا بد من "ملاذ آمن" تلوذ به الجماعة من السيوف التي تتهدد أعناقها والحبال التي تنتظر رؤوسها ... الأردن هو هذا الملاذ، ولقد قاومت عمان ضغوطاً متعددة الأطراف بهدف استئصال الجماعة التي تكاد بريطانيا والولايات المتحدة تعلنانها جماعة إرهابية، وليس دول عربية متزايدة فحسب.

لقد راهن البعض على تعذر أو "استحالة" عودة المياه إلى مجاريها بين الدولة والجماعة، ولأسباب شتى، من بينها الضغوط التي يمكن أن يتعرض لها الأردن من قبل بعض حلفائه ... والحقيقة أن هؤلاء "الحلفاء" أنفسهم، لم يمنعهم عداؤهم السافر للجماعة، من البحث عن "تحالفات" مع بعض فروعها، فهم في البرلمان البحريني، وهو يقاتلون إلى جانب "التحالف العربي" في السعودية، ووفود حماس لا تكاد تغادر القاهرة إلى لتعود إليها ... إن جاز لهؤلاء أن يقيمون علاقات مع الجماعة، وإن لأسباب تكتيكة، فللأردن أسباب أكثر وجاهة لـ"تطبيع" علاقاته مع مكون رئيس من مكونات مجتمعه.

لا ندري ما الذي سيطرأ على العلاقة بين الدولة والجماعة بعد قرار أعلى محكمة أردنية ... لكن المؤكد أن الدولة باتت تتوفر على خيارات شديدة التعدد والتنوع، والجماعة التي أعلنت رسمياً أنها غير موجودة أصلاً (وليست محظورة فقط) عليها أن تتصرف بمرونة، وأن تستغل "شهر العسل" لإعادة تصويب أوضاعها، وأن تسعى لاسترداد بعض أو كل موجودات جمعية المركز الإسلامي، هذا إن قبلت الدولة بذلك، بعد أن صار من حقها "تأميم" الجمعية، أو توزيعها على الجمعيات، أو التبرع بها لمن أرادت، أو إحالتها للمستودعات.

التعليقات