الصفقة تدخل متاهة بلا مخرج

الصفقة تدخل متاهة بلا مخرج
مهند عبد الحميد

اعلان أو تأجيل صفقة ترامب يشبه اللعبة التي يتم فيها قطع ورقة من زهرة الاقحوانة ورميها مرة بالقول، يحب ومرة لا يحب وصولا الى آخر ورقة التي ستحدد اذا ما كانت النتيجة سلبية او ايجابية.

لقد جرى تأجيل، الاعلان عن الخطة مرات ولا أحد يعرف إلى متى سينتهي المطاف.

فشل نتنياهو "وحالة الفوضى التي تسود إسرائيل" كما قال ترامب، قذف بالخطة الى ما بعد انتخابات الكنيست في أيلول القادم، والتأخير موصول الى ما بعد تشكيل الحكومة الذي اصبح عقدة شائكة في اسرائيل، وبخاصة بعد ان ارتفعت اسهم افيغدور ليبرمان الذي اسقط نتنياهو.

ومع افتراض انه جرى تشكيل الحكومة الاسرائيلية العتيدة فإن وقت انتخابات الرئاسة الاميركية يكون قد أزف، ولا يكون ملائما طرح الخطة اثناء التنافس بين الديمقراطيين والجمهوريين على الرئاسة، وفي حال لم ينجح ترامب في ولاية ثانية فإن صفقته وفريقه وصهره سيهبطون عن الحلبة السياسية وسيعكفون على صفقات تجارية أخرى.

ما سبق يعني أن التأخير وملاءمة الوقت مع الجاهزية الاسرائيلية من سمات الصفقة الأميركية المنحازة لدولة الاحتلال حتى النهاية.

وهذا يذكرنا بمقولة اسحق رابين الشهيرة "لا توجد مواعيد مقدسة" في تطبيق الاتفاقات، ولا يوجد عند ترامب مواعيد مقدسة أيضا.

وكوشنر غير متأكد من قدرة الفلسطينيين على حكم أنفسهم وتقرير مصيرهم، قد يحدث ذلك بمرور الوقت، بحسب تقديره ما يعني انهم بحاجة إلى بقاء الاحتلال.

قول كوشنر يفسر لماذا الغت الادارة الاميركية التفاوض مع الفلسطينيين وقصرته على الاسرائيليين الذين يساهمون في وضع بنود الصفقة كما حدث في قضايا القدس واللاجئين والاستيطان والدولة، ويفسر إحالة مصير شعب لفريق ادارة اعمال كي يقرر نيابة عنه.

أوساط أميركية تتحدث عن تأجيل نشر الصفقة للعام 2020، ووزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو يقول ان الصفقة غير قابلة للتنفيذ ولا يمكنها ان تحظى بقبول شعبي، وبحسب تقديره لا توجد ضمانات لفك عقدة الصراع الفلسطيني الاسرائيلي.

الارتباك والتناقض في الموقف الاميركي يسمح نظريا بوضع نهاية لاحتكار تقديم "بروبوزل" - خطة بلا نهاية. حتى في نظام الصفقات التجارية والعقارية هناك تاريخ محدد، وهناك اكثر من عرض وهناك منافسة.

على العكس من ذلك يستمر الاحتكار الاميركي بأكثر اشكاله عجرفة واستخفافا، حيث لا يقيم وزنا لكل الاطراف المعنية بالصراع كالامم المتحدة ومؤسساتها والمجموعات الدولية والاقليمية، ما يهمه فقط ارضاء اسرائيل، وضمان الاموال العربية.

ان أخطر ما في أجندة إدارة ترامب هو الاستحواذ على الوقت والزمن وجعل الاخرين في حالة انتظار المواعيد غير المقدسة.

انتظار الاعلان عن الصفقة هو اخطر ما يعيشه الوضع الفلسطيني منظمة وحكومة ومعارضة وشعبا.

في هذا الوقت المفتوح تتعطل الطاقة الفلسطينية عن الفعل. تقف في موقع الدفاع والانتظار متسلحة برفض الصفقة وكل ما يترتب عليها.

