الفسيخ والرنجة.. شاهد كيف يتم تصنيعهما بغزة وهكذا تٌفرق بين "التسمم" و"التلبك" وتتجنب كليهما؟

الفسيخ والرنجة.. شاهد كيف يتم تصنيعهما بغزة وهكذا تٌفرق بين "التسمم" و"التلبك" وتتجنب كليهما؟
صورة تعبيرية
خاص دنيا الوطن- أمينة أبو الخير
يُقبل المواطنون في قطاع غزة، قُبيل عيد الفطر المبارك، على شراء الأسماك المملحة كالفسيخ والرنجة والملوحة والسردين، وذلك كونها الوجبة الشعبية التقليدية، التي يبدأ بها المواطنون في يومهم الأول من أيام العيد، فيما يستمر البعض بتناولها لثاني وثالث أيام العيد.

ويفضل كثير من المواطنين تناول الأسماك، وخاصة المملحة أول أيام عيد الفطر، وذلك لشرب أكبر كمية من الماء لتعويض ما فقدوه في الصيام، فيما يعتقد آخرون أنها تُهيّئ جدار المعدة لاستقبال المزيد من الأطعمة طيلة النهار، على الرغم من أن  تصنيعها الخاطئ يسبب التسمم للعشرات، كما يسبب الإكثار منها آلاماً في المعدة، وقد تُمنع فئات معينة من تناولها نهائياً.. لذلك أعدت "دنيا الوطن" التقرير المفصل التالي:

غزة تستهلك (150 طناً) من الفسيخ والرنجة

أوضح المهندس عبد الفتاح أبو موسى، مدير الإعلام في وزارة الاقتصاد، أن متوسط استهلاك المواطنين في قطاع غزة من الأسماك المملحة خلال العام الواحد (150 طناً) وذلك من الأسماك المصنعة محلياً والمستوردة. 

وأضاف أبو موسى لـ"دنيا الوطن": استورد قطاع غزة (110 أطنان) من السمك المملح في عام 2016، و(201 طن) في عام 2017، و(81 طناً) في عام 2018، أغلب الكمية من الفسيخ، أما الكمية التي تُصنع محلياً في قطاع غزة فتُقدر بـ (150 طناً) من السمك المدخن والفسيخ، أغلبها سمك مدخن. 

وطمأن، بدوره المواطنين في قطاع غزة، أن جميع أنواع السمك المملح المصنعة محلياً مراقبة من وزارة الاقتصاد، وقد تم أخذ عينات منها، وفحصها في مختبرات وزارة الاقتصادي، حيث يتم طرح الصالح في الأسواق، ويتم إتلاف الفاسد.

وأضاف: "من بداية رمضان يوجد جولة صباحية وجولة مسائية وجولة ليلية، وخلال هذه الجوالات نقوم بإتلاف كميات من الفسيخ والرنجة غير الصالحة للاستخدام، وينشط عملنا في العشر الأواخر في رمضان؛ ليتم التعامل مع منتجات العيد، لأنه وكما جرت العادة، يتناول الجميع الفسيخ في أول أيام العيد".

وأشار إلى أن الأسماك المملحة، ممكن أن تُصنع بشكل صحيح ومطابق للمواصفات، ولكن تفسد بسبب سوء التخزين أو بسبب طريقة عرضها، خصوصاً في ظل ارتفاع درجات الحرارة، متمماً " لذلك نراقب أيضاً الأماكن التي تخزن فيها، والأماكن التي تُعرض فيها".

وأكمل: ما يدخل من المعابر إلى القطاع من الرنجة والفسيخ، يتم فحصه بشكل دوري في وزارة الاقتصاد الوطني، ويتم التحفظ على الكميات الفاسدة أو غير المطابقة للمواصفات وإتلافها بعد عمل محاضر بها، أما إذا كانت مطابقة للمواصفات الفلسطينية، فيتم طرحة في الأسواق.  

أخصائي تغذية ونصائح مهمة لتناول الفسيخ

نصح الدكتور جميل النباهين، اختصاصي التغذية والعلاج بالأعشاب الطبيعية، بالتخفيف من الملح الموجود في الفسيخ والرنجة عن طريق وضعها في الماء قبل استخدامها، وذلك لتجنب التلبكات المعوية، واحتباس الماء في الجسم. 

