الأفعى الفلسطينية السامة: البيئة والمخاطر

الأفعى الفلسطينية السامة: البيئة والمخاطر
د. عبد الفتاح نظمي عبد ربه

حذّرت هيئات صحية تابعة لوزارة الصحة الفلسطينية قبل أيام المواطنين من انتشار الأفعى الفلسطينية السامة (Venomous Palestine Viper = Vipera palaestinae or Daboia palaestinae) بشكل كبير في مختلف المناطق الفلسطينية ولا سيما الضفة الغربية التي تتمتع بجبالها وأوديتها وتعدد البيئات الطبيعية وغير الطبيعية (المُشيدة) فيها، داعية إياهم إلى أخذ الحيطة والحذر وعدم الإمساك بها أو بأي كائنات خطرة في البيئة الفلسطينية. 

شدّدت الإدارة العامة للصيدلة على ضرورة تنظيف العشب والحشائش في محيط المنازل، ومراقبة الأطفال وتحركاتهم جيدًا، وعدم ترك شبابيك المنزل والأبواب مفتوحة وتفقد حوافها، وتفقد الأحذية قبل ارتدائها، وضرورة الانتباه للخطوات عند التنقل في الأراضي الزراعية والمناطق التي تتواجد فيها الأعشاب والحشائش بكثافة. شكلت هذه التحذيرات دافعا لي لأن أتناول الأفعى الفلسطينية السامة أو ما يطلث عليها محليا أحيانا بالحية الزعرة الفلسطينية.

طبيعة الأفعى الفلسطينية السامة

ينتشر في البيئة الفلسطينية ما يقارب من 40 نوعا مختلفا من الثعابين، ويمثل ربع هذا العدد تقريبا ثعابين سامة (Venomous or Poisonous Snakes) يطلق عليها في الغالب الأفاعي أو الحيات (Vipers).

 تعتبر الأفعى الفلسطينية السامة المتواجدة في  فلسطين وسوريا والأردن ولبنان وحتى حدود تركيا الدنيا من أكثر الأفاعي المسببة لحالات لدغات الأفاعي (Snake Bites) في المجال الجغرافي الذي تتواجد به ولا سيما في فلسطين. 

يتراوح طول الأفعى الفلسطينية السامة من 80 - 90 سم, وقد تصل في بعض الأحيان إلى 130 سم ويمثل الذيل ما نسيته 13-16% من طولها. 

تتميز الأفعى بلونها الأصفر المشفوع بخطوط ملتوية بنية اللون تمتد من ذنبها وحتى رأسها مثلثي الشكل (يعتبر غالبا ميزة للأفاعي السامة) مع أن اللون قد يتباين تبعا للبيئة التي تقطنها.

 تتغذى الأفعى الفلسطينية السامة على القوارض والسحالي والضفادع والطيور بالإضافة إلى كائنات حية صغيرة أخرى، ولهذا فالأفعى تشيع بالقرب من مصادر المياه التي توفر لها الغذاء ومواضع الإباضة الرطبة التي تتطلبها. 

تعتبر الأفعى الفلسطينية السامة ليلية النشاط (Nocturnal) ومتسلقة ماهرة (Excellent Climber)، وقد تتشمس يالقرب من أماكن اختبائها. 

تضع الأنث بيوضها (7 – 22) في أغسطس غالبا، لتفقس بعد 6 – 8 أسابيع   

العلاقة مع الإنسان تشيع الأفعى الفلسطينية السامة وغيرها من الثعابين السامة وغير السامة في البيئات الفلسطينية الطبيعية والزراعية والمزارع الحيوانية وبالقرب من الأجسام المائية المختلفة مثل الينابيع والبرك وأحواض الصرف الصحي، وليس من الغريب تواجدها بالقرب من المنازل والأبنية المختلفة مثل المصانع والورشات والأراضي العشبية أو المهجورة التي تجاورها مما يجعل الإنسان عرضة لعضاتها ولدغاتها المؤلمة والقاتلة أحيانا.  

قلما تهاجم الأفاعي الإنسان بإرادتها ولكنها تهاجمه إذا وطئت قدمه عليها بطريق العمد أو الخطأ أو إذا حاول الإنسان مهاجمتها أو قتلها أو الإمساك بها أو ملامسة بيوضها في أوكارها.

 تشير العديد من التقارير أن المزارعين يتعرضون للدغات الثعابين السامة عندما تطء أقدامهم عليها أثناء العمليات الزراعية والري وأثناء حصاد المحاصيل، وعندما يقومون بتنظيف قنوات الري أو عندما يضعون أيديهم في جحور مظلمة تختبأ فيها الثعابين. 

تنشط الثعابين والأفاعي في الصيف وتحافظ على التوازن البيئي (Ecological Balance) في الطبيعة وعلى حياة الإنسان أيضا من خلال ملاحقتها للقوارض والآفات التي تزعج الإنسان. 

