عن الموارد الوراثية والمعارف التقليدية في فلسطين

عن الموارد الوراثية والمعارف التقليدية في فلسطين
عن الموارد الوراثية والمعارف التقليدية في فلسطين

عبد الغني سلامة

2019-06-03

المقصود بالموارد الوراثية، حسب ما تعرّفه المنظمة العالمية للملكية الفكرية WIPO؛ تلك الأصول الوراثية المرتبطة بالمعارف التقليدية والممارسات المحلية التي تحيط بأي نبات أو حيوان أو كائن مجهري له خصائص معينة، والتي تراكمت عبر السنين، وتناقلت عبر أجيال عديدة لتصبح علامة مميزة لمجتمع ما. بمعنى أن المورد الوراثي ليس هو الكائن الحي الكامل بالضرورة، أو العضو، أو الخلية.. إنما هو الصفة الوراثية، أو التركيبة الجينية التي تتميز بخصائص فسيولوجية نادرة يمكن أن تنتقل من جيل إلى آخر، ويمكن استخدامها على نطاق تجاري، أو أن تشكل عنصرا من البيئة الثقافية والمعرفية لذلك المجتمع. 

ومن الأمثلة على الموارد الوراثية نبتة معينة تشتهر بها منطقة جغرافية ما، ولها خصائص طبية أو ميزات فريدة، أو زهرة معينة تستخدم كرمز قومي، أو حيوان نادر (أو مقدس)، أو نوع من البكتيريا يستخدم في منتجات معينة، أو أي ابتكارات بيولوجية.

أما المعارف التقليدية (الفولكلور)؛ فتمثل مجموعة المعارف التي تم تطويرها والحفاظ عليها ونقلها من جيل إلى آخر في إطار مجتمع معين، وغالباً ما تشكل هذه المعارف جزءاً من الهوية الثقافية أو الروحية لأي شعب؛ فهي تجسّد الدراية العملية والمهارة الحرفية لأبناء المجتمع، كما تنقل القيم والمعتقدات الجوهرية. وهذه المهارات والمعارف ليس من الضروري أن تكون قديمة؛ ذلك لأنها في تطور مستمر. 

قد تكون المعارف التقليدية (أو أساليب التعبير عن التراث الشعبي) شفهية، كما في قصص التراث الشعبي، أو موسيقية كما في الأغاني، أو أفعالا أدائية كما في الرقصات الجماعية، أو طقوسا موسمية، أو تعبيرات ملموسة كالرسوم واللوحات الفنية، والمنحوتات، والتماثيل، والأعمال الخزفية والخشبية، والمصنوعات المعدنية، والمجوهرات، وحياكة السلال، وأشغال الإبرة والتطريز، أو النسيج، أو السجاد، أو الملابس، أو الآلات الموسيقية، والأشكال الهندسية المعمارية، وغيرها.

وبما أن الدول النامية (التي تعتبر مراكز منشأ الموارد الوراثية والمعارف التقليدية) لا تملك القدر الكافي من التكنولوجيا الحديثة، ولا الإمكانيات المادية التي تمكّنها من تطوير وحماية مواردها وفلكلورها؛ فقد تنبهت المحافل الدولية لخطورة هذا الوضع، وأهمية امتلاك تلك الدول حقوق الملكية الفكرية لمواردها الوراثية وحماية معارفها التقليدية الخاصة بها. 

ومن هذا المنطلق، صدرت اتفاقيات دولية عديدة تعترف بأن للمجتمعات المحلية للدول النامية حقوقا ملكية فكرية في مواردها الوراثية ومعارفها وممارساتها التقليدية، ولها حق السيادة الوطنية عليها، ولها الحق باستصدار تشريعاتها القانونية التي تضمن حقوقها من ناحية، وتساعد في الحصول على التكنولوجيات والمعلومات والوسائل العلمية الحديثة من ناحية أخرى، وذلك كنوع من المشاركة في العوائد الناتجة عن استخدام مواردها الوراثية ومعارفها وممارساتها التقليدية المصاحبة على النطاق التجاري.