وببيانات القمم العربية والإسلامية. مقابل ذلك فإن دولة الاحتلال تلعب في الوقت وتستثمره بقوانين وإجراءات وعلاقات تطبيع وانفتاح على أنظمة عربية. في الوقت المعطل للفعل الفلسطيني، حققت حكومة الاحتلال بالشراكة مع ادارة ترامب وفريقها الشيء الكثير، ضم القدس، شطب اللاجئين، إشاعة الاستيطان، قانون القومية، وسرقة وتعطيل اموال المقاصة.

كان الاعتقاد السائد ان حالة الاختناق المالي ستنتهي بعد انتخابات الكنيست. لكنها تجددت مع فشل نتنياهو في تشكيل حكومة والانتقال الى انتخابات جديدة واصبحت الازمة مفتوحة على المجهول.

من المفترض إعادة تقييم الأداء الفلسطيني السياسي والمالي بغية تطويره. فعلى صعيد سياسي. يبدو الموقف السياسي في مواجهة الصفقة متماسكا في حلقاته المختلفة كالموقف من الصفقة ومتفرعاتها وبخاصة الموقف الرافض للمشاركة في مؤتمر المنامة.

لا شك في أن الموقف الفلسطيني الرافض للصفقة بدأ ينعكس على مواقف دولية كرفض روسيا والصين وامتناع الامم المتحدة عن المشاركة في مؤتمر المنامة الاقتصادي.

وبدأ يضعف مساهمة الدول العربية في المشاريع إلى درجة تشكك بعض الاوساط الامبركية من التزام تلك الدول بالدفع وتغطية الخطة الاميركية، وهناك تقديرات تشكك في نجاح مؤتمر المنامة.

غير ان الانسجام في الموقف السياسي الفلسطيني لا يستقيم الا بالتخلص من اثقال اتفاق اوسلو في مسألتين رئيسيتين الاولى التحرر من التنسيق الامني والثانية التحرر من اتفاق باريس الاقتصادي.

الموقف العملي من هاتين المسألتين يعني الانعتاق من قيود اوسلو والخروج من مساره، وبناء مسار جديد.

وهو يعني الانتقال من مسار أوسلو إلى مسار تقرير المصير دون وصاية من الاحتلال والأميركان.

عملية بحاجة إلى الانتقال من الموقف النظري والمبدئي إلى الموقف التطبيقي. وما يعنيه ذلك من وضع خطة تشرح المزايا والمخاطر والتبعات وتهيئ الشعب بمختلف مكوناته للمشاركة بها.

ان احداث هذه النقلة بأقل الخسائر الممكنة وتوزيع الاعباء على الجميع هو الضمانة للتحرر الفعلي.

كما نرى أمامنا مستويين من الموقف. مستوى رفض الصفقة وعدم إعطاء غطاء فلسطيني للمشاركة العربية والدولية ورفض مخرجات الصفقة قبل الاعلان عنها والتحريض ضدها.

هذا الموقف مهم جدا. ومستوى الرفض والخروج من المسار وهذا الموقف جذري ويعيد الحركة الوطنية الى التحرر الوطني المستقل، ويعيد الاستقطاب محليا واقليميا ودوليا. هذا الموقف بحاجة الى بنية اخرى غير البنية الراهنة. وهنا من المفترض ان تكون المعارضة بمختلف الوانها جزءا من البنية الجديدة، وان تباشر في دفع الاستقطاب الفلسطيني للخروج من مسار اوسلو. عوضا عن ذلك تكتفي المعارضة بمطالبة السلطة والقيادة الرسمية باتخاذ الموقف الجذري. ولا ترى في الموقف بمستواه الاول غير شكل من اشكال المناورة التي تقوم بها والذي لن يصمد طويلا.

ثمة علاقة بين العجز عن بناء بدايات بديل وبين الاستخفاف بموقف القيادة الذي يدور في الفلك الرسمي على كل الاصعدة. وضمن هذه المعادلة بقي الموقف الفلسطيني مجزءا وضعيفا وينطوي على مستوى من الاحباط. المطلوب فتح الانسدادات بما يشبه تقسيم العمل والادوار، تعارض فيه المنظمة والسلطة في المستويات الرسمية وتعمل على حل اللازمة المالية، وتعزز القوى الرافضة لمسار اوسلو بناء المسار التحرري البديل.

ويلتقي الطرفان على هدف واحد هو إسقاط صفقة ترامب. وستتقرر النتيجة على مدى الاستقطاب الشعبي الذي يحرزه كل طرف. 

التعليقات