  تتلقى بعض المراكز الشُرطية أو الصحية أو مراكز الدفاع المدني بلاغات بوجود ثعابين أو أفاعي في المنازل أو المؤسسات، ويتوجه في العادة طواقم متخصصة في التعامل مع الكائنات الخطرة مثل الثعابين السامة والعقارب وغيرها في محاولة للإمساك بها والتعامل معها بطريقة تُبعد خطرها على الإنسان، وغالبا تستخدم عصا خاصة للإمساك بها ومن ثم نقلها الى المكان البيئي الملائم لها.  

 المخاطر الصحية تسبب لدغات وعضات الأفعى الفلسطينية السامة آلاما مبرحة في مكان العضة للإنسان الذي يتعرض لها.

 يتبع العضة تورم في مكانها ومن ثم تبدأ منطقة العضة بالاسوداد والتقرح، وقد يدخل المُصاب في صدمة قوية بعد العضة مباتشرة وقد تؤدي العضة أحيانا إلى الوفاة.

 لهذا، ينصح بمحاولة منع سم الأفعى من الانتشار في باقي أنحاء الجسم بتهدئة المُصاب ونقله بأسرع وقت إلى المراكز الصحية أو العيادات والمستشفيات القريبة.

 عادة، لا تتوفر الأمصال الخاصة بسم الأفعى الفلسطينية السامة في المناطق الفلسطينية وعليه فقد يضطر الأطباء إلى تحويل المُصاب باللدغات إلى المستشفيات الإسرائيلية.  

 أمصال معالجة لدغات الأفاعي السامة يحتوي سم الأفعى الفلسطينية السامة على سموم متنوعة تتضمن سموما عصبية (Neurotoxins) وسموم نزفية (Hemorrhagic Toxins) وأخرى مانعة للتخثر (Anticoagulants) وغيرها فضلا عن المحتوى العالي للسم من الزنك والنحاس. 

تعتبر عملية استخلاص الأمصال أو المضادات (Serum or Antivenin) الخاصة بمعالجة الأشخاص الملدوغين صعبة ومكلفة ويترتب عليها التكلفة الباهظة لعلاج حالات اللدغ بواسطة الأفعى الفلسطينية السامة.

 تتباين الأفاعي السامة في درجة سميتها، وعليه تتباين الأمصال المستخدمة في علاج المصابين باللدغات تبعا لنوعية الأفعى وسميتها. 

يشير أحد المسؤولين في وزارة الصحة الفلسطينية أن تكلفة علاج المصاب بلدغة الأفعى الفلسطينية السامة مكلفة جدا وقد تتجاوز في بعض الأحيان 20,000 ألف دولارا أمريكيا. 

يحتوي المصل الخاص بمعالجة سموم الأفعى الفلسطينية السامة على عوامل تعمل على معادلة النشاطات النزفية (Hemorrhagic Activities) للسم.  

 الأعراض الطبية والتأثيرات المرضية ترتبط الأعراض وإشارات التعرض والتأثر بالسم Envenomation)) بموضع العض أو اللدغ، وكمية السم المحقون، وبسلوكيات الشخص المصاب.

 في أول 15 – 20 دقيقة من اللدغ، يشعر المصاب بألم شديد في مكان اللدغ مترافق مع انتفاخ وهزال عام وعدم الراحة وشحوب الوجه وتقيؤ وتنفس غزير وآلام في البطن.

 يظهر في مكان العض ثقبان أزرقان يشيران إلى مكان طعن الأنياب السامة (Fangs) للأفعى وقد يظهر ثقب واحد أو عدة ثقوب تشير إلى تعدد الطعنات.

 قد يعقب ذلك إسهال وفشل في الدورة الدموية الطرفية وهبوط في الضغط (Hypotension)، وتعرق (Sweating) وحمى (Fever)، وقد تتطور إلى صدمة (Shock).

 يمكن أن تظهر أعراض أخرى تتضمن احتباس البول (Urine Retention) وبول دموي (Hematuria) ونزفا في الأغشية المخاطية والجلد ,وبطء القلب (Bradycardia) وصعوبة في البلع وغيرها.  

 تعددت حالات الوفيات (Death Cases) المرتبطة بعضات الأفعى الفلسطينية السامة وعادة تأتي الوفيات بسبب تلقي المصابين لعلاجات تدعيمية تفتقر إلى الأمصال الخاصة بنوع الأفعى ونوع السم أو بسبب عدم تلقي الإسعافات الأولية أو العلاج بعد العض مباشرة وطول مدة نقله للمستشفيات. 

تشير التقارير الطبية في فلسطين أن جل عضات الثعابين تأتي من الأفعى الفلسطينية السامة ولهذا فهي الأخطر والأشد فتكا في البيئة الفلسطينية، وعليه يتطلب الأمر توعية شاملة بأنواع الثعابين السامة وغير السامة وأهميتهما البيئية وسبل تجنب التعرض لعضات الثعابين وكيفية التصرف حال تعرض الإنسان للدغات الثعابين أو حتى العقارب والعناكب والكائنات الخطرة في البيئة.             



التعليقات