د. صبحي غوشة/ المناضل والإنسان: العمل النسائي والعمل الوطني

د. صبحي غوشة/ المناضل والإنسان: العمل النسائي والعمل الوطني
د. صبحي غوشة/ المناضل والإنسان: العمل النسائي والعمل الوطني

فيحاء عبد الهادي

2019-05-19

"النساء اللي برزوا في العمل السياسي برزوا بشطارتهم. الكتب معظمها كتبت عن الشخصيات البارزة، المهم هو دور المرأة العادية التي كانت تساهم في العمل الوطني بصمت. يجب أن نعيد النظر في نظرتنا إلى المرأة، هي التي تهزّ العرش وتهدّ العرش".                                                          

د. صبحي غوشة  

حين يحضر عشاق القدس؛ ممن نذروا حياتهم في سبيل الدفاع عنها؛ والمؤمنون بعدالة القضية الفلسطينية، وبأهمية العمل المنظَّم المقاوِم؛ الذين يربطون بين النظرية والممارسة؛ المناضلون المبدئيون؛ يحضر د. صبحي غوشة.

يمشي مشواره الطويل بخطى واثقة، وإيمان لا يتزعزع بالقومية العربية، وبالمشروع التحرري الكفاحي الفلسطيني، المنطلق من الثقة العالية بالطاقات الهائلة لأبناء الشعب الفلسطيني، وبعدالة القضية الفلسطينية، وبحتمية هزيمة المشروع الصهيوني الاستعماري العنصري الإحلالي. 

يكتب حكاياته منذ مرحلة الطفولة حتى مرحلة الحكمة، وينشرها في كتب ملهمة. 

يربط العمل السياسي بالعمل الثقافي ما يفسِّر دأبه على تنظيم ندوة سنوية باسم "يوم القدس" من كل عام (في ذكرى تحرير القدس على يد صلاح الدين الأيوبي، يوم 2 تشرين الأول 1187)، ومشاركته في تأسيس جمعيات مقدسية عديدة، بالإضافة إلى إعادة تفعيله فرقة القدس للتراث الشعبي.    

*****

حين قدَّم د. صبحي غوشة شهادته حول المشاركة السياسية للمرأة الفلسطينية منذ الثلاثينيات، العام 1998؛ كان يقدِّم شهادة وتوثيقاً لنضال الشعب الفلسطيني منذ أوائل القرن الماضي؛ رجاله ونسائه.

استحضر المشاركة السياسية الفاعلة للمرأة الفلسطينية؛ فبرز أسماء نساء عديدات، ساهمن بفاعلية في العمل السياسي، مركزاً على المرأة العادية، التي لم يعرف عنها الكثير، ما أضاف إلى التاريخ المدوّن، وأغنى الأرشيف الفلسطيني.

*****

"منذ نشأتنا كانت تشرح لنا والدتي عن دور المرأة الوطني؛ كانت تشارك بنقل الأسلحة وخاصة النساء اللواتي يلبسن الملاية الزمّ، كنّ يضعن أسلحة تحت ثيابهن. فيه واحدة من عائلة "إدكيدك"، والقرويات كانوا يدخلوا السلاح تحت (جون) البقدونس والسلق، ينقلوها للثوار، عرفنا عن قرويات كنّ ينقلن السلاح والطعام والأخبار لمراكز الثوار. الأولاد مارسوا العملية أيضاً، من تجربتي؛ أحد الأشخاص حمّلني مسدس لأهرِّبه في 39، وذكرته في كتابي عن المهرِّب الصغير. 

أذكر سنة 47، كان مظاهرات نسائية تطلع: "زليخة الشهابي"، "طرب عبد الهادي"، "هنرييت سكسك"، "قدسية سيف الدين"، "ناهد عبده السجدي"، حرم المرحوم "توفيق أبو السعود"، "نزهة درويش"، "هند الحسيني". 

الشهيدة "حلوة زيدان"؛ سمّوا وادي سلوان وادي حلوة. "حياة البلبيسي" (البلابسة)، اللي استشهدت (وهي تسعف الجرحى في دير ياسين)، بعدها استشهدت (رجاء أبو عماشة) أثناء المظاهرات ضد حلف بغداد.

بعد التقسيم لعبت المرأة دور أكبر، الطلاب والطالبات قاموا بدور وطني بارز، الآن أصبحوا مدرّسات؛ "أروى العسلي"، زوجتي "أمل الدجاني"، كل الجيل شاركن في المظاهرات اللي أسقطت حلف بغداد. 

