في الذكرى (71) للنكبة.. فلسطينيو لبنان يُجددون تمسُكهم بحق العودة

في الذكرى (71) للنكبة.. فلسطينيو لبنان يُجددون تمسُكهم بحق العودة
رام الله - دنيا الوطن
لم تنل عذابات اللجوء من عزيمة الفلسطينين في لبنان وتعلقهم بوطنهم وأرضهم، فأينما حـط بهم الترحال  بقيت فلسطين حاضرة في وجدانهم وحلم العودة لايُفارقهم  ، وإرادتهم في الحياة وتمسكهم بحقوقهم المشروعة غيرمنقوصة أمانة يتوارثونها جيلاَ بعد جيل.

أكحل عيني بصورة بلادي

يُشيرالحاج قاسم شحادة الصالح " أبو ضياء " ( 85) عاماَ إلى صورة بلدته الصفصاف ، الواقعة على مقربة من مينة صفد وبلدتي الجش وميرون، وبعفوية وحنين يقول " أرض بلادي ما أحلاها ... أرض جدودي ما أغلاها "، مضيفاَ  " لا أنفك أنظر للصورة لأُكحل عيني بمشهد بلادي".

 كانت الحياة في الصفصاف تتسم بالبساطة وفق حديثه ، فكل شي متوفر للأهالي حيث يقول " كانت لدينا أراضي للزراعة ، وعندما لم تكُنْ تكفي كُنا نستأجربعض الأراضي من القرى المجاورة ، إذ كان  الأهالي يعتاشون على المحصول الزراعي والأشجار المثمرة ، والخضار ، وحبوب الأرز والبرغل ، والتين والقطين ، ونتاج المواشي ، حيث كنا نبيع الحليب واللبن في المدينة ، ونجفف بعض المواد لإستخدامها في فصل الشتاء. وبدوره كان التعليم بسيطا أيضاَ ، أذ وجدت في القرية مدرسة إبتدائية بأربعة صفوف" .

ويؤكـد الصالح أن الإنكيز هُـم أساس النكبة ، إذ عمدوا خلال إنتدابهم لفلسطين إلى فتح باب الهجرة إليها لليهود ، وتمليكهم الأراضي الأميرية، ومدهم بالعتاد والسلاح ، وبالتالي تمكين أوضاعهم سياسياَ وعسكرياَ في المدن الرئيسة.

 ويستذكر يوم الهجوم على بلدة الصفصاف قائلاَ " إستعـداد الأهالي كان بسيطاَ، لكن هجوم اليهود جاء بأعـداد لاتُقـدر ومن ثلاثة إتجاهات، وشاركت مدفعية جيش الإنقاذ المنصوبة في قرى الجش وسعسع وكفر برعم وغيرها بالقصف ، بعد مرور بعض الوقت ظنَ الجميع أن اليهود خسروا فأرتاح الرُماة ، لكن اليهود على غفلة هجموا من الشارع الرئيس ، وقتلوا كل من صادفوه ، وأستخدموا السلاح الأبيض ضد الأهالي العُـزل ، فسقط عـدة شهداء أذكرُ منهم الشاعر محمد زغموت ، واسماعيل عبيد ".

معاناة الشعب الفلسطسني لامثيل لها

أولى محطات اللجوء بالنسبة للأستاذ "أبوضياء " كانت بلدة يارون اللبنانية الحدودية ، ومنها أنتقلت عائلته ومئات العائلات الأخرى إلى خيم نُصبت في البرج الشمالي في ضواحي مدينة صور، وحول ذلك يقول " في كل خيمة أقامت 3 إلى  4 عائلات ، وكان الصليب الأحمرالدولي يُقدم الخُبز والمعلبات ، وبدوري كنت أشتري مايرغب الناس ببيعه من المعونة وأذهب إلى مدينة صورمشياَ على الأقدام صيفاَ وشتاءَ لبيعها وإعانة أهلي ".

ويضيف " أثر إنتقالنا إلى صيدا أنتسبت إلى مدرسة المقاصد الإسلامية ، ونلتُ الشهادة التكميلية ، وسافرتُ إلى مصر لإستكمال دراستي الثانوية على نفقة أبن عمي ونلت الشهادة التوجيهية ،  ومنها إلى السعودية حيث عملت عاماَ معلماَ، وعدت الى لبنان فعملتُ مُعلماَ في دار اليتيم العربي ، ثم معلماَ مياوماَ في مدارس "الأونروا" من الشمال الى الجنوب ، فمُعلماَ مثبتَاَ في الأونروا منذ العام 1974 وحتى سـن التقاعـد عام 1999 ".