وأضاف النباهين: "يجب ان يُهيئ الشخص جسمه للإفطار بعد 30 يوماً من الصيام، فيمكن للشخص تناول القهوة مع التمر في الصباح، ثم بعد ساعات يتم تناول الفسيخ بعد تقليل ملحه مع القليل من الخضراوات والسلطة، وتجنب تناول الحلويات بعدها مباشرة بل التوقف عن تناول الطعام لعدة ساعات". 

وقال أخصائي التغذية، يجب شرب المياه وبكميات كبيرة بعد تناول الأسماك المملحة، لمساعدة الجسم على استعادة توازنه وتخليصه من الأملاح الزائدة. 

طبيب باطنة.. علامات الإصابة بتسمم الفسيخ والرنجة

قال الدكتور رامي العبادلة، استشاري الأعصاب والباطنة: إن هناك علامات تدل على تعرض الشخص للتسمم الغذائي، وعليه التوجه إلى المستشفى مباشرة، وهي التقيؤ أو آلام في البطن أو إسهال، وأحياناً ارتفاع في درجة الحرارة.

وأضاف: "إذا تناول أكثر من شخص من نفس العائلة من نفس الوجبة، وتعرضواً لأي عرض من الأعراض السابقة، فهذا يؤكد إصابتهم بالتسمم الغذائي، على المريض الحرص على عدم فقد المزيد من السوائل، فالتقيؤ والإسهال تُفقد الجسم سوائله التي قد تؤدي إلى التعب والإرهاق، وصولاً إلى الجلطة، فعليهم شرب محاولة شرب المياه، والذهاب إلى المستشفى". 

ونصح المواطنين قائلاً: يجب عدم أكل كميات كبيرة من الأسماك المملحة، بل كميات قليلة جداً، ويفضل تخفيف ملحها قد المستطاع  بالإضافة إلى شرب كميات كبيرة جداً من المياه بمعدل لتر ونصف بعد تناول الفسيخ والرنجة؛ للتخلص من الملح للمساعدة، أما أصحاب الأمراض المزمنة، فيفضل عدم تناولها من الأساس، مبيناً أن هناك فئات يجب أن تكون حريصة عند أكل الأسماك المملحة، أكثر من غيرها، وهم أصحاب الأمراض المزمنة كالضغط والسكر والقلب ومرضى الكبد والكلى. 

وأضاف: "الملح بشكل عام يعمل على تخزين المياه في الجسم، والشخص الذي يعاني من فشل في الكلى نتيجة ضغط مزمن أو سكر مزمن، وهذه الفئة، لا تستطيع إخراج المياه من جسدها، وبالتالي تتجمع السوائل في الجسم، وتضره كالانتفاخ في اليدين والأقدام، وتجمعها قد يؤثر على القلب.

وأشار إلى تناول الأسماك المملحة يضر بمرضى الضغط، حيث يؤدي تناول الفسيخ والرنجة والأملاح إلى ارتفاع نسبة الماء في الجسم، مما يسبب زيادة ضغط الدم.

مصانع غير مرخصة بلا رقابة

أعدت "دنيا الوطن" مقابلة مع حسن عفانة من مدينة رفح، ويعمل في صناعة (الرنجة) منذ 20 عاماً، بينما افتتح مصنعاً لصناعة (الفسيخ) منذ أربع سنوات، وحدثنا عن طريقة إعداد الأسماك المملحة، بالإضافة لأسباب فسادها. 

كشف عفانة، أن هنالك الكثير من المصانع غير المرخصة في قطاع غزة، وبالتالي لا يتم فحصها من قبل وزارة الصحة والاقتصاد، مضيفاً: "هذا المصنع يضع بضاعته في الكرتونة الخاصة بمصنعي المرخص، أو أي مصنع آخر ويبيعها، ومن الممكن أن يعرض بضاعته بلا تغليف في الشوارع والحواري الصغيرة". 

وأكمل: "هناك أيضاً من يصنع الرنجة والفسيخ في منزله، ويقوم بتوزيعها وبيعها للأقارب والمعارف، وهي بذلك لا تفحص أو تراقب، فلكل سمكة طريقة إعداد خاصة، ودراجات حرارة، ونسب ملح محددة، الكثير من الناس يجهلونها، حتى إن هناك من لا يقوم بتصفيتها من الدم، وبذلك تكون فاسدة، وقد تسبب التسمم والأضرار".

وأشار إلى أن الخلل قد يحدث في مرحلة الحفظ، حيث أن السمكة المستخدمة هي سمكة عالية الدهون، إذا لم تُحفظ في مكان مناسب قبل أن تُحول لرنجة، فلا تصلح للاستخدام، وتكون فاسدة. 