دار الطفل في القدس بقيت شوكة في حلق الاستيطان الصهيوني، وحاولوا بكل الوسائل يغلقوها؛ ما قدروش، وتطوّرت، وأصبح فيها جامعة القدس. كانت دار الطفل بؤرة ثورية فلسطينية استطاعت أن تتوسع وتقوم بنشاطات أخرى عدا إيواء البنات. 

كان فيه مقاطعة للبضائع الإسرائيلية عام 1936، وأواخر 46، وصار مقاطعة عند اعتقال الزعماء الخمسة في 56 (قامت فرنسا باختطاف طائرة الزعماء الخمسة، من جبهة التحرير الجزائرية، التي كانت تتوجه إلى مؤتمر السلام المغاربي، من أجل التنسيق لاستكمال تحرير الشمال الإفريقي وبناء الاتحاد المغاربي)، قامت مظاهرات ضد الاعتقال، وصدر قرار بمقاطعة البضائع الفرنسية.

سنة 48، كنت في الجامعة الأميركية في بيروت. ذهبنا إلى مقابلة المسؤولين للتطوع في الحرب رفضوا قالوا: إنتوا الآن طلاب، كمّلوا تعليمكم، وبعدين نستفيد منكم في المستقبل. ولا استفادوا منّا ولا ما يحزنون. 

عدت بعدها إلى القدس، وجدنا الأهل مهاجرين إلى البلدة القديمة، حكوا لنا كيف اليهود قاموا بنسف بيوت مجاورة، بيت "شكيب النشاشيبي"، و"الكاظمي"، كثير نسفوا بيوت، فاضطروا لعدم وجود حماية إلى الهجرة إلى البلد القديمة، وعندما اشتدت الحملة على البلدة القديمة، وكان في احتمال هجوم يهودي لاحتلالها، وفي قلة عدد مقاومة، في ليلة بيسموها ليلة القنابل؛ يمكن تسعماية قنبلة نزلوا على البلد القديمة، فرغت البلدة القديمة من سكانها، أنا وأخوتي الصغار ركّبونا في شاحنة، ورحنا على غزة، قلنا إنه غزة هأمن. بدون أبوي وأمي. كنت أكبر إخوتي. بعد شهرين غزة بدأت الغارات في غزة، واضطررنا إنه نرجع قبل ما يحتلوا الِفرنجة بعدة ساعات، رجعنا إلى القدس.

فترة الخمسينيات، بعد ثورة "عبد الناصر" بدأ حركة المدّ القومي في فلسطين، وكل المناطق، وزادت النشاطات الحزبية والسياسية، قامت مظاهرات في القدس، والنساء شاركن فيها، جاء الاعتداء على قناة السويس، فتشكلت لجان إسعاف من النساء، وبدأ تدريبهن وتدريب الرجال في القِشلة في القلعة.

تدرّبوا بنات القدس وسيداتهم، كانت حركة شعبية واسعة استقطبت الجميع، معظم المواطنات. أقمنا لجان مقاومة شعبية، في كل حي، ولجنة إسعاف من السيدات، أثناء حرب السويس. 

في تلك الفترة الأحزاب اللي نشطت: حزب البعث، والقوميين العرب، والشيوعيين من قبل. هذه ثلاث أحزاب كان فيها شباب وفيها صبايا. 

فيه رائدات في هذه الأحزاب: "حنان غوشة"، "نهيل عويضة"، "وداد قمري"،  كانوا من القوميين العرب، تم اعتقال عدد من البنات، منهم: "ناديا السلطي"، و"سعاد هريش"، في سجن المحطة في عام ثمانية وخمسين، قُدِّموا للمحاكمة، "إميلي نفاع" شيوعية. وبعدين أجت "جهاد درويش"، و"زهيرة كمال"، و"عبيدة الكاظمي"، كان في عشرات في القدس. أنا اعتقلت عدة مرات. 

للأسف التاريخ اللي نقوم فيه مش تاريخ الشعوب، تاريخ الرؤساء والزعماء، وهذا خطأ، لأنه في مناضلين كثار يجب أن نعطيهم حقهم.

*****

د. صبحي غوشة،

لم تسمح لليأس أو الإحباط أن يتسلل إلى قلبك مرة واحدة، خلال مراحل النضال الطويلة الصعبة والممتدة. كان سلاحك الإيمان بالحق والعدل والحرية، 

الطريق كانت واضحة؛ نحو وطن فلسطيني موحّد حرّ، عاصمته القدس، والبوصلة واضحة؛ نحو الشمس. 

شمسك لن تغيب أيها المناضل الإنسان، سوف تفتقدك ساحات القدس، والأرض العربية، وعشاق الحرية أينما وجدوا.

[email protected]

التعليقات