ولأن المعارف التقليدية عادة ما تكون قديمة العهد، وغالباً ما تكون غير رسمية وشفاهية؛ فإنه من الصعب حمايتها في إطار نظام الملكية الفكرية الحالي؛ الذي يمنح الحماية عادة لفترة محددة للاختراعات والمصنفات الأصلية التي يكون أصحابها أشخاصاً معينين. وأيضا فإن اتفاقيات منظمة التجارة العالمية لا تعترف بحماية المعارف التقليدية للمجتمعات المحلية. ولكن يمكن أن تتم حمايتها بطرق أخرى؛ فعندما يقوم أفراد المجتمع بالابتكار والإبداع في إطار المعارف التقليدية، يجوز لهم الانتفاع من نظام البراءات لحماية مصنفاتهم المبتكرة، كما يمكن الاستفادة من الأنظمة القائمة مثل حقوق المؤلف، والحقوق المجاورة، والمؤشرات الجغرافية، وتسميات المنشأ والعلامات التجارية.

وتنبع أهمية تطوير وحماية الموارد الوراثية والفولكلور الشعبي، لكونها تساهم في التنمية الاقتصادية، والجذب السياحي، وتشجع على التنوع الثقافي، كما تساعد على صون التراث الثقافي الوطني، والإنساني. 

وما يبرر هذا التوجه، أنَّ فلسطين لديها العديد من النباتات البرية والأزهار والأعشاب الطبية الخاصة بها، مثل الميرمية، والبابونج، وزهرة الحنون والأقحوان، ونحو 70 نوعا من الأشجار البرية والحرجية المميزة. وبعض تلك النباتات كالميرمية والزعتر والعكّوب وغيرها باتت معرضة لخطر الانقراض نتيجة عمليات الجمع الجائر.

بالإضافة لغناها بالثروة النباتية، تعد فلسطين غنية بـأنواع الطيور والحيوانات البرية التي تشتهر بها، خاصة طائر الشمس الفلسطيني، الذي حاولت إسرائيل نسبه إليها.

وبالتالي، ما يزيد من أهمية الحفاظ على الموارد الوراثية والمعارف التقليدية والتراث الشعبي الفلسطيني وحمايتها بالقانون الدولي أن الاحتلال الإسرائيلي ينسبها لنفسه، وذلك من خلال سياسات منهجية للنيل من تراث فلسطين ومواردها الوراثية، فمثلا ادعت إسرائيل أن طبق الحمص والفلافل من مأكولاتها الشعبية، كما قامت بسرقة حجارة من أبنية تاريخية متداعية، واستخدمتها في بناء المستوطنات، لكي تقول فيما بعد أن هذا كله من ميراثها التاريخي. كما حاولت سرقة الثوب الفلسطيني، وسرقة زهرة عصا الراعي، والكثير من رموز التراث الشعبي.

لذلك، على الحكومة الفلسطينية أن تهتم بهذا الموضوع، من خلال تثبيت حقوق الملكية الفكرية لمواردها وتراثها، وتسجيلها وتوثيقها واعتمادها في المحافل الدولية الخاصة، باعتبارها ملكا للأجيال القادمة، وهذا يتطلب انضمام دولة فلسطين للمنظمات الدولية المعنية بالموارد الوراثية وحقوق الملكية الفكرية، والتوقيع على الاتفاقيات الدولية ذات الصلة، وهذا يعني بداهة ضرورة اعتماد قانون خاص بحماية الموارد الوراثية والمعارف التقليدية.

كما يتطلب الأمر إعداد قوائم بكل ما يمكن اعتباره من ضمن الموارد الوراثية أو المعارف التقليدية التي تخص فلسطين، وتنطبق عليها شروط الملكية الفكرية، وتقسيمها إلى مجموعات نباتية وحيوانية، وكائنات مجهرية، وأدوات ومعارف تقليدية، ثم إنشاء مركز متخصص لحفظ كل ما يتعلق بالموارد الوراثية (النباتية والحيوانية) على شكل عينات، وبذور، ومزارع stock culture. أي إنشاء بنك لحفظ الجينات والبذور، كما هو الحال في العديد من الدول.

وأيضا حفظ المعارف التقليدية، من وثائق، ومخطوطات، وصور فوتوغرافية، وتسجيلات صوتية، وأسطوانات وأشرطة سمعية، وأقراص مدمجة، وأفلام سينمائية، وموسيقى التراث الشعبي، وكافة الأدوات والمواد التراثية.

ثم توثيق كل تلك المواد، تمهيدا لتسجيلها واعتمادها في المحافل الدولية المتخصصة كثروات وطنية تخص دولة فلسطين.

وأظن أن المكتبة الوطنية (في سردا)، هي الجهة المناسبة والمكان الأفضل للقيام بهذه المهمة الوطنية، بالتعاون مع دائرة الملكية الفكرية في وزارة الاقتصاد.

التعليقات