ورشة المنامة: إدارة ترامب إذ ترقص بالعتمة

ورشة المنامة: إدارة ترامب إذ ترقص بالعتمة
ورشة المنامة: إدارة ترامب إذ ترقص بالعتمة
بقلم: د. سـائـد الـكـونـي

تشكل الأمثال الشعبية في حياة الشعوب إرثاً تراثياً وثقافياً وحضارياً غنياً بحصيلة تجارب السابقين، ويستفاد منها في تعليم الأجيال، وتوفر عليهم الخوض في تجارب جديدة غير مفيدة يُهدر فيها المزيد من الوقت والجهد والمال، وتتمثل حكمة الماضي في التعامل مع الحاضر، ففي كثير من الأحيان قد لا يكون المطلوب إختراع العجلة بقدر ما ينبغي حسن الاستفادة منها. ويحضر في ذهني من بين تلك الأمثال المثل الشعبي "على بال مين يلي بترقص بالعتمة" وأنا أطالع ما يكتب عن مؤتمر المنامة الاقتصادي أو ورشة عمل المنامة التي تسعى الادارة الأمريكية لعقدها في الفترة ما بين 25 و26 حزيران المقبل بالعاصمة البحرينية بعنوان "السلام من أجل الازدهار"، لمناقشة آليات النهوض بالوضع الاقتصادي المتردي في الضفة الغربية والقطاع، والذي مرده أساساً الحصار المالي الأمريكي المفروض على شعبنا والقرصنة الإسرائيلية لمستحقاتنا المالية دون حسيب أو رقيب.

في ظل الموقف الوطني الثابت الذي اتخذته القيادة الفلسطينية بكافة مؤسساتها من رفض التساوق مع الانحياز المعلن من قبل إدارة ترامب للطرف الاسرائيلي منذ اعترافها بالقدس عاصمة لاسرائيل في كانون الأول ٢٠١٧ غير آبهة بكافة المرجعيات والقرارات الأممية لعملية السلام، تمعن الادارة الأمريكية في غيها في مصادرة القرار الفلسطيني من خلال سيرها قُدماً في تحضيراتها الجارية لورشة العمل المزمع عقدها دون التشاور مع الطرف الرئيس المعني بالأمر ألا وهو القيادة الفلسطينية، بل وشرعت بإرسال دعوات خاصة لرجال أعمال فلسطينيين في محاولة غير موفقة منها لشق لُحمة الصف الفلسطيني قيادة وفصائل وشعباً، حيث عبر هؤلاء عن رفضهم القطعي للدعوات الموجهة لهم وأعلنوا عبر وسائل الاعلام المحلية تمترسهم خلف موقف القيادة الفلسطينية الجامع لكافة أطياف اللون الفلسطيني برغم حالة التشتت الفلسطينية الداخلية التي سببها الانقسام.

محاولة الادارة الأمريكية الرقص في العتمة لن تفيد مخططاتها التصفوية لحقوق الشعب الفلسطيني لأنه ما من فلسطيني معني أو مُخول بالاطلاع عليها أو مشاهدتها، وسيكون مصيرها الفشل الذريع تماماً كمصير سابق مبادراتها لأنها ستكون زفة عرس بلا عريس، ولن يكتب النجاح لأي مسار اقتصادي بديلاً أو بعيداً عن تحقيق طموحات الشعب الفلسطيني المشروعة في إنهاء الاحتلال واقامة الدولة الفلسطينية المستقلة بعاصمتها القدس وضمان حقوق اللاجئين.

يوماً بعد آخر يتضح أكثر فأكثر أن الـ "لا" الفلسطينية لصفقة القرن المزعومة والمنحازة قد أربكت جميع حسابات ادارة ترامب ودفعتها للتسويف المتكرر لطرح مبادرتها لعلمها بأنها ستولد ميتة برغم من أن خطوات تنفيذها جارية على الأرض بما يتم فرضه من إملاءات وتغيير للحقائق، والتي جميعها ستتلاشى كالسراب في مهب ريح الحق الفلسطينية عاجلاً أم آجلاً. فالحقوق الفلسطينية محفوظة ومصانة بموجب القانون الدولي والشرعية الدولية وتقرها معظم شعوب العالم، وبالتالي لا يتوسل الفلسطينيون اعترافاً من أحد بأي من حقوقهم الشرعية على عكس الطرف الآخر الذي يلهث وراء أي اعتراف صوري باجراءاته الأحادية الباطلة القائمة على منطق ومنطلق واحد هو قوة الغطرسة.

أما في إطار البيت الفلسطيني الداخلي، يتطلب من كافة مكونات الشعب الفلسطيني تحمل مسؤولياتها في الحفاظ على مشروعنا الوطني، وتوفير البدائل الاقتصادية الوطنية الداعمة له عوضاً عن وهم الازدهار الاقتصادي لسلامٍ مزعوم يقوم على حطام مطالبنا الوطنية في الحرية والاستقلال والعيش الآمن الكريم، وعطفاً مرةً أخرى على أمثالنا الشعبية، "فما حك جسمك مثل ظفرك"، و"الحِمل إذا توزع بنشال"، وقِدر الطعام لا يستقر إلا على أرجلٍ ثلاث؛ الحكومة إحداها وقد أعلنت وباشرت من ناحيتها بتنفيذ خططها العنقودية لتعزيز المزايا التنافسية للاقتصاد الفلسطيني في محاولة بناء داخلية وبجهود ذاتية لمواجهة الحصار الاقتصادي والمالي المفروض أمريكياً واسرائيلياً على أبناء شعبنا، إلا أن نجاح هذه الجهود الحكومية مرهون بدرجة كبيرة بالداعم الثاني والمكمل لها من قبل رجال وسيدات الأعمال الفلسطينيين من خلال فتح مشاريع اقتصادية وتنموية جديدة، ومد يد المساعدة والشراكة والعون المعرفي والتقني للقائم منها، بغرض خلق فرص عمل كريمة لخريجي الجامعات والعمال المهرة وغيرهم من القوى العاملة من أبناء الوطن بما يُدعّم الجهود الرسمية في تعزيز صمود المواطن الفلسطيني قولاً وفعلاً على الأرض الفلسطينية، ويُسند بالمحصلة موقف القيادة الفلسطينية في مواجهة كافة المخططات التصفوية لشعبنا وقضيته العادلة.

الشخصيات والقيادات المجتمعية والوطنية والفصائلية مطالبة هي الأخرى، كمرتكز ثالث في إفشال صفقة القرن وتبعاتها من مخططات تصفوية، بممارسة دور إيجابي في معركة الصمود والتحدي للعنجهية الأمريكية والصلف الاسرائيلي من خلال الحث على روح العمل الوطني والجماعي وخلق مزاج وطني ايجابي جامع، يُسهم في تجاوز السلبيات ويبُرز الايجابيات في مجتمعاتنا ويُركز عليها، ويُساعد في نشر الوعي المجتمعي بأهمية دعم منتجاتنا الوطنية ومنتجيها وسواها من كبرى مؤسسات الوطن التي تشكل عماد الاقتصاد الوطني ورافعة أساسية في ضمان السلم والأمن المجتمعيين، ولا يمكن تجاهل دورها المحوري في تعزيز كلمة ألـ "لا" الفلسطينية سلاحاً إستراتيجياً في مواجهة كافة التدعيات التي يفرضها علينا واقع الضغط المالي الأمريكي والحصار الاقتصادي الاسرائيلي الهادف إلى ترسيخ الرواية الاسرائيلية بخصوص القدس وسائر فلسطين.

التعليقات