وأضاف: "السمكة قبل أن تصبح رنجة، يجب أن تحفظ في درجة حرارة 25 تحت الصفر، وبعد أن تصبح رنجة تحتاج لدرجة حرارة 10 تحت الصفر، وبعد وضعها في الفرن مع الدخنة والملح وهي مواد حافظة، بذلك تكون سليمة". 

وأوضح أن (الرنجة) قد يضعها التجار في ثلاجات ضعيفة أو بسبب انقطاع التيار الكهربائي بلا تبريد فتصبح فاسدة، وأيضاً عرضها في الأسواق تحت أشعة الشمس، وأمام الحشرات يُفسدها بكل تأكيد. 

شرح عفانة مراحل صناعته للرنجة قائلاً: في البداية نستورد السمكة التي تستخدم لصناعة الرنجة وتسمى (متارين) مجمدة من النرويج، وهي سمكة موسمية ذات مواصفات خاصة، لا تتوافر في كل الشهور، بل فقط في شهر شباط/ فبراير.

وأضاف: "نحضر السمكة المجمدة ونضعها على طاولات "تسييح" من (الستانلس ستيل) من 5 إلى 6 ساعات، ثم نقوم بقطع رأسها وتنظيف الأحشاء، ثم نقوم بغسلها ووضعها في مياه ومحلول ملحي بتركيز محدد لمدة معينة لنحصل الطعم الذي نريده".

وأكمل: أنه يتم إخراجها من المياه والملح ووضعها في أفران وسط دخنه مستمرة ودرجة حرارة منخفضة جداً لـ 6 أو 7 ساعات، ويتم إخراجها بعد أن تأخذ اللون الذهبي، ويتم وضعها في أكياس صغيرة، ويفرغ منها الهواء، وتحفظ في كراتين. 

أما (الفسيخ) فبحسب عفانة، يصنع من سمكة (الهيرنج) والتي تستورد من النرويج، وهي نوع من أنواع السردين، ولكن بحجم كبير، يتم تسييحه، ويتم غسله من الخارج دون تنظيف أحشائه، ثم يوضع في براميل، ويوضع فوقه الملح بمعيار محدد، ويوضع في الثلاجات لـ 20 أو 30 يوماً. 

وزارة الصحة.. هذه علامات السمك الفاسد

أكد المهندس زكي مدوخ، من دائرة الطب الوقائي بوزارة الصحة، إن هناك (4) مصانع لصناعة الفسيخ والرنجة، تعمل بشكل رسمي ومرخص ومراقب من وزارة الصحة في قطاع غزة، أحدها في غزة وآخر في المنطقة والوسطى، واثنان في الجنوب.

وأضاف مدوخ: "تم فحص جميع أسماك الفسيخ والرنجة التي تخرجها تلك الأماكن الرسمية، وبعد أخذ العينات، وجد أنها صنعت بشكل صحيح وسليم، وذلك لضمان سلامة المنتج النهائي للمستهلك".

وأكمل " المشكلة تكون بسبب صناعة بعض المواطنين للفسيخ والرنجة داخل منازلهم، ومتابعة وفحص تلك الأسماك مستحيل لان الوزارة لن تدخل إلى داخل منازل المواطنين".

ونصح المواطن الفلسطيني بشراء الأسماك المملحة من الأماكن التي تحتوي على ثلاجات لحماية هذا المنتج الغذائي الحساس بسبب ارتفاع درجات الحرارة، فالرنجة يجب أن تكون في مكان بارد، بينما يعرضها التجار في الأسواق تحت الشمس، وفق قوله. 

وطالبهم أيضاً بالتركيز على علامات الفساد الواضحة على الفسيخ والرنجة، ومنها التحللات على قشور السمك وخروج نوع من أنواع المخاط، وهذا يعتبر فساداً غذائياً، بالإضافة إلى ضرورة أن تكون هذه المادة الغذائية متماسكة، خاصة الرنجة يجب أن تكون مجمدة، والفسيخ يكون مبرداً تبريداً جيداً. 

وأوضح أن هناك حالات تسمم غذائي، حدثت في مدينة رفح منذ أربع سنوات، بسبب الفسيخ والرنجة فاسدة، ومن بعد هذه الحادثة، قامت الوزارة بتكثيف الإرشاد والتوعية لأصحاب المصانع، وأصبح الوضع حالياً، أكثر أماناً.

التعليقات