أزمة العلاقات الفلسطينية الأمريكية

أزمة العلاقات الفلسطينية الأمريكية
بقلم عبد الله عيسى - رئيس التحرير
مرت العلاقات الأمريكية الفلسطينية بمراحل متعددة وأزمات كثيرة، كانت كلها أو معظمها بسبب الموقف من إسرائيل، وكانت منظمة التحرير الفلسطينية، تطمح دائماً للوصول لموقف أمريكي معتدل للقضية الفلسطينية وأكثر إنصافاً على الأقل أسوة بمواقف بعض الدول الأوروبية.

وكان لدى قيادة المنظمة قناعة تقول: إن امريكا تمتلك معظم أوراق الحل للقضية الفلسطينية، أي كما كان يردد الرئيس المصري الراحل السادات بأن 99% من أوراق الحل بيد أمريكا، وهذا يعني أن هناك قناعة مشتركة فلسطينية وعربية حول الموقف من أمريكا، ومن هنا كان الموقف الفلسطيني والعربي، يميل دائما لعدم الوصول إلى حالة من كسر العظم من العلاقات مع أمريكا للحفاظ على خط رجعة دائماً على أمل أن تتدخل أمريكا لصالح القضايا الفلسطينية.

والحقيقة أن أمريكا تدخلت وباستمرار إلى حد ما للجم توجهات إسرائيل العدوانية تجاه العرب والفلسطينيين، وكانت التحذيرات الأمريكية لإسرائيل تلقى استجابة من قبل إسرائيل، وحسب درجة التحذير وشدته، فمثلاً بعد تسلم شارون رئاسة الحكومة الإسرائيلية أمر قواته باجتياح بيت حانون، وبعد سلسلة تدخلات أمريكية وصلت رسالة من جورج بوش الابن بأن ينسحب فوراً من بيت حانون، وخرجت الصحف الإسرائيلية بعنوان غامض "أصغر احتلال في العالم مضى عليه 24 ساعة ثم انسحب".

وكان أبو عمار يرقب الموقف الأمريكي بدقة، ويحاول فتح ثغرات قوية لصالح القضية الفلسطينية، حتى جاء طلب أمريكي مفاجئ في الثمانينات من الشهيد صلاح خلف (أبو إياد) بأن أمريكا راغبة بفتح علاقات تنسيق أمني مع منظمة التحرير، وكان أبو إياد شديداً في رده، فأبلغه أن المنظمة لديها رغبة في إقامة علاقات تنسيق أمني مع أمريكا أسوة بالعلاقات مع فرنسا، ولكن المنظمة لا تعمل لصالح أجهزة الأمن الدولية، إنما نقيم علاقات تنسق أمني مع الدول التي تعترف بحقوق الشعب الفلسطيني.

وفي البداية، رفضت أمريكا طلب أبو إياد بالاعتراف بالحقوق وتأجل طلب أبو إياد عدة سنوات، حتى قامت أمريكا بالاعتراف بالحقوق الفلسطينية بعد مؤتمر مدريد للسلام، وراح على مدى سنوات، واستشهدت عدة شخصيات فلسطينية، ممن حاولوا الاقتراب من الموقف الأمريكي.

وتطورت العلاقات الأمريكية الفلسطينية بتوقيع اتفاقية أوسلو ضمن قيام تنسيق سياسي وأمني بين السلطة الفلسطينية وأمريكا، وقيام الرئيس الأمريكي كلينتون بزيارة غزة، ومثلت هذه الخطوة ذروة العلاقات الفلسطينية الأمريكية، حتى إنه ولأول مرة في تاريخ العلاقات، سمعنا اتهامات لأمريكا خلال عامي 1996 و1997 بالانحياز للموقف الفلسطيني ضد إسرائيل.

وأثناء زيارة الرئيس كلينتون وإلقائه لكلمة بالمجلس التشريعي برشاد الشوا خاطبه الرئيس الراحل أبو عمار بقوله: "لدي حلم لإقامة دولة فلسطينية كما كان لدى الناشط الأمريكي الأسود مارتن لوثر كينج، لدي حلم بالمساواة في أمريكيا بين السود والبيض، وكرر في تلك الجلسة أبو العلاء أحمد قريع عبارة لدي حلم أسوة بما قاله الناشط الحقوقي كينج.

ولكن بعد الترحاب الكبير بين كلينتون عاد إلى أمريكيا وباتت هناك نكسة أخرى في العلاقات الأمريكية حيث عمل التحريض الإسرائيلي على أشده، وبدأ تحريض قوي جداً على أبو عمار، حتى إن وزير الدفاع الإسرائيلي فؤاد بل عيزر، قابل الرئيس الأمريكي، وخرج من اجتماعه قائلاً اتفقت على اغتيال أبو عمار، ويقال إنه كان في حالة سكر، واضطرته أمريكا للتراجع عن تصريحه، لأن أمريكا لم تكن تريد أن تظهر بموقف المؤازر لإسرائيل ضد أبو عمار.

حتى جاءت الانتكاسة الكبرى في العلاقات الأمريكية الفلسطينية في عهد ترامب بإعلانه عن القدس عاصمة لإسرائيل، وعن (صفقة القرن) واتخاذه مواقف عدائية شديدة ضد السلطة، وتحريضه على اتخاذ مواقف ضد الفلسطينيين.

إن إزالة آثار سياسة ترامب، تحتاج إلى جهد فلسطيني وأمريكي كبير.

 

التعليقات