 لم يتردد الأستاذ " أبو ضياء " في تحمُل المسؤوليات حيث تطلب في إطارالعمل الوطني الفلسطيني ، وعمل وحرص على توفير التعليم والحياة الكريمة لأسرته المكونة من 3 ذكـور و 6 أناث هُـم اليوم جميعاَ من حملة الشهادات الجامعية.

ويختم حديثه بالإشارة إلى الظُلم ُالمرافق للفلسطيني منذ نكبته وعبر لجوئه القسري في لبنان ، حيث يُحرم من أبسـط حقوقه بما فيها تملك منزل يؤويه وتسجيله بإسمه، إذ تعمـد الأوقاف الإسلامية في حالة وفاة صاحب المنزل إلى التصرُف به كونه يُعـدُ غير مسجَل بشكل رسمي في الدوائر العقارية اللبنانية.

عمقـا.. ذكريات لم تطمسها السنين

ينتمي الفلسطيني عادل مصطفى إسماعيل " أبو القاسم "، الموالود عام 1935،

الى عائلة مكونة من سبعة أفـراد ، كانت تُقيم في بيت يقع في أطراف قرية عمقا بقضاء عكا.

وبرغـم مرورأكثر من سبعة عقود ، يستذكر إسماعيل حياته في عمقا بأدق تفاصيلها اليومية، وكأنها ماثلة أمامه ، فيقول " كانت عائلتي تملك خمسة دونمات من الأرض مزروعة بأشجار التين ، والرمان ، والمشمش والزيتون الرومي ، وأشجارالصُبارالتي كانت تحيط بها كالسور، بالإضافة إلى فسحة أمام البيت مزروعة بالورد ، وكنا نربي الدجاج ، والحمام، والأرانب، وحتى خروف العيد ، ونبيع من غلة التين والصبار والعنب وزيت الزيتون في مدينة عكا " ، ويضيف " بسبب شُـح المياه وعـدم وجود آبار إرتوازية لجأ الأهالي إلى حفر حُفـر في الأرض شبيهة بالآبار، وبعد تجهيزها وصبها بالباطون تُسحب إليها مياه الشتاء بأنابيب ممددة على أسطح البيوت، لإستخدامها في الشرب والإستعمال اليومي ".
 وكانت في عمقا مدرسة إبتدائيه حتى الصف الخامس تضم 100 طالب وطالبة بعضهم من البلدات المجاورة كالشيخ داوود، وكويكات، بحسب حديث إسماعيل ، الذي واصل الدراسة فيها الى أن أنهى الصف الخامس ثم إلتحق بمدرسة بلدة كفـر ياسين بمحاذاة عمقا.

محطات الترحال وعذاباتها المريرة

ينوه "ابو القاسم" الى أن نقص الخبرة العسكرية والتسليح كان السبب في إحتلال عمقا ، ويوضح " قضاء عكا كان يضم عدة مستعمرات يهوديه (يركا، جدو ، يانوح ، نهاريا ) ، وكان الإنكليز يعتقلون كل فلسطيني يحمل ولو (فشكه) فارغة ، ولم يتعـدَ سلاح الناس آنذاك البارودة بثلاثة (باغات) "خرطوش" وبعد سقوط بلدة كويكات في الجوار ، تقدم اليهود مُدججين بالسلاح صوب عمقا ، وكانوا يُطلقون الرصاص من الرشاشات ، وهُمْ أصحاب خبرة وشاركوا في حربين عالميتين ، في وقت تنقُصنا نحـنُ الخبرة والتدريب والتسليح أيضاَ ".

(يستذكر ابو القاسم انه شاهـد وآخرون وهم بعمقا النار مشتعلة بمصفحات اليهود ، جراء كمين نصبه أهالي بلدة النهر وبلدة أم الفرج والغابسية لقافلة مؤن يهوديه ولصالح مستعمرة حدين ، عرفت بمعركة الكابري).

، وبعد خروجهم من القرية ، بدأت رحلة نزوح عائلة اسماعيل ، فكانت المحطة الأولى يركا ، ثم يانوح ، وبعدها سحماتا ، فبلدة الدير، ثم المنصورة على الحدود اللبنانية الفلسطينية بسبب عدم توفـرمياه الشفة ،  ومع وصولهم إلى لبنان بدأت العائلة مسيرة ترحال جديدة بسبب رداءة الطقس وعدم وجود سقف تحتمي به ، فأنتقلت من عيتا الشعب إلى بلدة القُزح ، ثم كفـرا ، فطربين ، وصولاَ إلى بلدة المزرعة حيثُ أستأجروا منزلاَ بالشراكة مع آخرين.

