خريطة المواقف العربية عشية القمتين الطارئتين

خريطة المواقف العربية عشية القمتين الطارئتين
كتب عريب الرنتاوي

كيف تبدو خريطة المواقف العربية عشية القمتين الطارئتين لدول الخليج وللجامعة العربية في مكة المكرمة؟ ... وما الذي يمكن أن يصدر عن هاتين القمتين؟ ... وما هو سقف التوقعات من وراء انعقادهما في الأصل؟ ... أسئلة وتساؤلات، تشغل اهتمام المواطنين، كما المحللين وصناع القرار في عواصم المنطقة.

خارج إطار العموميات العربية المعتادة عند الحديث عن إيران، لا يبدو أن ثمة جديداً سيصدر عن هاتين القمتين ... سيتضامن العرب والخليجيون مع المملكة السعودية، بعد أن تعرضت منشآتها النفطية لضربات حوثية جوية، وسيعاد انتاج الخطاب التقليدي من إيران والحاجة إلى ضبط سلوكها والتوقف عن إثارة القلاقل والنزاعات في المنطقة، واحترام قواعد حسن الجوار وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول العربية، إلى غير ما هنالك من مواقف، سبق وأن تضمنتها بيانات عديدة، وتكاد لا تخلو قمة أو اجتماع عربي، من دون إعادة ذكرها والتأكيد عليها.

معظم الدول العربية، بما فيها بعض الدول الخليجية، ليست بوارد منح "صك على بياض" لإدارة ترامب لإشعال حرب جديدة في الخليج والمنطقة، فهذه الدول تدرك تمام الإدراك، أنها ستكون ساحة لتلك الحرب، وأن كلفها الباهظة ستدفع من جيوب مواطنيها وثروات أجيالها القادمة ... في الخليج على سبيل المثال، لا يبدو أن الكويت وقطر وعُمان، بوارد المساهمة في قرع الطبول، فيما الخطاب الإماراتي يبدو أكثر ميلاً للهدوء هذه المرة، بدلالة ردة الفعل الإماراتية المتريثة على حادثة استهداف السفن الأربع في ميناء الفجيرة.

مصر، أكبر دولة عربية، والأردن من موقعه المحوري في معسكر الاعتدال العربي، وكذا المغرب والجزائر وتونس، وربما "سودان ما بعد البشير"، لن تكون في وارد "الرقص على قرع الطبول إياها" ... العراق ولبنان لديهما مشكلة كبرى في تأييد أي خيار عسكري ... أغلب الظن، أن القمتين، لن تمنحا غطاءً عربياً أو خليجياً لحرب يتلهف صقور الإدارة الأمريكية، ومعهم صقور الحكومة الإسرائيلية، لإشعالها في المنطقة، طالما أنهم خارج ساحاتها، وطالما أنهم سيجنون أرباحاً فلكية جرائها، وربما لسنوات وعقود قادمة.

لا أدري ما الذي تريده السعودية من الدعوة لهاتين القمتين الطارئتين، إن كان التضامن معها بعد تعرضها لما تعرضت له من طائرات الحوثي المسيّرة، فهذا أمرٌ مقدور عليه، وسيمنحها العرب ما تحتاجه من تضامن واعتراف بمكانتها وحرص على أمنها واستقرارها ... لكن إن كان المقصود من هاتين القمتين، أن تعيدا انتاج قمة القاهرة التي "شرعنت" الحرب الأمريكية على العراق وغزوه في العام 2003، فلا أحسب أن أحداً يريد ذلك، أو يبدي حماسة له ... تلكم مغامرة لا تحمد عقباها، سيما بوجود عناصر متطرفة، نافذة وفاعلة في الإدارتين الأمريكية والإسرائيلية.

ثم، أن كلف الحرب على إيران، لن تقارن بكلف الحرب السابقة على العراق ... هذه المرة، يبدو أن الفوضى غير البناءة ستعم الإقليم، وقد ينفلت مارد "الإرهاب" من قمقمه، وهذه المرة في الشطر الثاني من العالم الإسلامي – الشيعي، ولن يكون الأمر محصوراً بفئات وشرائح أكثر تطرفاً، كما في تجربة القاعدة وداعش، هنا ربما يصاب النسيج الاجتماعي في عدة دول عربية، باختلال لا شفاء منه، أقله في المدى المنظور.

وعلى مستوى الرأي العام العربي، فإن إيران ليست هي أكثر ما يقلقه ... لديه من المتاعب الاقتصادية والاجتماعية والسياسية الداخلية ما يكفيه ... وصفقة القرن تطل برأسها البشع مهددة أمن واستقرار المنطقة لسنوات عديدة قادمة، وثمة قناعة على المستوى الشعبي، بأن طبول الحرب التي تقرع ضد إيران، من واشنطن وتل أبيب، أنما تستهدف تعبيد الطريق أمام أخطر مؤامرة لتصفية القضية الفلسطينية.

قد يبدو هذا التقدير محملاً بمزيد من "مشاعر" التفاؤل، ولكن أية قراءة واقعية وحكيمة، يجريها أي مسؤول عربي، تحتم عليه الابتعاد ببلاده خطوة إلى الوراء عن حافة الهاوية، قبل الانزلاق إليها، والندم حيث لا ينفع الندم.

التعليقات