ويردف "بعد إنشاء إتحاد الكنائس مدرسة في بلدة قانا إلتحقت أنا وشقيقي بها، وبعدها أنتقلنا إلى بلدة جويا ، فتابعت دراستي في مدرسة أخرى تتبع لإتحاد الكنائس وكان مديرها ومعاونوه كلهم فلسطينين".

ويتابع " أستقـر بنا المُقامْ في مخيم عين الحلوة ، وتشاركنا مع عائلتين السكن في خيمة من الحجم الكبير بإستخدامنا الأغطية كعـوازل فصل بين العائلة والأخرى ولاحقاَ فتـح والدي دُكاناَ داخل الخيمة ، وألحقني بمدرسة لإتحاد الكنائس في منطقة الجميزة.

وبعد نيلي شهادة (السرتفيكا) من "الأونروا" التحقت بالمدرسة الأهلية الخاصة في بيروت وحصلت على الدبلوم".

في العام 1954 بدأ الأستاذ عادل اسماعيل رحلته مع مهنة التعليم في مدارس "الأونروا" ، وأنتسب في الوقت ذاته إلى الجامعة العربية في بيروت فكان يعمل ويتابع دراسته في الآن عينه، حتى حصل على شهادة "الليسانس" في التاريخ، وبقي يُزاول عمله حتى بلوغه سن التقاعـد عـام 1995.

ويؤكـد "أبوالقاسم" أن المعاناة وسنوات الكفاح جعلته يُدرك أهمية التعليم فوضعه في أعلى أولوياته ، وحرص على توفيره لأبنائه الذين يحملون اليوم شهادات جامعية في تخصصات مختلفة.

في حطين ذكريات تفطُـرُ القلب

بسبب الفاقـة ، نزح ذوو الفلسطيني حسن علي عيس " أبو رمزي" (92عاماَ) من تل في قضاء نابلس حين كان عمره 12 عاماَ ، إلى بلدة حطين المشهورة بالتين والصبار والكروم ووفـرة المياه ، مخلفين الأملاك والأرزاق للأقارب ، عمل والده في الزراعة والحصاد ، وبهدف تحسين وضعهم المعيشي ألتحق حسن في العام 1946 بقوات الحدود المعروفة بـ (الزنارالأحمر) بأمرة الإنتداب البريطاني لمدة سنتين ،  وبدوره التحق شقيقه بالقوات نفسها لمدة 6 سنوات ، تمكنت العائلة من شراء الأرض والأملاك.

وحول وقائـع النكبة يُقول " لقـد رفض الحاج أمين الحسيني الوقوف إلى جانب الإنكيز في الحرب العالمية الثانية ،  وأثر إنتهاء ولاية الإنتداب البريطاني على فلسطين سُـلمَ العتاد والسلاح الإنكليزي لليهود. وقـد كان الإنكليز يغضُون الطرف عن هـروب الفلسطينين المنضوين بقـوة الحدود بهدف تهيئة ظروف الإشتباك بين الفلسطينين واليهود ".

ويُكمل عيسى "حميَة أهالي حطين سرَعت في تواصلهم مع رجال الثورة المتخفين في المرتفعات ومنهم آنذاك القائـد نـوح إبراهـيم (ابو ابراهيم) ، وعبد الله الأصبع أو الأصبح ، وشاركنا  ومسلحين من بلدات آخـرى في مواجهة اليهود في طبريا،  وحصرناهم في مستعمرتي كفار ياحون وعين أكتيب على مرتفعات بلدة حطين ، وحصلت مواجهات بيننا ، فتـم الإستيلاء على مصفحة ودراجة نارية ، وقتل يهودي ، وأُستشهد أبو شكيب الحطيني".

 ويختـم بالقول " لقد أبلى المقاومون وأهل البلدة بلاءَ حسناَ رغم قلة العتاد والسلاح الذي لم يتعـدَ (بارودة أم حبة) ، ولكن الطيران الاسرائيلي قصف البلدة ، وأثر ذلك أضيف لقوافل النزوح لاجئون جُدُد حطوا في لبنان ، وكغيرهم عرفوا الجوع والبرد والتشرد والحرمان وأمراضاَ يعجـز الطـبُ عـن شفائها ". 

الصفصاف ، عمقـا ، حطين ، لهذه القرى وغيرها ذكريات ما زالت حاضرة في قلوب وأذهان من عاش طفولته فيها ، ورغـم مـرورأكثـر من سبعين عاماَ على خروجهم منها يتذكرها أبناؤها البعيدون عنها قسـراَ بلهفـة ودموع وقلبُ عاشـق لترابها وهوائها ، وبأمـل العـودة الحتمي مهما طال الزمـن.


التعليقات